الصفحة الأساسية > بديل المرأة > الدكتاتورية هي العائق الرئيسي اليوم أمام القضاء على الميز الجنسي وتحقيق (...)
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة:
الدكتاتورية هي العائق الرئيسي اليوم أمام القضاء على الميز الجنسي وتحقيق المساواة
8 آذار (مارس) 2010

تحتفل النساء التونسيات يوم 8 مارس الجاري باليوم العالمي للمرأة، ويتميّز احتفالهن هذه السنة باشتداد القمع السياسي المسلط عليهن وعلى الشعب التونسي عامة. فقد تكاثرت، خصوصا بعد المهزلة الانتخابية لشهر أكتوبر الماضي الاعتداءات الجسدية والمعنوية على المناضلات السياسيات والحقوقيات والنقابيات والطلابيات وعلى القاضيات والإعلاميات وأمهات المساجين السياسيين وزوجاتهم وأخواتهم. ولم تسلم بعض المناضلات من الحركة الحقوقيّة والحركة الطلابية من تلفيق القضايا أو الطرد من العمل أو من الدراسة. ووصلت الحملات الإعلامية التشهيرية الموعز بها من طرف الدوائر العليا للحكم ضد المناضلات التونسيات، مستوى غير مسبوق من الانحطاط والقذارة (نعت المناضلات بـ"العاهرات" و"المومسات" وهتك أعراضهن...) دون أن يحرّك القضاء التابع والفاسد أيّ ساكن. كما اشتد الحصار على أنشطة الجمعيات النسائية المستقلة التي أصبحت تـُمنَع من تنظيم ندوات حتى في مقراتها فما بالك في فضاءات عامة، وحتى إذا سُمِح لها بالقيام ببعض الأنشطة ففي أطر محدودة ومحصورة بين أربعة جدران وتحت المراقبة المكثفة للبوليس السياسي الذي يقرّر من يُسمَح ومن لا يُسمَح له بحضور تلك الأنشطة. ويضاف إلى هذا الحصار البوليسي حصار إعلامي ومالي لشلّ أنشطة تلك الجمعيات في محاولة لتحويلها إلى مجرّد ديكور.

كما يتميّز احتفال النساء التونسيات بيوم 8 مارس هذه السنة بتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهنها والتي ازدادت حدّة بسبب استمرار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالنظام الرأسمالي والتي ما انفك نظام بن علي يعمل على تحميل انعكاساتها على الاقتصاد المحلّي للطبقات والفئات الفقيرة ومن ضمنها النساء العاملات وربّات البيوت والطالبات والمعطلات عن العمل. فالبطالة تفاقمت منذ اندلاع تلك الأزمة في صفوف العاملات خصوصا أنها مسّت القطاعات الأكثر تشغيلا للنساء، ومنها قطاع النسيج (أكثر من 70 ٪ يد عاملة نسائية)، كما أن عدد صاحبات الشهادات العليا المعطلات عن العمل ازداد كثيرا. ويستغلّ الأعراف المحليّون والأجانب هذه الأوضاع لتكثيف استغلال النساء بحرمانهن من عمل قارّ وتشغيلهنّ وفق صيغ عمل هشّة (عقود وقتيّة، عمل جزئي...) وإعطائهن أجور بؤس تنزل حتى دون الأجر الأدنى الهزيل أصلا، وإخضاعهن لظروف عمل قاسية من الناحية الصحية، هذا دون الحديث عمّا يتعرّضن له من اعتداءات على كرامتهن (تحرّش جنسي، اغتصاب، تعنيف، إهانة...) ومن الحرمان من الانتظام حتى نقابيا. وتتحمّل ربّات البيوت من الأوساط الكادحة والفقيرة في المدينة والريف وطأة تفاقم بطالة الأزواج والأبناء والبنات. كما يتحمّلن وطأة ارتفاع الأسعار الذي لا يتوقف عند حدّ، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتكاليف العلاج والحمل والولادة، وأسعار الكراء، وهو ما يساهم بشكل كبير في هدّ صحّتهنّ ومعنوياتهن وتدمير حياتهن العائلية. وقد أدّى تدهور حياة هذه الفئة النسائية من السكان إلى بروزهن على سطح الأحداث خلال السنوات الأخيرة على غرار ما حصل في انتفاضة الحوض المنجمي (جانفي - جوان 2008) التي كان فيها للنساء الفقيرات المطالبات بالشغل لأبنائهنّ وبناتهنّ دور هامّ. ومن المعلوم أن نظام بن علي واجه احتجاجات هؤلاء النسوة في الرديّف وأم العرايس والمظيلة بالقمع والتنكيل وإطلاق النار والاعتقالات.

خلال هذا العام الدراسي، طفت على السطح أيضا معضلة السكن بالنسبة للطالبات إذ لا يتمتعن في معظمهن بالحق في السكن الجامعي، واللواتي يحصلن عليه منهنّ، فلمدّة لا تتجاوز العامين فقط وعليهن في ما بعد البحث عن سكن في مبيتات أو منازل خاصة بأسعار باهضة وفي ظروف قاسية تعرّضهن أحيانا للعنف والتحرّش الجنسي وحتى للإغتصاب، وهو ما يدفع الكثير من الطالبات إلى الانقطاع عن الدراسة لعجز عائلاتهن عن توفير مصاريف الكراء والأكل والنقل ولخشيتهنّ على حرمتهن الجسديّة. ولمّا تحرّكت الطالبات في منوبة في مستهلّ هذه السنة الجامعية للمطالبة بحقهنّ في السكن وفضحن الفساد السائد في المؤسسات الجامعية المعنية (المحسوبية، التمييز بين الطالبات على أسس سياسيّة...) هاجم البوليس السياسي اعتصامهن ونكـّل بهنّ وبمناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس المساندين لهنّ وحاكم عشرين مناضلة ومناضلا بتهم ملفقة وزج بمعظمهم في السجن.

ولابدّ من الإشارة إلى ما وصلت إليه كرامة النساء من امتهان في "العهد الجديد"، فقد استفحلت ظاهرة البغاء بشكل مفزع نتيجة انتشار البطالة والفقر والتهميش وسيادة القيم الاستهلاكية وتبضيع الإنسان عامّة والمرأة خصوصا. وقد كشفت حادثة المنار (31 جانفي 2010) المتمثلة في إيقاف 10 فتيات ذوات مستوى جامعي (بعضهن متحصلات على الأستاذية وحتى الماجستير) يراودن جماعيا أصحاب السيّارات في ساعة متأخرة من الليل بحثا عن حفنة من الدنانير، الانخرام الخطير الذي حلّ بمجتمعنا. وما من شك أن هذه الحادثة ما هي إلا حادثة رمزية، فلا هي الوحيدة ولا هي معزولة على انتشار شبكات الاتـّجار بالنساء التي تضم في صفوفها حتى التلميذات والطالبات والموظفات.

إن كل هذه المعطيات، مضاف إليها استمرار انتشار الأمّـيّة في صفوف الإناث ووجود ثلاثة أرباع النساء ممّن هنّ في سنّ الشغل خارج دائرة عملية الإنتاج بل حتى غير محتسبات في القوة العاملة واحتلال معظم الشغـّيلات مراتب دنيا وحصولهن على أجور تقل عن أجور الرجال لنفس العمل وتعرضهن للتمييز بسبب حالتهن المدنية وخاصة الزواج والحمل والرضاعة وقلة المؤسّسات التي تعين النساء على رعاية أطفالهن خلال فترة العمل وارتفاع تكاليف الموجود منها من محاضن ورياض أطفال، واستشراء العنف المسلط على النساء في العائلة والمجتمع واستمرار التمييز على مستوى القوانين والتشريعات في العديد من المجالات، تؤكد أن العائق الرئيسي اليوم أمام تحرّر النساء التونسيات والحائل دون تحقيق المساواة بينهن وبين الرجال واستعادتهن لكرامتهنّ هو الدكتاتورية النوفمبرية التي تحافظ على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية التابعة والمتخلفة التي تولد اضطهاد النساء وتبقيهنّ في مواقع دونية داخل العائلة والمجتمع. كما أن تلك المعطيات تفنـّد مزاعم نظام بن علي بأنّه "راعي حقوق المرأة ومكاسبها" وتبيّن أنه لا يفعل سوى توظيف قضيّة المرأة لتلميع صورته بالخارج والظهور بمظهر "النظام الحداثي المتقدّم" للتغطية على القمع الفاشستي الذي يسلطه على الشعب التونسي وقواه الحيّة. إنّ الحرية لا يمكن أن تتحقق للمرأة في مجتمع لا حرية فيه أصلا لكافة المواطنين، والمساواة لا يمكنها أن تتحقق في مجتمع لا مساواة فيه أصلا بين أفراده بل في مجتمع قائم على التمييز الطبقي والسياسي والجهوي خدمة لمصالح أقلية نهابة وفاسدة وعميلة لا مصلحة لها لا في تحرّر البلاد ولا العباد، بل إنّ كل مصلحتها في استعبادهم وإخضاعهم.

إن النساء التونسيات وهنّ يعانين من هذه الأوضاع كلها، ليس لهنّ مصلحة في استمرار الدكتاتوريّة النوفمبرية التي تؤيّد اضطهادهنّ بل إن كل مصلحتهن في النضال ضدّها وفي وضع حدّ لها من أجل إقامة نظام جديد وطني وديمقراطي وشعبي يلبّي حاجات مواطناته ومواطنيه الماديّة والمعنوية.

إنّ مثل هذا النظام هو القادر على تحقيق المساواة الفعلية والتامّة بين الجنسين وتحقيق الرّفاه لكل أفراد المجتمع وهو ما يقتضي من النساء الانخراط في الشأن العام والدفاع عن حقوقهن وحقوق الشعب عامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومقاومة كلّ أشكال التمييز لتعبيد الطريق نحو التغيير الديمقراطي الجذري. إن النضال والنضال وحده على كافة الجبهات هو الضامن للخلاص.

حزب العمّال الشيوعي التونسي
8 مارس 2010



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني