الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > "التاكسيست.."
"التاكسيست.."
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

امتطت السيدة فائزة في ذلك اليوم سيارة أجرة (تاكسي) قاصدة مستشفى شال نيكول. كان سائق التاكسي هادئا، يستمع لشكوى السيدة عن أحوالها وعن غلاء تكلفة العلاج وكذبة "مجانيته". لقد أدركت بوعيها البسيط إلى أن الصحة في تونس هي واحدة للفقراء وأخرى للأغنياء.

سائق التاكسي تعاطف معها وساندها في شكواها ثم انتقلا بالحديث، وكأنهما اتفقا، عن ظروف العيش عامة، وغلاء الأسعار وفواتير الماء والتيار الكهربائي وتدهور المقدرة الشرائية (وتسيست القضية). وإلى هذا الحد، تولى السائق مبادرة الحديث، بل واستفرد به، لصب جام غضبه على المسؤولين في البلاد، وعن فساد الإدارة وتفشي الرشوة...

ولكي يزيد قوله صدقا وتشويقا، روى لها حادثة كان ضحيتها يوم أمس:

استوقفه أحد الحرفاء، وطلب منه إيصاله إلى وسط العاصمة. وفي منتصف الطريق، كان الزحام على أشده والمنافذ تعج بالسيارات، وعلا التزمير والصياح، وحنق السائقين والركاب معا. وهو سيناريو اعتاد عليه كل داخل إلى العاصمة بسبب سوء التخطيط وسوء إدارة الطرقات.

وقد ازداد تشنج سائقنا، والتمس من حريفه أن يستسمحه حتى لا يتحمل عناء الدخول إلى وسط العاصمة وطلب منه معلوم نقله.

وكأن الحريف كان ينتظر سلوك السائق، استظهر له ببطاقته الأمنية وأمره بالتعريج على مركز الأمن القريب، وهناك كانت مفاجأة السائق كبيرة لأنه وجد أكثر من خمسة سائقي تاكسي وبنفس الموجب.

تغامز الأعوان وقرروا أن الخطية في حدود ألف وخمس مائة دينار. وبعد شد وجذب، وتبادل الأدوار،استقر الرأي على أن طلبوا من ثلاثة منهم (على انفراد طبعا) مائتي دينار (رشوة) مقابل تسريح سياراتهم. أما الاثنان المتبقيان، ومنهم صاحبنا، فقد طلب منهما أن يخصص كل منهما سيارته يوما كل شهر لاستعارتها لأحد الأعوان لاستخدامها مجانا. ولما استفسر صاحبنا عن "جرأة" هذا الطلب ومغزاه، تحجج العون بأنه لم يعد خاف على أحد جرائم تحويل الوجهة والاختطاف ولأن الواجب يقتضي اليقظة الدائمة والحيلة فإن المؤسسة الأمنية قررت أن تجند ليس فقط مخبريها وميليشياتها، وإنما تطاولت حتى على موارد رزق المواطنين لتوظيفها !!

ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن صاحبنا السائق فض هذا الطلب، ومن حسن حظه أن مالك التاكسي هو عون أمن متقاعد وبمجرد أن نطق باسمه تراجع الأعوان عن غيهم والتمسوا منع الأعذار، بل حتى طلبوا منه أن يبلغهم السلام لزميلهم المرموق.

السائق لازال مصدوما من وقاحة رجال الأمن ومن تطاولهم. لقد شعر بالاشمئزاز من هذا السلوك، وعرف دون أن الغاية من وراء ذلك هو التجسس على المواطنين وليس حمايتهم.

وأنهى السائق روايته بأن نصح حريفته وهي تنزل من التاكسي بأن توصي أقاربها ومعارفها بعدم الاطمئنان لسائقي الأجرة والخوض في مسائل الشأن العام، لن من بينهم من يقوم بـ"واجبه": إما القوادة المجانية أو المراقبة الأمنية.

انتظرت السيدة فائزة حتى عودة ابنتها الوحيدة من الجامعة كي تروي لها ذلك، وهي على علم بنشاط ابنتها في صلب الاتحاد العام لطلبة تونس.

لم تضف أي شيء عن رواية السائق في حنقه وشكواه وحتى في تخوفه ونصيحته.

ولكن ابنتها طمأنتها بأنها رصينة وناضجة وتعرف ما تفعل وتقول. وبعد أن شرحت لها هذا السلوك الأمني باعتباره منهجا في الحكم وإدارة دواليب الدولة، وأضافت أن السلطة سوف تجنح في قادم الأيام إلى مزيد تشديد القبضة الأمنية ليس على النقابيين والسياسيين والحقوقيين فقط وإنما على جميع فئات الشعب التونسي لأن ليس له من إجابة لمطالبهم المشروعة في العمل والعيش الكريم والديمقراطية، وهو الذي يم يعرف أبدا سياسة الحوار والاستماع إلى مطالبهم وشكاويهم.

وأردفت الابنة بأن مزيد تشديد المراقبة وملاحقة الأصوات الحرة يندرج في مخطط قادم ستكشف عنه السلطة لإعادة الدوس على إرادة الشعب ومزيد إهانته وإذلاله عبر ترشيح الرئيس الحالي للمرة المليون !!

لقد أوضحت البنت لأمها أنها تحبها وتحب أهلها بنفس القدر الذي تحب به زملاءها وشعبها عامة، وأن مدرسة المنظمة النقابية قد علمتها بأن لا تسكت عن الظلم وأن لا تتوانى عن فضح القمع والاستغلال مهما كانت نتيجته لأن الصمت هو مشاركة في الجريمة. فالجلاد يغزل سوطه من صمتنا ومن جبننا... وأنه آن الأوان ليقول الشعب كلمته حينها لن يقف أمامه أباطرة التعذيب والاضطهاد، وستدك عروش الظلم والطغيان.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني