الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ماذا تحقق من أهداف الثورة؟
بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل بن علي:
ماذا تحقق من أهداف الثورة؟
13 كانون الثاني (يناير) 2013

مرّت اليوم سنتان على خلع الدكتاتور بن علي بعد نضال عنيد ومضني خاضه شعبنا منذ عقود، ويحقّ للشعب التونسي أن يتوقف بهذه المناسبة عند ما تحقق وما لم يتحقق من أهداف عبّر عنها منذ اللحظة الأولى حين أضرم الشاب الشهيد محمد البوعزيزي النار في جسده يوم 17 ديسمبر 2010 أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على الظلم والقهر و"الحقرة"، لتنطلق ثورة عارمة من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية انتهت بخلع الجنرال بن علي الذي حكم البلاد 23عاما بالحديد والنار.

ولكن اليوم، وبعد عامين من يوم 14 جانفي المجيد تتفق فئات واسعة من الشعب وقواه السياسية والمدنية على أن الأوضاع لم تتغير وان تغيرت فنحو الأسوأ.

فالبلاد مازالت تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة حيث تراجعت معدلات الاستثمار والإنتاج في جميع المجالات وتفاقمت نسبة المديونية لتصل 48 % من الناتج الداخلي الخام وتضاعف عجز الميزان التجاري وبلغت نسبة عجز الميزانية 6.6 % وتراجع مخزون البنك المركزي من العملة الصعبة إلى مستويات خطيرة وارتفعت نسبة التضخم إلى 5.9 % في الشهر الماضي. ومن غير المتوقع أن تساعد الإجراءات التي لجأت إليها حكومة الترويكا في معالجة هذه الأزمة بل أن تصاعد وتيرة الاقتراض والتداين ونسق الخوصصة الذي شمل قطاعات حيوية منجمية وبترولية وصناعية والأملاك المصادرة من المافيا الحاكمة علاوة على تواصل السياسة الجبائية القديمة والتي لا تخدم إلا مصالح أصحاب رأس المال الأجانب ومصالح الفاسدين والتي سترهن مستقبل البلاد والشعب للاحتكارات الأجنبية ولأنظمة الخليج الرجعية والعميلة والمتخلفة ستزيد في تعميق الأزمة واحتدادها.

إن هذه الاختيارات الرأسمالية الجشعة والفاسدة قد أثبتت فشلها في عهد بن علي كما في عهد الفريق الحاكم الحالي لا فقط في انتشال الاقتصاد التونسي من الأزمة وإنما أيضا في معالجة معضلات البطالة والفقر وتردي الخدمات الاجتماعية والعمومية (صحة وتعليم وسكن ونقل وخدمات إدارية وبنكية الخ...) هذه المعضلات التي تفاقمت اكثر وبلغت اليوم معدلات مفزعة.

على خلفية هذه الأوضاع تسود اليوم حالة من الغضب والاحتقان التي تشمل أغلب الجهات جنوبا وشمالا، وأغلب الفئات من معطلين وعمال مناولة وفلاحين وطلبة وإعلاميين وقضاة ومربين ومختلف أصناف العمال والموظفين من مختلف القطاعات، الذين تتعامل الحكومة القائمة مع نضالاتهم واحتجاجاتهم بالقمع والعنف وصل حد استعمال "الرش" في سليانة مما خلف عددا كبيرا من الضحايا.

إن مظاهر الأزمة متعددة ومتشعبة، وهي في تقديرنا نتيجة منطقية للاختيارات المتبعة إضافة إلي عدم كفاءة الفريق الحاكم الذي اثبت فشلا ذريعا في الاستجابة لأهداف الثورة سواء فيما يتعلق بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية أو بالمطامح السياسية وخاصة بمحتوى الدستور الذي سطرت ثورة شعبنا عناوينه ومبادئه وأرادته دستورا يقنّن الحقوق الأساسية للشعب مثل الحق في الشغل والصحة والتعليم والبيئة السليمة ويضمن حرية الرأي والتعبير والحق النقابي ويعتمد المرجعية الكونية لحقوق الإنسان ويضع أسس الدولة المدنية القائمة على الحق والمساواة بين الجنسين وعلى استقلال القضاء وحياد الإدارة والأمن الجمهوري وعلى وتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني.

لقد تنكرت حركة النهضة لكل هذه المطامح وبدلا عن إجراء إصلاحات عميقة على الإدارة والأمن والإعلام والقضاء وعلى منظومات الجباية والصحة والتربية نظمت، بنفس أساليب الفساد القديمة، هجوما للاستيلاء على مفاصل الإدارة ومراكز القرار مهمشة حتى " حلفاءها " الذين يشاركون في حكومتها ولا يشاركونها في الحكم.

وحتى المنجز الوحيد الذي تم فرضه والذي يهم الحرية السياسية فهي مهددة اليوم بصفة جدية من طرف عنف الميليشيات المسماة زيفا " رابطات حماية الثورة " وبعض المجموعات السلفية والعصابات المنظمة المرتبطة ببعض دوائر القرار القديمة والجديدة، إضافة إلى عودة التعذيب والقمع البوليسي وتواطئ بعض الجهات في القضاء الذي لم يعرف مسّا من استقلاليته أكثر من اليوم، فضلا عن بروز غير مسبوق لتداخل الحزب ( النهضة ) والدولة بما يعيد للأذهان الأيام الحالكة للدكتاتورية الدستورية زمن بورقيبة وبن علي.

لقد بلغت أوضاع الجماهير سوء غير مسبوق وباتت الظروف الموضوعية التي فجرت ثورة 17 ديسمبر – 14 أكتوبر أكثر من ناضجة لاندلاع انفجار شعبي جديد تلوح تباشيره اليوم في الحوض المنجمي والقصرين وتالة وبن قردان وكامل أنحاء البلاد تقريبا.

لذلك فان حزب العمال وإيمانا منه بمبادئ وأهداف الثورة، وتقديرا منه لتضحيات الشعب وقواه المناضلة منذ عقود، وإذ يحيي كل من ناضل ضد الدكتاتورية من أجل الحرية، فانه يحمل الحكومة مسؤولية حرمان الشعب التونسي من الاحتفال بانتصاراته في أجواء الفرح وإجباره على إحياء ذكرى الثورة في أجواء مفعمة بالمرارة والغضب والاحتقان.

انه لا خيار أمام شعبنا إلا رص الصفوف دفاعا عن أهداف الثورة، وبصفة مباشرة من أجل تحديد مواعيد الاستحقاقات القادمة والعمل على توفير شروطها القانونية والسياسية والعملية وخاصة التصدي للعنف وحلّ الميليشيات وكذلك التسريع بسن دستور ديمقراطي يعكس أهداف الثورة، واتخاذ الإجراءات الاجتماعية المستعجلة لصالح الجهات والفئات الأكثر تضررا وتفعيل العدالة الانتقالية واتخاذ الإجراءات العاجلة لضمان استقلال القضاء والإدارة والأمن والإعلام، وذلك من قبل حكومة أزمة مضيقة وكفأة . خارج هذا فان الأوضاع ستزيد سوء وسيزيد نسق الغضب والرفض والاحتقان ارتفاعا.

- عاش الشعب التونسي، عاشت الثورة.
- المجد للشهداء، الشفاء للجرحى والعزة للوطن.
- الخزي والعار لقوى الردة والثورة المضادة.

حزب العمـال
تونس في 14 جانفي 2013


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني