الصفحة الأساسية > البديل العربي > انتصار سياسي وتثبيت للهوية الفلسطينية في خارطة العالم
قبول عضويّة فلسطين الكاملة في اليونسكو رغم الابتزاز الأمريكي:
انتصار سياسي وتثبيت للهوية الفلسطينية في خارطة العالم
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

يوم 31 أكتوبر 2011 أصبحت فلسطين العضو رقم 195 بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بحصولها على موافقة 107 دولة مقابل اعتراض 14 دولة فقط في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وبذلك تكون اليونسكو أول منظمة تابعة للأمم المتحدة تقبل بمنح فلسطين العضوية الكاملة. فما قيمة هذا الاعتراف على الصعيدين السياسي والثقافي؟ وماذا كانت ردود الفعل الأمريكية والصهيونية على هذا القرار؟

انتصار ديبلوماسي وسياسي

اعتبر الملاحظون حصول فلسطين على العضوية الكاملة في اليونسكو بعدما كانت عضوا مراقبا منذ 1974 انتصارا دبلوماسيا للفلسطينيين في مسيرتهم للحصول على الاعتراف الدولي بدولتهم حيث حققوا أول حلم بانضمام «دولتهم» إلى إحدى المنظمات الأممية خصوصا وهو يأتي قبل أيام من تصويت مجلس الأمن على منح فلسطين العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة. كما يعد هذا الاعتراف مؤشرا على تزايد التعاطف الدولي مع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى إخفاق الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة عن طريق التلويح بتجميد مساهمتها المعتبرة في ميزانية المنظمة بما من شأنه أن يدفع إلى ثني الدول الفقيرة من تدخل اليونسكو على التصويت لفائدة عضوية فلسطين.

إن هذا النجاح الفلسطيني داخل اليونسكو سيجعل الموقف الأمريكي كذلك أكثر إحراجا عند التصويت في مجلس الأمن على عضوية فلسطين. كما فتح قرار اليونسكو الباب أمام السلطة الفلسطينية لإمكانية التقدم بطلب العضوية لدى بقية المنظمات الأممية المتخصصة وعددها 16 وحيث لا يوجد فيتو أمريكي مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي ووكالة غوث اللاجئين ووكالة الطاقة الذرية واليونيسيف وغيرها. وبالتالي فمهما اختلفنا في تقييم النهج السياسي والنضالي للسلطة الفلسطينية فلا ينبغي أن نستهين بهذا الكسب الدبلوماسي الذي حققته فتغيير وضع فلسطين في اليونسكو من صفة مراقب إلى عضو كامل يعتبر خطوة في اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية.

تثبيت الهوية الفلسطينية

وفقا لصلاحيات منظمة اليونسكو فإن اكتساب فلسطين صفة العضو الكامل سيتيح للفلسطينيين تقديم طلبات لحماية تراثهم وثقافتهم من محاولات الطمس والتهويد المنهجي الذي تعرضان لها. فإلى جانب التدمير الذي تعرضت له

صوت الشعب - العدد 24

عديد المعالم العربية في الأراضي المحتلة سنة 1948، فإن الكثير من المواقع التاريخية والأثرية في المناطق المحتلة سنة 1967 تطالها محاولات التزييف التاريخي من طرف الكيان الصهيوني ومنها قرار ضم الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل وقبر راحيل في بيت لحم التي توجد بها كذلك كنيسة المهد إلى قائمة التراث «الإسرائيلي» سنة 2010 إلى جانب قائمة طويلة من المواقع الأخرى دون اعتبار الحفريات التي تتم تحت المسجد الأقصى والتي تهدد وجود أحد أبرز الأماكن المقدسة عند المسلمين في محاولة لإثبات ادعاءات تاريخية زائفة (هيكل سليمان) دون نسيان سرقة الآثار الفلسطينية التي يعود بعضها إلى معالم الحضارة البشرية الأولى والتي تؤثث اليوم المتاحف الصهيونية التي تؤرخ لذاكرة «مزعومة» تبحث من ورائها دولة العدو عن إضفاء مشروعية تاريخية على وجودها في محيط غريب عنها.

وبذلك فإن أهمية القرار تكمن في اعتباره يلزم المجتمع الدولي بإيقاف هذه الجرائم الثقافية «الإسرائيلية» وبانتشال الهوية الثقافية الفلسطينية من محاولات التهويد التي تتعرض لها، وبالتالي فإن هذا القرار يمكنه أن يمثل سندا لوضع المناطق الأثرية الفلسطينية تحت حماية اليونسكو ومطالبة «إسرائيل» بإرجاع ما نهبته من آثار وبإيقاف الحفريات في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس وقد اعتبرت وزيرة الثقافة الفلسطينية في حديث لها إلى صحيفة أنباء موسكو الروسية القرار ألأممي «تثبيت للهوية الفلسطينية الثقافية والتراثية على خريطة العالم... وسيتيح تقديم طلبات للاعتراف بمواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن التراث العالمي...» .

ولكل ذلك فإننا نعتبر هذا القرار درعا لحماية الكثير من المواقع التاريخية والأماكن المقدسة في فلسطين التي تحتوي كنوزا وآثارا منذ الفترة الكنعانية وبإمكانه أن يوقف ولو جزئيا ما تتعرض إليه من نهب ومحاولات تزوير طالت تاريخها وحتى أسماءها العربية.

لذلك تنبهت «إسرائيل» والولايات المتحدة إلى خطورة دلالات هذا القرار السياسية منها والثقافية فجاءت مواقفهما متناسقة في رفضه وفي ممارسة شتى أنواع الضغط على اليونسكو للحيلولة دون تفعيله.

الموقف الأمريكي ابتزاز لليونسكو

في رد فعل سريع على قرار اليونسكو أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف دفع مساهمتها السنوية في ميزانية المنظمة والمقدرة بحوالي 70 مليون دولار أي 22% من ميزانيتها، كما جاء الموقف الصهيوني مماثلا بإعلان «إسرائيل» عن تجميد مدفوعاتها لليونسكو المقدرة بحوالي 3% من الميزانية رغم محاولة السفير الصهيوني التخفيف من وطأة القرار الاممي الذي وصفه «بأنه قرار من الخيال العلمي» لن يغير من الواقع شيئا» . وقد جاء الموقف الأمريكي بعد الفشل في إثناء أغلب دول العالم عن التصويت لفائدة القرار بعد أن سبق للولايات المتحدة الأمريكية و «إسرائيل» أن قاطعتا اليونسكو على مدى 20عاما وحتى العام 2003 بعد قرار اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ولم تعودا إليها إلا بعد التراجع عن هذا القرار في ظروف إقليمية ودولية جديدة. كما سبق للولايات المتحدة أن استخدمت ورقة الضغط المالي في كل المنظمات الأممية المتخصصة التي لا تملك فيها حق الفيتو.

ان التصويت الدولي على قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في اليونسكو رغم الضغوطات الأمريكية وما يتوقع من اضطراب مستقبلي في تنفيذ برامج هذه المنظمة يؤشر لبداية صحوة الضمير العالمي على طريق التخلص من «ديكتاتورية الدولار» في تكييف القرارات الأممية وفقا لمصالح الأمريكية والصهيونية لكنه في نفس الوقت يضع البلدان العربية - وخاصة منها تلك التي ترصد المليارات لفضائيات تزرع الجهل بدعوى الحرص على الهوية - أمام مسؤولياتها في تغطية جزء من العجز المتوقع في ميزانية اليونسكو التي تموّل عديد البرامج خاصة في البلدان الأكثر فقرا.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني