الصفحة الأساسية > بديل المرأة > كيان صارخ الحنان
كيان صارخ الحنان
29 آذار (مارس) 2010

كيان صارخ الحنان، رقيق المشاعر، صدره يحتوي العالم وأكثر...

كيان صلب الإرادة، لاءاته تقسم الحجر وتنحني الجبال أمام صموده...

المرأة، العطاء بلا حدود، نضال منذ ابتسامة الميلاد الأولى، نداء صارخ للحياة وإشراقة فجر لولبي الخطى...

المرأة كائن مفكر ومبدع خلد بصمته عبر التاريخ ولتشهد الآثار بذلك، وليشهد الاستعمار بذلك، وليشهد2010 بذلك أيضا...

اليوم، 8مارس، نحتفل بعيدها تكريما وإجلالا لها، أَمَي عاملة المصنع، أمّك المربّية، أمّه المنظفة، أمّها الطبيبة، أمهاتنا، أمهات الشعب، الطالبات... صانعات المستقبل، حافظات الحاضر ورنات الماضي البعيد القريب...

اليوم، وعلى طريقتهم يحتفلون بالمرأة، فقط في هذا اليوم يلبسون المرأة التونسية أمام العالم ثوب الحظوة والتمجيد، ثوب هو في الحقيقة زائف مرصّع بحقوق لم تتعدّى مجرّد الخط على ورق، ثوب بريقه يخطف الأبصار لكن، هيهات، ليس كل ما يلمع من ذهب...

اليوم يرشون دربها بالورود وهي كامل أيام السنة دروبها مفروشة بالشوك والسهر والألم...

واليوم يتشدقون ملئ الفم "بإنجازاتهم العظيمة" للمرأة:

فالمرأة شريك فعال في بناء المجتمع التونسي...

ويتبادر إلى ذهننا سؤال: الطالبة أليست بإمرأة؟ لماذا لا يتمّ استشارتها والانفتاح على تطلعاتها وحمايتها من تلك النظرة الرجعية التي قزّمت دائما وأبدا من حجمها وجعلت نظرة الكثيرين لها لا تتجاوز مجرد إشباع لحاجات جسدية. لماذا يسعون إذن لهدم أحلامها ورؤاها بإغراقها في الميوعة عن طريق تلك البرامج التلفزية التي شيّأت المرأة (جعلتها شيئا وليس إنسانا) وضيّقت نظرتها للعام وللحياة وحصرتها في مجرّد التفكير في حذاء جديد وقميص "azar" وحقيبة "H&H" وصديق وسيم مثل "أحمد الشريف" وشفتين منتفختين كتلك التي تمتلكها نانسي عجرم...

هؤلاء الذين يحتفلون اليوم بالمرأة هم أول الطاعنين في ظهرها، هم أول من يستغلها لتنمية رأس المال الذي يتمركز في أيدي حفنة من الأثرياء ليغرق بقية الشعب في الديون والفقر والخصاصة، هم أول من حرمها من القيام بدورها الأسري على أكمل وجه.

المرأة التونسية شريك نعم، لكن في بناء رأس مال البرجوازية دون مقابل يذكر...

والمرأة التونسية مميزة عربيا:

أي نعم امرأتنا التونسية مميزة ليس فقط على الصعيد العربي بل حتى على الصعيد العالمي، فأيّ دولة أو مملكة تجرأت على الزج بمجموعة من الطالبات في السجن لا لشيء إلا لمطالبتهن بسرير في غرفة جامعية؟؟ وأيّ دولة تجرّأت على محاكمتهن بسنة من السجن وألقت بهن في غياهب الزنزانة وحوّلت مطلبهن الشرعي إلى قضية حق عام؟؟ ونحن نتحدّث هنا عن اعتصام منوبة الذي دخلته أكثر من مائة طالبة طالبن بحقهن في السكن خاصة وأن مدير المبيت "البساتين" السابق قد تحرّش بإحدى الطالبات لكنها أبدا لم تكن لقمة سائغة في فمه. وهذا الاعتصام أفرز حكما بسنة من السجن على4 فتيات من خيرة الطالبات وهن حنان الظاهري وأسماء العرضاوي وأماني رزق الله وأمال العلوي ذلك أن السلطة قرأت موقفهن الاحتجاجي على أنه اعتداء على حرية الشغل!!

والمرأة التونسية تعبّر بكل حرية:

ففي كل يوم تتقلد المرأة في تونس المناصب العليا وتذهب وتجيء وتتحدث بكل حرية. أمّا النساء الديمقراطيات على سبيل الذكر لا الحصر فهن لسن بنساء لأنهن يتحدثن بلغة تختلف عن اللغة الموجدة بين النساء والتي تسعى السلطة إلى ترسيخها ولهن رأي آخر مختلف وتصوّر آخر عن مشاركة المرأة الفعالة في المجتمع. لذلك نرى ندواتهن تمنع من الانجاز ويحرمن من عقد ملتقياتهن في الأماكن العمومية ويحاصرن في مقرهن معزولات عن بقية مكونات المجتمع خفية أن تعجب إحداهن بلغتهن وتنظم إليهن وهكذا دواليك...

اليوم يتشدقون ملئ الفم بكل الانجازات الوهمية لامرأة تتمنى لو أنها تفرج عن شفتيها لتعبّر بكل حرية دون أن يتم وأد كلمتها في صدرها... امرأة تتمنى لو أنها كانت فعلا تساهم في تأثيث الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون أن يتم توظيفها للضحك على الذقون مع ابتسامة عريضة:" تونس بخير" وتتمنى لو أنها تساهم فعلا بأفكارها ومقترحاتتها وبرؤاها دون أن تتعرّض للمحاصرة والهرسلة.

بأيّ امرأة يحتفلون؟

اليوم أيضا يكشفون عن نواياهم وبأيّ عيد يحتفلون وأيّ امرأة يكرّمون .فاليوم يلبسون المرأة شالا بنفسجيّ اللون لتلتحق بالتالي بركب الجواري، جواري "للاَ" أنموذج المرأة التونسية المفكرة والمبدعة صاحبة المبادرات العربية، زوجة صاحب المبادرات العالمية رائد الديمقراطية حارس التعددية وحامي الحريات وحافظ الحقوق والمصغي للمطالب الشعبية...

إذن عرفنا بأيّ امرأة يحتفلون، فهم لا يحتفلون بك يا امرأة تقوّس ظهرك من خدمة "للاَ"، يا امرأة تشققت قدماك من قسوة الأرض التي بذرت حبوبها وسقيت زرعها وجمعت ثمارها لتأكلها "للاَ" يا امرأة تعملين بالمصنع مقابل أجر زهيد، تعانين من تسلط "سيدي" الخائف على قطعة قماش أفسدتها عن سهو ويوبّخك وينتهك كرامتك لتلبس "للاَ"، يا امرأة صرخت "لا" فأربكتهم صرختك فضربوك وسجنوك فصرختك لم تعجب "للاَ".

هم لا يحتفلون بك يا امرأة الرديف، يا نبض الشعب... بل يحتفلون بـ"للاَ"

للاَ:

"للاَ" هذه وكما قلنا أنموذج يجب - فرضا- الاحتذاء به والسير على دربه: سيّدة أنيقة، ترتدي شالا بنفسجيا وهي تلك التي تعلن في كل يوم قانونا جديدا يحمي المرأة وتلك التي باسم الكرامة انتهكت كرامة نساء الشعب وباسم الحرية افتكّت حرية بنات الشعب...

وجارية "للاَ" باعت كرامتها وعزة نفسها وربما نهديها لتصبح مثل "للاَ" وتمتلك جاهها... أبدا لن تصير مثل "للاَ" قد تسمح لها بتقليدها لكنها أبدا لن تسمح بوجود "للاَ" أخرى...

و"للاَ" هذه لم تهتم بك يوما يا امرأة ناضلت لأجل أطفالك مثلما تهتم بمساحيق تهتم بمساحيق تجميلها وفستانها وطلاء أظافرها...

و"للاَ" باعت عقلها مقابل أفكار لم تزدها إلاّ جهلا وأغرقتها في التبعية وجعلتها "قشور" امراة لا كيانا فاعلا ومساهما بجدية في الحركة التاريخية جواري "للاَ" أصبحن اليوم أداة لتنفيذ خطة وضعتها "للاَ" وهي طمس حقيقة الوضع المتردّي الذي تعيشه المرأة التونسية، "غطي عين الشمس بالغربال"، وثقوب الغربال هي أنت أمي، هو أنت جارتي، صديقتي، حبيبتي، تلك الثقوب التي أفشلت خطة "للاَ" وكشفت عن جانب هام من الحقيقة و"للاَ" تقضي العطل في زيارة البلدان التي لم تعرفها من قبل تتمسّح على الأهرامات والعجائب السبع علّها تصبح العجيبة الثامنة وتحاول تخليد بصمتها بكل مكان: أبدا لن تنجحي "للاَ" فالتاريخ أقوى من إبهامك المغطى بـ"كريمة المساج" "للاَ" حياتها نزهة وحفلات وأنت لا تعرفين العطل يا أمي.

و"للاَ" تسكن القصور محاطة بالحرس وأنت يا جارتي سقف بيتك يرشح ماء يفسد أثاثه، وأنت يا صديقتي الطالبة ترتعشين بردا في غرفتك بالمبيت الجامعي حيث النوافذ المحطمة الزجاج والمخربة الأقفال، وأنت يا أماني وبعد أن أمضيت شهرا من النوم بحديقة المبيت الجامعي "البساتين" صحبة رفيقاتك لم تتحصّلي في نهاية الأمر على سرير واحد ولم يعيروا اهتماما لكيانك الأنثوي.

أين أنت يا امرأة لم يزدك الشقاء إلا صمودا وعفة وإنسانية. من "للاَ"؟ أين أمك وخالتك ووخالتي وجارتك وجارتي من "للاَ"؟ فـ"للاَ" ملكة إذا جاعت لا تستغربي إن أطعموها لحمك و"للاَ" صاحبة الحق الوحيد في الاقتراح والابتكار والاختراع، فلا تستغربي إن كتبت قصيدة عن الحرية ووقعت باسم "للاَ"، وأنت ولأنك سيدة نفسك ستموتين قهرا وظلما واضطهادا وهذا مخطط "للاَ" الذي يهدف إلى إخراس كل صوت نسائي حرَ...

نحن بمن نحتفل

هل عرفت يا امرأة محرومة في يوم عيدك من الاحتفال بعيدك بمن يحتفلون؟ لا تحزني يا امرأة ديست كرامتها وسلبت حريتها، سنحتفل بك نحن... سيحتفل بك الشعب بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والاحتفالات المبهرجة... فدعي "للاَ" وجواريها وهلمّي إلينا نلبسك تيجان المحبة والتقدير، تيجان الفخر والاعتزاز، تيجان الخلود...

فمرحى بهذه الأرض الكريمة التي أنجبت أسماء وحنان و... النضال على التذيل لسياسة زوج "للاَ"، دموعهن العذبة قلبت ملوحة البحر حلاوة... مرحى بفتيات وعين بحقوقهن وتمسّكن بموقفهن ولم تنحن إحداهن تحت وطأة الظلم ولم تنهزم وانتصرت لحظة لمحت الحقد في عيني"للاَ" المتأكدة من أنها لن تمتلك حنان أسماء العرضاوي ودفء أماني رزق الله وصمود حنان الضاهري وأنها فقدت إنسانيتها وهن يقطرن حبا وفرحا وإشراقا رغم القمع والألم، وأنها لن ترتقي لتصبح امرأة بما تحمله الكلمة من معنى كما ولدن هنٌ...

مرحى بهذه الأرض الكريمة التي أنجبت مية الجريبي وراضية النصراوي وعفاف بالناصر وفاطمة البحري و... اللاتي أثبتن للجميع أن للمرأة صوت وللمرأة رأي وللمرأة تطلعات وأحلام وأنها كفء لتخوض التجربة السياسية وتقدّم الإضافة رغم الحصار والمضايقات الأمنية..

مرحى بهذه الأرض التي أنجبت نساء الحوض المنجمي صوت الغضب الثائر، نبراس الأمل والحياة، شعلة الحرية رصاصة الحق...

مرحى بهذه الأرض التي أنجبتكن رفيقاتي، صديقاتي لتحملن المشعل وتواصلن السير على درب هؤلاء النسوة - خير مثال- للتضحية والإخلاص، رمز القوة والشجاعة والثبات...

اليوم رفيقاتي حملنا على عاتقنا مسؤولية تحقيق هدف نبيل، كفانا صمتا إذن، ولنوحّد أصواتنا من أجل أن تصبح المرأة شريكا فعليا لا صوريا في اتخاذ القرارات من أجل حرية التعبير، من أجل المساواة التامة والفعلية بين الجنسين.

من أجل امرأة مثقفة واعية بحقوقها ساهرة على خدمة المجتمع...



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني