الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مشروع «سما دبي» : نهبٌ وانتهاكٌ للسّيادة الوطنيّة
مشروع «سما دبي» : نهبٌ وانتهاكٌ للسّيادة الوطنيّة
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

تداولت عديد الصحف الالكترونية، هذا الأسبوع، الحديث الذي دار بين موقع «واب منادجر سانتر» والمسؤول عن التخطيط والدراسات في حركة النهضة، رضا السعيدي الذي صرّح أن المشروع العقاري المجمّد، من سنتين، «باب المتوسط» والذي عرف باسم «سما دبي» سيحوّل إلى مجموعة مالية قطرية-كويتية، ستتولّى إنجازه.

«سما دبي» هو مشروع عقاري خرجت به الدكتاتورية سنة 2007 على الشعب التونسي مدعية أن شركة إمارتية ستقوم باستثمار عقاري في الضفة الجنوبية من بحيرة تونس بتمويل قدره 14 مليار دولار سيُحدث 150.000 موطن شغل.

مشرع مشبوه..!

صوت الشعب - العدد 24

وبحلول صيف 2008 وعلى إثر الأزمة المالية العالمية جمّدت الشركة الإماراتية مشروعها. قبل تلك الفترة أمضت الدولة التونسية مذكرتي تفاهم في 2005 و2006 مع شركة «دبي هولدنڨ» التي تمتلكها الحكومة الإماراتية والشركة التابعة لها «سما دبي» ثم شرعت مباشرة في تهديم المنطقة الصناعية وعنابر ميناء تونس ونقلت كذلك القاعدة البحرية (مصلحة الإشارة والمنارات) وفككتها لفسح المجال لقيام المشروع. وقع ذلك وسط تعتيم كامل حول نوعية المشروع وصفته القانونية وبنوده وقامت حينها حملة من الدعاية، غير مسبوقة، لتمرير هذا المشروع المشبوه لدى المواطنين .

وفي جويلية -أوت 2007 تقدمت الحكومة بمشروع قانون الى «مجلس النواب» و «مجلس المستشارين» من أجل إضفاء صبغة قانونية على هذه العملية المشبوهة. من يومها بدأت بعض الأخبار تتسرّب حول صفقة «باب المتوسط/سما دبي» حيث علم المواطنون أن الدولة التونسية سلّمت أو أحالت أو منحت عقد لزمة للمجموعة المالية الإماراتية «سما دبي» يتمثل في 837 هكتار من الضفاف الجنوبية لبحيرة تونس مقابل الدينار الرمزي لإقامة مجمّعات عقارية وسكنية وتجارية وخدماتية.

كانت الصدمة كبيرة لدى عديد من الناس لأن سعر هذه المساحة لا يقلّ، بأسعار سوق العقارات بتونس، عن الثمانية مليارات (نؤكد مليارات) ونصف دولار. ذهل الجميع لأنه لا توجد دولة في العالم تهب أراضي بهذه القيمة المالية المرتفعة مقابل عمارات ومراكز تجارية، مهما كانت نوعيتها، تنجزها شركة أجنبية ثم تؤول ملكيتها، يوم انتهاء الأشغال، إلى هذه الشركة. كان في الأمر ألغاز وغموض غير مفهومة إلي الآن. والشعب التونسي يطالب اليوم الدولة بكشف الحقيقة حول هذا الموضوع. يريد المواطن أن يعرف قيمة الأموال التي قبضها بن علي من المجموعة المالية الأمارتية. وإجابة شافية حول ما يشاع أن هذه الأموال تناهز الأربعة مائة مليون دولار دفعت في حساب يحمل اسم ابنه محمد بن علي.

لماذا بقي العقد سريّا؟

نص العقد الذي أبرم بين الدولة التونسية وشركة «سما دبي» بقي سرّيا إلى اليوم عدى بعض ما تسرب من الفصول التي وقع التصويت عليها من طرف أزلام النظام والتي تقول أن «تونس أبرمت اتفاقية استثمار... بهدف إنجاز مشروع مجمعات متكاملة عقارية وتجارية وخدماتية والمرافق المتعلقة بها وذلك على مساحة 837 هكتار على ملك الدولة...» .

العقد مذلّ ويتجاوز في عديد من بنوده متطلبات السيادة على الأرض والبحر وقوانين الصرف ومجلة الشغل وحق العمل النقابي ومجلة التعمير والتهيئة الترابية وتراتيب التوريد والتصدير والتجارة الداخلية.

صلاحيّات لا حدود لها

أرض المشروع غير محددة وقابلة للتمطيط وتشير بالواضح إلى أن الشركة تمنح نفسها حق ردم ما تريده من مياه البحيرة. يقول النص «هي الأرض القائمة في المشروع والمحددة بالتخطيط الرئيسي وقاع البحر والمنطقة البحرية الموجودة فوقه والأرض المطمورة الذي تحته وقطع الأرض الخاصة إن وجدت وجميع مجاري الماء الاصطناعية...» ، حيث يمكن للشركة.»إنشاء بنية تحتية خاصة بالمشروع من كهرباء وغاز طبيعي وطرقات وماء صالح للشرب والانتفاع بها وإدارتها وفق المخطط المعد لذلك وكذلك الحق في مراجعتها وتعديلها وفق متطلبات المشروع.» مما يعني بالواضح عدم أهلية «الستاڨ» و»الصوناد» وكل الشركات التونسية العاملة في ميدان بناء الطرقات للعمل فوق أراضي المشروع.

أعطيت شركة «سما دبي» الحق في استيراد وتصدير التجهيزات الصناعية والمعدات والمواد اللازمة لإنجاز المشروع وتشغيله وكذلك الحق في إعادة تصديرها. كما تتعهد الدولة التونسية «بتسهيل منح جميع الأذون والتأشيرات للعمال الوافدين والتابعين وعدم تطبيق قانون الشغل التونسي والعمل النقابي». وفي ذلك إشارة الى أن العمال الذين ستشغلهم شركات «سما دبي» سيؤتى بهم من الفلبين والهند وكوريا الجنوبية ومن تونس وسيعملون فوق التراب التونسي بشروط لا علاقة لها بقوانين بلادنا. وأسند لها حق البيع في السوق التونسية لكل التجهيزات والبضائع والمعدات وقطع الغيار التي لم يتم استعمالها في إنجاز المشروع مما يعني أن «سما دبي» يمكنها دون دفع ضرائب أو رسوم جمركية أن تورد وتتاجر في السوق التونسية دون قيد أوشرط. كما «تتنازل الدولة التونسية عن حصانة التقاضي المعترف لها بها في القانون الدولي باعتبار أنه يجوز للمستثمر التظلم من فعل صادر عنها أمام هيئة التحكيم».

إعفاء من الضرائب

أمّا في الجانب المصرفي والجبائي فإن «سما دبي» يمكنها بموجب العقد «التمتع بجميع امتيازات الشركات غير المقيمة» و «تحويل العملة ورؤوس الأموال إلى الخارج دون قيد أو شرط، والقيام بالدفوعات بالعملة الأجنبية» وكذلك «الإعفاء من الضرائب والمعاليم والأداءات باعتبارها من الحوافز التي تجلب المستثمر وتشمل مجموعة «سما دبي» والتابعين لها والمقاولين» .

ويبدو أن العقد نصّ على أن الإعفاء الضريبي يشمل الإعفاء من الضرائب والمعاليم والأداءات الموظفة في مختلف مراحل المشروع ومنها :

تكوين شركة المشروع، وإحالة ملكية الأرض إلى شركة المشروع، وعمليات التهيئة، وعمليات بيع الأراضي، وترسيم العقارات، والأرباح المتأتية من بيع وتأجير العقارات، وفوائد الإيداعات والسندات بالعملة الأجنبية...» .

لماذا أصبح المشروع قَطَريّا؟

كل بنود العقد تفوح منها رائحة الليبرالية المتوحشة والجشعة التي تريد البرجوازية التابعة وأسيادها فرضها على الشعب التونسي لاستنزاف قواه وتجويعه من جديد بعد ثلاثة وعشرين سنة من الدكتاتورية.

الشركة الإماراتية لم تتسوغ هذه الأرض ولم تشتريها بعقد أو بمقابل مالي ولم تمنح حق استثمارها لمدة زمنية محدودة مقابل مال دفعته للدولة التونسية. هذه العملية التي طبّل لها الإعلام المأجور طويلا مدّعيا أنها «مشروع القرن الواحد والعشرين» هي في الحقيقة عملية نهب وانتقاص لسيادة بلادنا كونها تجيز للشركة المستثمرة الاستحواذ على أرض وأملاك عامة بحرية لا يمكن بيعها أورهنها.

التساؤلات العديدة التي نطرحها اليوم هي، من الذي أتى اليوم بالمجموعة القطرية-الكويتية؟ ما علاقة رجوع هذا المشروع بغطاء قطري بتواجد صخر الماطري بقطر؟

ما هي الحجج التي ستستعملها الحكومة لتمكين القطريين من جزء من تراب وبحر بلادنا؟

أليست هذه الحجج كلها من نفس قاموس النهب الذي أرساه بن علي (التنمية، الاستثمار، تونس الغد، مقاومة البطالة، وخرافات أخرى) هل ستشهد تونس مدّا استعماريا جديدا قادما هذه المرة من الشرق؟

سالم بن يحيى



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني