الصفحة الأساسية > بديل الشباب > إلى متى يُسجن الطلبة في تونس؟
إلى متى يُسجن الطلبة في تونس؟
13 كانون الثاني (يناير) 2010

مازال الطلبة المحاكمين في قضّية منوبة يعانون ويلات السجن، في حين مازال بقية، منهم طالبات، يتمتعون بالسراح حتى نهاية مداولات المحاكمة. وسواء كان هؤلاء يدافعون عن حق زميلات لهم في المبيت الجامعي، وهو السبب المباشر لما حصل، أو يطالبون بإنهاء العمل ببرنامج "إمد" الفاشل وبهامش من الحريات الأكاديمية وبحرية النشاط النقابي والسياسي أو يناصرون المجهود الحزبي والجمعياتي لتحرير بلادنا من الانغلاق والتسييج الأمني ويمنحها جرعات كافية من الحريات الأساسية، فإنّ لاشيء يبرّر اختطافهم من مدارجهم ومن أُسرهم، وحجزهم لأيام بمعزل عن العالم الخارجي ثم رميهم في زنازين المعتقلات واستعمال القضاء لتصفية الحساب مع أجسادهم الضئيلة وأفكارهم الناشئة.

ففي بلدان كانت بالأمس القريب ديكتاتوريات فجّة، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، يصبح خبر اعتقال طلبة مثار تعجّب واستغراب، ولا أظن أنّ الأمر مختلف عنه في أغلب بلدان القارة السمراء التي كنّا نسخر من أنظمتها آكلة لحوم البشر فإذا بها تفوقنا أشواطا في التنمية البشرية والاقتصادية وفي مؤشرات الحريات الخاصة والعامة.

ومصدر التعجّب هذا ليس فقط في كون حبس الطلاب يتنافى مع الدساتير المحلية والمواثيق الدولية بل باعتبار هذه الفئة مرشحة أكثر من غيرها، لعامل السن ولفوران الجسد ولطبيعة النشاط، للتعبير عن مثل تلك الاحتجاجات والتطلعات بما فيها التجاسر على المحرمات الاجتماعية والسياسية، ومن الطبيعي أن تتمتع في أوضاع "الشطط" بأبوّة الأسرة والدولة. ولكن رغم دعاية نظامنا بأنه حامي حمى الشباب، تلك الدعاية التي أخذت نبرة دولية هذه السنة، فإنّ الطلبة مازالوا يحاكمون ومازالت محاكماتهم تتكرّر على مدار السنوات، فحتى في الأعوام التي يتحقق فيها هامش من النشاط العام فإنّ محاكمات كانت تجري للطلبة في مختلف جهات البلاد. فالسلطة كانت ولاتزال ترى في النضال الطلابي عدوّا وجبت مطاردته على الدوام وقصّ أجنحته كلما طالت قليلا، لأنها ترى فيه ساعد النشاط الحزبي في الجامعة ومفرّخا نشطا للأطر والهيئات الفكرية والإيديولوجية والسياسية ويتعكّر مُنجزها الأمني من السقف العالي لخطابه، فتجد الأسباب للجمه والتي تأخذ في أغلب الأحيان شكل تُهم حق عام سوقية.

وكثيرا ما يصمت المجتمع المدني والسياسي حيال تلك المحاكمات وقد تقتصر ردود فعله أحيانا على بيانات يتيمة في حين أنّ بعض الاعتقالات كانت بمثابة إنذار للنشطاء خارج الجامعة بضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمر يكون عادة مسوّغا للتنصّل من "شغب المتطرفين" وتحميل مسؤولية سجنهم إلى أطراف سياسية بعينها.

إنه بدأ يظهر في المدة الأخيرة تفهّم أكبر بأنّ الطلبة ليسوا الحمار القصير الذي تركبه السلطة متى شاءت والذي يتحمّل لوحده في فترات محدّدة فائض القمع والملاحقات الأمنية والقضائية. وقد كشف إضراب الجوع الذي تمّ في مقرّ إتحاد الطلبة بالعاصمة أنّ الأحزاب الديمقراطية والمنظمات الحقوقية والنسائية والنقابات والشخصيات الوطنية باتت نسبيّا قادرة على تحمّل أعباء طلابية، وقد أكّدت لها حركة التضامن مع طلبة سوسة أنها قادرة على إنجاح تحرّك مماثل وإحراج السلطة أين تصوّرت أنّ الباب مفتوحا أمامها على مصراعيه. لقد عشت شخصيّا ضريبة هجوم مماثل على نشطاء الحركة الطلابية بالقيروان سنة 1994 ولم تفعل فيّ سنوات السجن أكثر ممّا فعل فيّ ضعف المساندة لذلك الملف حتى أنّ بعض المعتقلين معي في تلك السنوات قد أصيبوا بانفصام مزمن مع المشهد السياسي العام للأسباب ذاتها.

ولا شكّ أنّ إدراك حجم هذا القصور الذاتي سيجعل أداء اللجنتين الطلابية والوطنية لنصرة الطلبة المسجونين ناجعا وفعّالا ويحمّلهما مسؤولية أكبر في التعاطي مع هذا الملفّ بتحويله إلى قضيّة رأي عام وتشريك كلّ القوى الحيّة في مساعي حلّه النضالية.

عفاف بالناصر


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني