الصفحة الأساسية > البديل العربي > صمود أسطوري رغم اشتداد الحصار وتعدّد المؤامرات
بعد عام من العدوان على غزة:
صمود أسطوري رغم اشتداد الحصار وتعدّد المؤامرات
23 كانون الثاني (يناير) 2010

مرّ عام على العدوان الصهيوني الوحشي على غزة الفلسطينية. وكان من نتائج هذا العدوان استشهاد ما لا يقل عن 1419 فلسطينيا جلهم من المدنيين ومن بينهم عدد كبير من الأطفال، وجرح ما لا يقل عن 5300 آخرين وتدمير 5356 مسكنا و15 مستشفى من مجموع 27، إضافة إلى عدد من المدارس والمنشآت الصناعية وأماكن العبادة. وقد استعمل الصهاينة في حربهم على غزة ما لديهم من أسلحة فتاكة بما في ذلك الفسفور الأبيض.

ومن المعلوم أن الكيان الصهيوني كان تذرّع، لشن هذه الحرب، بـ"صواريخ" حماس والمقاومة الفلسطينية عامة التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية. وما من أحد كان يجهل أن الهدف الحقيقي للحرب كان القضاء على المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني لخلق المناخ المناسب لفرض المشاريع الإمبريالية الصهيونية عليه. وهو ما كان يتطلب في نظر الصهاينة وحلفائهم، من الغرب ومن العرب، اجتثاث سلطة "حماس" وتدمير البنى التحتية للمقاومة وإلحاق غزة بـ"رام الله" المكبلة بسلطة عبّاس.

ولم يكن خافيا على أحد أن قادة الكيان الصهيوني أولمرت، باراك، ليفني... ما كان بمقدورهم ارتكاب جريمتهم الشنعاء في غزة دون دعم إدارة بوش الأمريكية وبعض العواصم الغربية الأخرى ودون تواطؤ الرجعية العربية وبالخصوص نظام حسني مبارك، وتشجيع محمود عباس وبطانته الذين كانوا يتهيأون لاستعادة السيطرة على غزة بعد أن يحل بها الخراب والدمار.

وفي الحقيقة فإن الحرب على غزة، جاءت لتكشف مرة أخرى، بعد الحرب على لبنان في صائفة 2006، الترابط العضوي المفضوح بين الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والرجعية العربية. إن هذه الأخيرة، لم تعد تخفي، كما كان في السابق، تورطها المباشر في محاولات القضاء على بؤر المقاومة في البلاد العربية وبالأخص في فلسطين ولبنان. فالحرب على غزة مثلا أعلنت في القاهرة على لسان وزيرة خارجية الكيان الصهيوني. والنظام المصري حمّل مسؤولية العدوان لحماس. كما أنه ضرب طوقا على غزة حتى لا تجد أيّ متنفس وحتى يسهل على الكيان الصهيوني تدميرها.

ولكن غزة صمدت صمودا أسطوريا بأهاليها وبفصائل مقاومتها على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية. لقد عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق أهدافه المباشرة (إطلاق سراح الجندي الأسير) والإستراتيجية (القضاء على المقاومة). وخاب معه مبارك وعباس وكل الذين راهنوا على سقوط غزة في ظرف أيام إن لم يكن في ظرف ساعات ليخلو لهم الجو ويفرضوا على الشعب الفلسطيني ما يريدون فرضه من مشاريع استسلامية خدمة لأولياء نعمتهم في واشنطن.

لقد كانت الحرب على غزة فشلا عسكريا وسياسيا ذريعا لكل المتآمرين عليها. وها إننا نلاحظ حالة كل الأطراف الضالعة في هذه المؤامرة. فالقادة الصهاينة يخشون الملاحقة القضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ونظام مبارك ملعون في كل مكان وعباس محبط لا يعرف ماذا يفعل.

لكنّ أعداء غزة والشعب الفلسطيني عامة لم يكفوا عن مناوراتهم ومؤامراتهم. وهم يحاولون بشكل بائس، تحقيق ما عجزت الحرب عن تحقيقه بأساليب أخرى. ويمثل تشديد الحصار إلى جانب مواصلة الاعتداءات وأعمال القتل أفتك هذه الأساليب. لقد تحولت غزة إلى محتشد كبير يطوقه الأعداء من كل جانب: 70% من الغزاويين يعيشون لاجئين في المخيمات، و80% منهم يعيشون تحت خط الفقر. و47.5% منهم لا يقدرون على توفير تكاليف الغذاء. ولا يتمتع بالماء الصالح للشراب وفق المعايير الدولية سوى 10% من الغزاويين. ويعيش 40 ألف من هؤلاء بدون إنارة كهربائية. وقد أغلقت 90% من المنشآت الصناعية أبوابها بسبب الحرب والحصار. ويغلق الكيان الصهيوني كافة المعابر المؤدية إلى غزة مما يعني حرمانها من الإمدادات بالغذاء والدواء وغيرهما. أما معبر رفح، من الجهة المصرية، فهو لا يفتح إلا قليلا وتحت الضغط. وكأن ذلك كله ليس كافيا فقد عمد النظام المصري، بالوكالة عن الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى بناء جدار (يقال إنه فولاذي) على طول الحدود مع غزة (طوله 10 كلم وعمقه 30 متر حسب العديد من المصادر) لإحكام السيطرة عليها وحرمانها مما تبقى لها من وسائل لتوفير شيئا من البضائع حتى ولو كان التهريب عبر الأنفاق. وعلى ما يبدو لن يتوقف الأمر عند هذا الحدّ. فبالإضافة إلى الجدار الذي يشيّد بإشراف أمريكي، فرنسي، إسرائيلي، سيتم إحكام القبضة على غزة من جهة البحر وإقامة سلك شائك يمتد من العريش إلى البحر. وبهذه الصورة يكتمل الحصار المضروب على غزة إسرائيليا ومصريا بهدف خنقها، بل بهدف إبادتها.

ومن الجهة الأخرى، أي في الضفة حيث يقبع عباس الذي كان أيّد العدوان على غزة، وطلب في أكتوبر الماضي تأجيل التصويت على تقرير "غولدستون" الذي يدين "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب في غزة واعتبر بناء الجدار الفولاذي "شأن مصري داخلي"، يواصل الكيان الصهيوني تهويد القدس بخطى حثيثة وتوسيع المستوطنات معوّلا على خدمات "سلطة رام الله" في حماية الصهاينة من ضربات المقاومة. ولا تحرّك الأنظمة العربية ساكنا بما فيها "أمير المؤمنين"، ملك المغرب ورئيس لجنة القدس، و"خادم الحرمين الشريفين" الملك السعودي عبد الله، بل إن الحكام العرب لا يترددون في الضغط على الفلسطينيين بمناسبة أو بغير مناسبة لتقديم المزيد من التنازلات على حساب ثوابتهم الوطنية.

ولكن رغم هذه المؤامرات التي لا تتوقف فإن غزة لن تركع، وإن الشعب الفلسطيني بأسره لن يستسلم، والحصار ذاته بما في ذلك، جدار العار المصري، لن يجدي نفعا. فأحرار العرب وأحرار العالم إلى جانب غزة وإلى جانب فلسطين قاطبة. إن خطين أساسيين يتواجهان اليوم في فلسطين وفي كامل المنطقة. خط المقاومة من جهة وخط الاستسلام من جهة ثانية. وما من شك في أن النصر سيكون للأول مهما كانت الصعوبات التي تعترض سبيله، لأنه يستمد قوّته من روح الشعب ومن عدالة القضية. أما الثاني أي خط الاستسلام فمصيره المزابل مهما وجد من دعم من عتاة الامبريالية والصهيونية. واليوم كما بالأمس فإن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي، يدعم خط المقاومة، في غزة وفي الضفة وفي كامل تراب فلسطين حتى تحقيق النصر النهائي. واليوم كما بالأمس يقف اتحاد الشباب إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار والاعتداءات الصهيونية اليومية والمؤامرات الرجعية العربية والخسيسة.

إن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي إذ يجدد التعبير عن موقفه هذا فإنه يجدد أيضا تأكيد أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة المؤامرات الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية على الشعب الفلسطيني. إن استمرار انقسام الصف الفلسطيني لا يخدم إلا الأعداء. وما من شك أن الوحدة الوطنية لا يمكن أن تتم إلا على أساس التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وبالمقاومة نهجا لتحقيقها. كما أنه لا يمكنها أن تتم وتستمر إلا باعتماد الديمقراطية أسلوبا في بنائها وتكريسها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني