الصفحة الأساسية > البديل الوطني > زواج المال بالسّلطة... هل تحوّل إلى ثقافة ؟
زواج المال بالسّلطة... هل تحوّل إلى ثقافة ؟
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

كلّنا يعرف أن الزواج هو عقد اجتماعي يربط بين رجل وامرأة، يكوّنان من خلاله حياة زوجيّة مشتركة حسب التقاليد والأعراف. أمّا زواج المال بالسلطة فهو زواج فريد لا يقدر عليه الجميع، لأن له شروط وتقاليد وأحكام خاصّة، وهو أيضا وراثيّ ومُعدٍ، ينتشر مثل خلايا السرطان الخبيث ويكوّن مع مرور الأيّام شبكات مترامية الأطراف، من مقرّبين وحلفاء ومتمعّشين. وهذه الظاهرة انتشرت في تونس وتعفّنت خلال فترة حكم بن علي، فأصحاب المال الوفير اتّحدوا مع أصحاب السلطة والنفوذ وكوّنوا نظاما فريدا تكون فيه القرارات السياسيّة والاستراتيجية في جميع المجالات مسلّطة وموجّهة لفائدة رؤوس الأموال والمقرّبين وأصحاب المصالح المشتركة والضيّقة سواء كانوا تونسيين أو أجانب، وهذه اللعبة استهوت أيضا القيادات المركزيّة والجهويّة فتحوّلت البلاد إلى مرتع للنهب والمحسوبيّة والسمسرة والفساد. وأصبح قانون الغاب هو السائد، وتحوّل جزء كبير من أبناء الشعب إلى مفقّرين أو متسوّلين حقيقيّين.

وبعد هروب بن علي، تزعزعت أركان الديكتاتوريّة، وأصبحت الدوائر الرأسماليّة والاحتكارية التونسيّة والأجنبية في حالة يتم سياسي، خاصّة بعد إسقاط حكومتي محمّد الغنوشي وحلّ الحزب الحاكم «التجمّع» ، فأصبحت هذه الدوائر الماليّة تبحث عن البديل لتحقيق التأمين السياسيّ الذي يخدم مصالحها المتعفّنة التي أدمنت عليها طيلة عقود، فبادرت بضخّ «المال السياسيّ» لفائدة أحزاب لا يخفى على التونسيين مدى موالاتها لسلطة رأس المال المحلّي والأجنبيّ، وكان الوزير الأوّل الحالي «الباجي قائد السبسي» قد صرّح في لقاء تلفزيّ عن وجود أموال كثيرة متدفّقة من الخارج لفائدة أحزاب لا فائدة من ذكر أسمائها لأنّها أصبحت معروفة، وبذلك تحوّلت عديد الأحزاب إلى «شركات تأمين سياسي» ضاربة عرض الحائط بالغايات والمبادئ المقدّسة الّتي وجدت من أجلها.

إنّ التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة قبل فوات الأوان أمر واجب وذلك بغلق الأبواب أمام تجّار السياسة. وعلى الشعب والأحزاب والقيادات السياسيّة أن تعلم وتدرك وتستوعب وتؤمن بأنّ:

السّعي في المراحل القادمة من الحياة السياسيّة، ليس من أجل السّلطة والحكم، بل من أجل القيادة وتحمّل المسؤوليّة في إطار الرقابة الشعبيّة المنظّمة والمؤطّرة، لأنّ مصطلحات (الحكم والسلطة) في المنظور السياسيّ، ألقي بها في مزابل التاريخ منذ عقود، والحكم والسلطة هي مرادفات للديكتاتوريّة والتسلّط والقمع والتقهقر والتخلّف والفساد في جميع المجالات، وعلى التونسيين أن يتصالحوا من مفرداتهم وعباراتهم وتغيير نظرتهم للأشياء، فالسياسيين اللّذين سيقع انتخابهم، ليسوا حكّاما أو أصحاب سلطة بل هم قيادات وأصحاب مسؤوليّة تحت رقابة الشعب، لا أكثر ولا أقلّ.

يوسف بلحاج رحومة



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني