لا يشكّ أحد أنّ الشعب التونسيّ وإن تخلّص من الاستعمار الفرنسي سنة 1956 إلا أنّه بقي يعاني من استعمار جديد (ثقافي وفكري واقتصادي)، وفُرض عليه نمط إنتاج يقوم على التفقير الممنهج و إبقاء جزء كبير من أبناء الوطن لهاّثين خلف الرغيف، كما أُغرق في مكبّلات تعيق التنمية الشاملة والحقيقيّة.
ولم يعد خافيا أن هذا الاستعمار الجديد وهذه التبعيّة الممنهجة تقف رواءها لوبيات إمبرياليّة وصهيونيّة اتحدت وتحالفت بمنطق المصالح المشتركة انطلاقا من استعباد الشعوب ونهب خيراتها وصولا إلى خدمة البرامج الصهيونية القريبة والبعيدة المدى. وبعد أن تعفّن هذا النمط في تونس قامت الثورة الشعبيّة الّتي أجبرت ديكتاتورا كان مثالا للعميل والديوثة السياسيّة على الهروب إلى دولة يُعدّ اسمها وتاريخها وواقعها في غاية الرمزيّة «المملكة العربيّة السعوديّة». وبذلك فقدت الدوائر الإمبرياليّة واللوبي الصهيوني عميلا وفيّا كان في غاية الإخلاص والطاعة وأصبحت تبحث عن البديل وذلك بتغيير الأثواب والقيادات مع الإبقاء على نفس السياسات، وبما أنّ الشعب التونسيّ بلغ مرحلة من النضج والفطنة بحيث أصبح من الصعب أن يتقبّل ديكتاتوريّة مماثلة لسابقاتها، عمدت هذه اللوبيات إلى استعمال أداة سهلة وناجعة لإعادة الشعب التونسي إلى الطريق الّذي يخدم مصالحها وهي ورقة «الوجدان الديني» ، وعمدت إلى تقديم الدعم المالي واللوجستيكي إلي حزب ديني يتحكّم في هذا الوجدان المشترك بين التونسيين بعد أنّ قدّم تطمينات بمواصلة السير على الخطوط العريضة الّتي رسمها اللوبي الأمريكي والحفاظ على نفس سياسات بن علي الّتي كانت سببا في استفحال البطالة ونهب خيرات البلاد وتفقير نسبة كبيرة من الشّعب.
تمكّن هذا الحزب «المقدّس» من الحصول على أغلبيّة في الانتخابات الأخيرة وأصبح مرشّحا بجدّية للسيطرة على الساحة السياسيّة. وبما أنّ الدين استعمل على مرّ العصور ذريعة لاستغلال الشعوب ونهب خيراتها والهجوم على حقوق ولقمة عيش الكادحين، وبما أنّه كان أيضا أداة سهلة استعملها الكثير لإشباع غرائزهم والانسياق وراء أهوائهم، فإنه من واجب التونسيين التحلي باليقظة والعقلانيّة وعدم الوقوع في فخّ التلاعب بمشاعرهم الدينيّة واستعمالها ذريعة لخدمة الامبرياليّة والمخططات الصهيونيّة على حساب مكتسباتهم ومستقبل أبنائهم. كما أنّه من الواجب عدم المساومة في عدّة مسائل مثل حرّية الفكر والتعبير والرأي وذلك حتى يمكن التصدي إلى أيّ محاولة تهدف إلى تدجين الشعب وإرجاعه إلى الوراء بعد أن وصل إلى مستوى معيّن من الفطنة والوعي.
يوسف بلحاج رحومة