الصفحة الأساسية > البديل الوطني > صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق في خدمة رأس المال والبيروقراطية
وجهة نظر:
صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق في خدمة رأس المال والبيروقراطية
20 أيلول (سبتمبر) 2010

تصدير : «إنّ خنق الشعوب من صفات الإمبراطوريات أمّ التنديد بمثل هذا الظلم فهو شعار الأحرار». - إجناسيو رامونيه –

إنّ المتتبع للأحداث السياسية والنقابية في القطر لا بدّ وأنّه لاحظ أنّ إنطلاق الحملة الإعلامية للقاء النقابي الديمقراطي المناضل حرّك أبواق الدعاية لرأس المال أولائك المدافعين عن الوفاق الطبقي والداعين إلى سلم إجتماعية يكون فيها العرف هو السيّد والعامل هو العبد فإنبرت الأقلام التي يقطر حبرها حقدا وكراهية للعمال والتي تنتمي إلى الصحافة الصفراء صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق التي عوّدتنا على إنحيازها المفضوح لرأس المال ودفاعها المستميت عن كلّ المشاريع المملاة من طرف الصناديق المالية الإمبريالية النهابة (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) من برنامج الإصلاح الهيكلي إلى مشروع التأمين عن المرض مرورا بالخوصصة وإتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي وبرنامج تأهيل المؤسسات وغيرها من البرامج والمشاريع التي لم يجني منها العمال إلاّ الطرد وغلق المؤسسات والتفقير والتهميش ، قلت إنبرت هذه الأقلام تسبّ وتشتم وتجرّم المبادرة التي أطلقتها مجموعة من خيرة أبناء الإتحاد الذين ضحوا بجهدهم ومالهم ووقتهم وحتّى بشغلهم من أجل تجذير إستقلالية المنظمة النقابية وتثبيت الديمقراطية والنضالية ، غير أنّ ما إسترعى إنتباهي وجعلني لا أتمالك عن الضحك هو أنّ هؤلاء "الصحافيين" الفطاحلة إنبروا اليوم يدافعون عن الإتحاد وتناسوا ما كتبوه بالأمس عنه.

فالمدعو عبدالرؤوف المقدمي الذي يشغل خطة رئيس تحرير في جريدة الشروق كتب في ركن"بالمناسبة" بالصفحة 19 من جريدة الشروق الصادرة يوم الإربعاء 15 سبتمبر مقالا بعنوان "إتحاد عصيّ" (أعادت نشره جريدة الشعب الصادرة يوم السبت 18 سبتمبر وهو تأكيد للعنوان الذي إخترناه لهذا المقال) كال فيه ، بإيحاء مفضوح ، السب والشتم إلى أصحاب المبادرة حيث نقرأ على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي : «إنه ببساطة (وهو يعني الإتحاد) قلعة ثابتة لا يمكن البتّة ان ترمى بالحجارة» ، هكذا يعتبر هذا الصحافي العبقري المبادرة التي أطلقتها مجموعة من النقابيين ليست سوى رمي حجارة أي يريد الإيحاء بأنّ من قاموا بالمبادرة النقابية يشنّون حربا على القيادة والإتحاد. ثمّ يضيف قائلا : «وإنّه من باب التندّر القول بأنّ الإتحاد يفتقر إلى الديمقراطية أو أنّه يمارس الرأي الواحد أو أنه يمنع منخرطيه من الحركة» فمن يقرأ هذه الكلمات يقول بأنّ هذا الشخص يعيش داخل المنظمة ويعرف ما يدور بداخلها أكثر من الهياكل النقابية.
ويواصل سنفونيته المشروخة قائلا : «فإذا كانت الديمقراطية في الإتحاد مصانة بذلك كله فإنّ إستقلاليّته ونضاليّته مصانان بدورهما إلاّ بالطبع إذا كان المقصود بالإستقلالية والنضالية ذلك العبث الطفولي الذي يريد أن يلهو بالتصادم مع الأطراف الأخرى أو الذي يريد أن يلعب مع وبمصائر الناس غير مكترث إلاّ لأنانيّته وخيالاته» هكذا وبكلّ وقاحة ينعت المبادرة ب"العبث الطفولي" واللعب ب"مصائر الناس" ثمّ يختم بإعطاء الدروس وكأنّه ينتمي إلى مؤسسة وعض وإرشاد وليس مؤسسة صحفية إذ يقول : «إنّ ما يهمّ الإتحاد يجب ان يبقى بين جدرانه مهما كانت الاوضاع ويجب أن يناقش بهدوء لا بالضجيج فالقضايا الحقيقية تخدم عبر عدالتها وأحقيتها لا عبر الطنين والرنين».

لست أدري على ذقن من يريد أن يضحك هذا "الصحفي" لذلك أريد ان أذكّره فقط بما كتبه سيّده ووليّ نعمته صلاح الدين العامري صاحب دار الأنوار حول الإتحاد والنقابيين سنتي 1985 و1986 خلال الهجمة الشرسة التي تعرّض لها الإتحاد العام التونسي للشغل حيث وصف الإتحاد بأنّه منظمة متطرفة تفتقر إلى التسيير الديمقراطي وتتجاوز قرارت القواعد العمالية وغيرها من النعوت التي إختارتها الصحافة الصفراء للإنخراط في الحملة التي أطلقها نظام بورقيبة في ذلك الوقت عبر وزيره الأول محمد مزالي وفي تحالف مفضوح مع إخوان الظلام.

وقد جرّني هذا الموقف استحضار مواقف صحافيان آخران معروفان بعدائهما الشديد للعمال والنقابيين وهما عبداللطيف الفراتي ، رئيس التحرير السابق لجريدة الصباح وكذلك عبدالعزيز الجريدي الذي حطّم الرقم القياسي في الإنتقال من جريدة إلى أخرىّ فمن جريدة الإعلان إلى جريدة كل الناس مرورا بجريدة الحدث.

أما بالنسبة للأول أي عبد اللطيف الفراتي الذي كان كما قلت رئيسا لتحرير جريدة الصباح التي مثّلت بوق الدعاية لنظام بورقيبة منذ سنة 1984 السنة التي بدأ التحضير فيها للهجمة الشرسة على الإتحاد إذ إنحازت الصباح إلى مجموعة السبعة الذين وقع طردهم سنة 1984 وكوّنوا ما سمّي بـ "الإتحاد الوطني" بقرار وتوجيه ودعم مفضوح من النظام كما سبق وأن أكّدنا فإنبرت جريدة الصباح تحبّر المقالات التي تشوّه المنظمة ومناضليها وتتهمهم بالتطرف والصبيانية وشتى أنواع النعوت الأخرى وهو ما حدى بالمؤتمر 16 للإتحاد المنعقد في شهر ديسمبر من تلك السنة إلى إصدار لائحة خاصة بجريدة الصباح تندّد بسياساتها المعادية للعمال والنقابيين وتطالب العمال بمقاطعتها.

كما شنّ عبداللطيف الفراتي سنة 1996 عند إنطلاق المفاوظات حول تنقيح مجلة الشغل حملة شعواء على تشريعات العمل التي إتهمها بالتكسّل وعدم المرونة بل ذهب به الأمر إلى السخرية من العقود المشتركة وتبشيره بكسر "تابو" التأجير (أنظر مقالنا الصادر بجريدة الشعب بتاريخ 20 جويلية 1996 بالصفحة 17 تحت عنوان "دعاة الليبرالية الشرسة").

وها هو عبداللطيف الفراتي الذي تقاعد من العمل بتلك الجريدة لكنّه مازال يكتب بها من حين لآخر يواصل التعبير عن مواقفه المنسجمة مع توجهاته الفكرية الليبرالية حيث كتب مقالا في ركن المنتدى حول أنظمة التقاعد تحت عنوان "المثال" (الصباح بتاريخ 27 ماي 2010) نقرأ فيه ما يلي : «بعد ألمانيا التي تستعد لرفع سن التقاعد من 65 سنة إلى 67 سنة، هاهي فرنسا تتجه نحو الرفع أيضا وبالتدريج من 60 إلى 63 سنة (....) وما دامت أوروبا غالبا تعتمد في مجال التقاعد على الطريقة التوزيعية (PAR REPARTITION) لا على التراكم الرأسمالي مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة ، والذي أفلس في خضم الأزمة المالية للعامين 2008 و2009، فإن على دولها ـ أي أوروبا ـ أن تتعامل مع المتغيرات بإيجابية وواقعية » ثمّ يضيف : «وإزاء وضع بهذا التعقيد حاليا ومستقبلا، فإن دولا قوية مثل ألمانيا أو فرنسا وجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرارات غير شعبية لم يعد هناك مجال لتأجيلها

تقوم على : (1) تأخير سن التقاعد (2) زيادة حجم الإقتطاع (3) تقليص منافع المتقاعدين المقبلين» عند هذا الحدّ نقول بأنّ المسألة لا تهمنا (إذا فكرنا بمنطق شوفيني رغم تأكيدنا على أنّنا أمميّون وندافع عن العمال أينما كانوا) لكن خطورة الموقف تكمن في إقتراح نفس الحلول عند القيام بمراجعة أنظمة التقاعد في تونس إذ يقول هذا العبقري الذي نادى وينادي بتصفية مكاسب العمال : «وتونس بالذات التي دخلت دورة التشيخ وتقلص الولادات والتي سيصل عدد سكانها في أقصاه إلى 13 مليونا ونيف (10 ملايين و481 ألفا في 31 جويلية 2009) قبل أن يتدهور إلى 10 ملايين قبل منتصف القرن مرشحة لأن تشهد في مستقبل منظور ما تعرفه اليوم عدة بلدان أوروبية من اختلال في التوازن الديمغرافي ، وهي التي تشهد بعد عجزا فادحا في أنظمة التقاعد خاصة منها العمومية ، وجب عليها أن لا تترك السيل يجرفها ، وتواجه الأمر في الوقت المناسب بالقرارات الجريئة ربما المرة ولكن الضرورية خصوصا وأن عدد سكانها من السن الثالثة كما يقال ستبلغ نسبتهم 30 في المائة وفي مستقبل منظور لا يتعدى الجيل الواحد. وإذا كانت أنظمة التقاعد التونسية تشكو اليوم عجزا منفلتا وجبت معالجته، فكيف سيكون الحال وأمر الاختلال السكاني في تفاقم.؟ إن ما يجري في أوروبا ، والحلول التي أخذوا يعملون بها جديرة بأن تنال اهتمامنا ، إذا أرادت بلادنا أن تنقذ أنظمتها التقاعدية، على أسس عقلانية» عن أيّة عقلانية يتحدثّ رسول العولمة اللبيرالية الشرسة هذا ؟ وبإسم من يتحدّث إن لم يكن بإسم رأس المال والمؤسسات المالية النهابة ؟

فالسيد الفوراتي وهو يعالج هذا الموضوع الخطير عبر مقالات شاحبة باهتة يريد أن يوهمنا بأنّ النظام بريء من تهرّم المجتمع التونسي وإصابته مبكرا بالشيخوخة وتناسى سياسات ما يسمّى بالتنظيم العائلي المطبقة منذ الستينات وهو من فرط النفاق الإعلامي الذي سكن فؤاده وإستعبد مهجته إلى نفي تحمّل النظام الحاكم لأي مسؤولية في خطر التهرم وداء الشيخوخة

إنّ عبداللطيف الفراتي وأمثاله دأبوا في مثل هذه المناسبات أو قل هم يختارون هذه المناسبات (أي فترة المفاوضات الإجتماعية) لمحاولة بثّ سمومهم وأفكارهم المعادية لمصالح العمال.

فهذا الفريق من الصحافيين الحاضرين دوما في كلّ المآدب والذين ضمنوا سلطتهم بتطبيق قانون الصمت على الممنوعات التي يحدّدها النظام ، يفرضون رؤيتهم للخبر- البضاعة على مهنة لم تعرف هشاشة أكبر من تلك التي تعيشها في هذا الزمن الرديء.

هذا التوجه المفضوح لأباطرة صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق ، أباطرة الصحافة الطبقية الذين سماهم سارج حليمي "كلاب الحراسة الجدد" (Les nouveaux chiens de garde) في كتاب أصدره تحت هذا العنوان سنة 1998 (أنظر مقالنا بجريدة الشعب بتاريخ 6 فيفري 1999 تحت عنوان "صحافة إقتصاد السوق ، صحافة الفكر الواحد") ، يجعلني أستحضر مقالا كتبه عبدالعزيز الجريدي بجريدة الإعلان بتاريخ 2 أكتوبر 1992 تحت عنوان "المفسدون في الأرض" (أي نعم وصف العمال بالمفسدين في الأرض) وإنني أقسم بأوراق الشجر وأقسم بحبات المطر وأقسم بروح زوجتي ورفيقة دربي أنني لم أقرأ طيلة حياتي (وعمري الآن 53 سنة) مقالا يقطر حقدا وكرها وتطاولا على العمال مثل هذا المقال. فماذا يقول عبدالعزيز الجريدي ؟ : «هذا عامل بل عمال داخل المصنع "يتكربلون" أمام الآلات أجسادهم حاضرة وعقولهم غابرة في (1 وX و2) وما أصاب أنف "ماغاريا" وما أصيب به الإفريقي في الإسماعيلية. وإذا طلبت منهم سبب هذا التخاذل المقيت يكون الجواب المعروف "العرف ما يخلّصش مليح" والحقيقة في مثل هذه الأوضاع هو أنّ العرف إرتكب خطأ عندما أقام المصنع لأنّه ثمّة أرهاط من العمّال لا يليق بهم إلاّ فرن هتلر. هم مفسدون في الوطن تجدهم رقم واحد في التخاذل وتكسير الآلات وتعطيلها ويجولون ويلوحون بالتصعيد لحثّ القيادة النقابية على المواجهة. وتجدهم أيضا رقم واحد في الحانات والمطاعم

الليلية "يكنبنون" ويربطون الخيوط من أجل تعطيل المصنع الفلاني بإضراب وتمقيص المصنع الفلتاني ويجدون في ذلك لذّة. هؤلاء المفسدون لا مكان لهم اليوم رغم جنوحهم إلى رفع الشعارات ، فإنّ الشعار المفتقد لركيزة عرق الجبين والمفتقد لبديل ماله مال الأموال التي يجمعها هؤلاء في حملاتهم الليلية الخمرية : "يعقوب دلفون وإحدى المزابل"».
لاحظوا الألفاظ التي أنهى بها مقاله أي أنّه يتمنّى المزابل للعمّال بعد أن إقترح لهم فرن هتلر. فهل قرأتم كلاما أوضح من هذا الكلام ينمّ عن الحقد والكراهية للعمال ؟ لكن لا تستغربوا من الألفاظ المقرفة التي إحتواها هذا المقال لأنّ عبدالعزيز الجريدي لم يتعلّم إلاّ إستعمال هذه الألفاظ التي وكأنها خارجة من مجاري البول والروث (إقرؤوا ما يكتب حول المعارضة التونسية الآن) كلّ ذلك دون أن يطبّق عليه قانون الصحافة الذي يمنع السب والشتم والتجريح وهتك الأعراض. وإليكم آخر ما نشره هذا "الصحفي" بجريدة كل الناس الصادرة يوم السبت 18 سبتمبر حتّى تتأكّدوا من المستوى الضحل والأخلاق الوضيعة لصحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق إذ يقول: «فكرة بعث وقيام جمعية لحقوق الإنسان متخصّصة في الدفاع عن حقوق الشواذ المثليين : البادرة أتت من مرسل الكسيبي المعروف بممارساته الشذوذية الجنونية ولهفته غير المحدودة لتلبية شهواته المؤخراتية». لا يمكن أن توصف هذه الكلمات إلاّ بساقط الكلام ولا يمكن أن نقرأها إلاّ في صحافة المجاري. وهو ما يجعلنا نجزم بدون أن نكون مخطئين بأنّنا أمام وسائل إعلام أكثر فأكثر طاعة ، وصحفيون أكثر فأكثر إنحناءا وأخبار |أكثر فأكثر رداءة.

هكذا إذا نلاحظ أنّه في عصر الدولار ولعنته صار العرف يصول ويجول ويوزّع قرارت الإيقاف والعزل والطرد. غدا ملوك الشركات المتعددة الجنسيات (Multinationales) والشركات الفوق قومية (Transnationales) يتوسطون إمبراطورية رأس المال كي يتمّ سحق العمال بالمفاضلة وحسب مقتضيات الغاية. ليس تشاؤما لكنهم يتمادون علينا ويمتعون أسماعنا بمادة كلامية عن الخنوع والإستسلام والقبول بالأمر الواقع. إستئصال الإرادة من سواعد العمال وتكريس التناقضات وفتح الباب على مصراعيه أمام الليبرالية الشرسة هو هدفهم. تحويل الدفاع عن الحقوق والمكتسبات إلى خيانة والركوع من الفرائض. الدفاع عن حقنا في الشغل يسميه منظروا الليبرالية الشرسة وأبواق دعايتها تطرفا وجنونا وبهذه التهمة يجب أن نساق إلى فرن هتلر. من يرفع شعار الحق النقابي أو المسألة الديمقراطية متطرّف ملعون. ومن يقف في وجه الإذلال والإستغلال ليس سوى مفسد يهدّد وجود المؤسسة ومستقبلها بينما حين يقوم عرف بغلق المؤسسة بدون سابق إعلام وتشريد العمال ضاربا بذلك عرض الحائط لقوانين البلاد ، فهو يدافع عن حقه في التصرف في مؤسسته.

لهم حق هرس رؤوسنا ولنا أن نستكين ونألف عنفهم الذي تدرّج في توصيفنا من لاوطنيين إلى متطرفين إلى مفسدين في الأرض.

أيها العمال إحنوا رؤوسكم وخفّظوا أصواتكم كي لا تقلقوا راحة عبّاد رأس المال.

* عمّا تبحثون ؟ عمّا تبحث أيها العامل المشاكس ؟

- ابحث عن شغل دائم وأجر عادل وكرامة الإنسان

* إختر ما يناسبك من عقد موسمي أو عقد غير قابل للتجديد أو حضيرة

- أبحث عن حقوقي المهنية

* عندك مجلس التأديب وفرصة تقول فيها ما تشاء ويفعل العرف ما يشاء

هذا هو موقف عبّاد رأس المال من العمال الكادحين ، لكنّنا نقول "كلّ الدواليب تتوقّف لو أرادت سواعد العمّال الجبّارة" والنوايا للمعتوهين الذين صدّقوا بأنّ الليبرالية الشرسة هي قدرنا.

وإذا عدنا لموضوع الصحافة وكان لا بدّ من التلطيف من سواد هذه الصفحة فذلك ناتج أساسا عن إخفاق الدعاية في تحقيق أهدافها. فالحركة الإجتماعية ، التي إنطلقت من الحوض المنجمي ووصلت إلى بنقردان مرورا بالصخيرة وقرقور وغيرهما ، تفرض نفسها على صحافة المجاري (المكتوبة والمرئيّة والمسموعة) لأنها ليست إفتراضا وإنما حقيقة.

فما حدث في تلك المناطق المحرومة لا يمثّل خبرا أو حدثا هاما يجلب آلات التصوير حسب وجهة نظر بارونات صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق غير أنّه ، ورغم كلّ ذلك ، تصمد تلك الأخبار وتجد لها مكانا بفضل بعض الأصوات الصحفية المخالفة والرافضة للسائد وفيها من ضحى ويضحي بسنوات من عمره من أجل تبليغ المعلومة (يمكن أن نسوق إسم الفاهم بوكدوس للذكر لا الحصر).

في نفس السياق يقول أحد النقابيين الأمريكيين متحدّثا عن الصحفيين في بلاده : «قبل 20 سنة كان الصحافيون يفطرون معنا في المقاهي الشعبية أمّ اليوم فإنهم يتعشون مع الأعراف في المطاعم الفاخرة لأنّهم لم يعودوا يخالطون إلاّ الأعراف وأصحاب القرار. لأنهم تائهون في عالم المال والأعمال ، لأنهم تحوّلوا إلى بوق دعاية لفكر السوق ، أصبح الصحافيون سجناء طبقة المستغلين وفقدوا القرّاء وثقتهم».

لكن في وجه ذلك وكما عبّر عنه بول نيزان بقولة مشهورة : «رغم التصورات الطيّعة التي يرتّبها الصحافيون المعتنقون للفكر البورجوازي فإنّ الصحوة تعتبر نوعا من أنواع المقاومة».

هكذا إذا يسعى العديد من الصحافيين المتكلّسين أباطرة صحافة الإصلاح الهيكلي وإقتصاد السوق إقناعنا بأنّه لا يجوز الإنحياز للعمّال ؟ ونسوا أنّهم بذلك منحازون لرأس المال ودورهم الأساسي هو الدفاع عن برامج ومصالح ورؤى البورجوازية ومقاومة كلّ محاولة للإنفلات. طيّب ! نحن متنازلون لهم عن هذه المكانة الغير لائقة -لأنّها مريحة لمثلهم- وإنّنا إخترنا بمحض إرادتنا وبدافع إنتمائنا فرضا وسنّة للطبقة المقابلة أن ندافع عن برامجها وطموحاتها وأحلامها كلفنا ذلك ما كلّفنا.

د. عبدالله بنسعد
قابس في 20 سبتمبر 2010


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني