الصفحة الأساسية > بديل الشباب > العودة المدرسية والجامعية: ما أشبه اليوم بالبارحة!
العودة المدرسية والجامعية: ما أشبه اليوم بالبارحة!
تشرين الأول (أكتوبر) 2005

عاد قرابة ربع السكان إلى مقاعد الدراسة يحدوهم الأمل في النجاح والتفوق. وهو نفس الأمل الذين يحدو عائلاتهم التي تتكبد المصاعب الجمة من اجل تأمين حقهم في الدراسة الذي عادة ما يكون على حساب المتطلبات الأخرى للأسرة وأفرادها، ولا غرو في ذلك فتكاليف الدراسة في تونس أصبحت مشطة أكثر من أي وقت مضى، فالعائلة تتحمل أعباء كبيرة منذ الخطوة الأولى للطفل في الحضانة ثم الروضة ومن بعدها مسلسل التعليم الحكومي بمستوياته المتلاحقة وما يتطلبه من مصاريف من لباس وأدوات مدرسية ومعاليم الترسيم ودروس خصوصية ومصاريف النقل وكراء المسكن بالنسبة للطلبة. كل هذه المصاريف لا تتحملها الدولة رغم ما يدعيه نظام بن علي من كون التعليم في تونس مجانيا! ويزداد الأمر صعوبة عندما تضطر العائلة لتعليم أبنائها في المدارس أوالمعاهد أوالكليات الخاصة.

1 – التعليم الأساسي والثانوي:

بلغ عدد الجملي للتلاميذ في تونس هذا العام 2.266.990 تلميذا وتلميذة منهم 1.128.652 في الأساسي و 578.484 في الإعدادي و 519.818 في الثانوي و16 ألف في مدارس المهن، ويؤم هؤلاء مدارسهم ومعاهدهم في ظل ظروف عامة آخذة في التعقد، خاصة وأنها تتزامن مع مرور الاقتصاد التونسي بأزمة اقتصادية لم يعد من الممكن حجبها. وهي نتيجة منطقية للاختيارات الاقتصادية التي اتبعها نظام بن علي والمبنية أساسا على الخوصصة وربط الاقتصاد التونسي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي. وقد بدأت ملامح هذه الأزمة تظهر في الزيادة المهولة في الأسعار وخاصة أسعار المحروقات وفي تفشي البطالة بشكل غير مسبوق وانتشار الأمراض الاجتماعية بجميع أنواعها. ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الأزمة على التعليم بجميع مستوياته. فالدولة النوفمبرية عودتنا دائما على تحميل أزماتها للشعب التونسي وخلاص فواتير أزمتها من جيبه وعلى حساب قوته وقوت أبنائه.

كما تتزامن عودة هذا العام مع تعطل المفاوضات الاجتماعية وما يعني ذلك من نسف لإمكانية استفادة الأجراء والمستخدمين من بعض الزيادات الهزيلة التي لا تغطي إلا جزءا من تبعات الزيادات الجنونية في الأسعار التي لا يزيدها مقدم شهر رمضان إلا التهابا. وهكذا تكتمل فصول المهزلة على الكادح والأجير المفقر الذي لا يزداد مع الأيام إلا ارتهانا للبنوك ومؤسسات التسليف.

إن وضعا اقتصاديا حرجا لا يمكن أن يجعل من العودة المدرسية موعدا للفرحة والسرور كما تحاول دعاية السلطة تصوير ذلك، بل إننا لا نجانب الصواب حين نقول أن هذا الموعد أصبح –على قداسته- عبئا قاسيا على أبناء الشعب. فالعائلة ذات الدخل المتوسط تحرم نفسها من عديد المستحقات حتى توفر لأبنائها مصاريف الدراسة، فما بالك بالعائلات الفقيرة التي سرعان ما ينقطع أبناؤها عن الدراسة ليعززوا صفوف المهمشين والعاطلين والمنحرفين والمتسولين والمسجونين والحارقين.. إلخ. أما من كان "محظوظا" وواصل تعليمه فبمضامين آخذة في التراجع، ولعل رأي بعض الخبراء في أن ما يسمى بالتعليم الأساسي في تونس، لا نتيجة له إلا القضاء على الأمية، يغني عن أي تعليق. فمستوى التعليم في تراجع مستمر بسبب السياسات الارتجالية والنزعات التجريبية التي أصبحت تميز أداء سلطة الإشراف في مجال التعليم، فبعد "برنامج إصلاح التعليم" إلى ما نهاية له من "الإصلاحات" التي وصلت اليوم إلى حلقة ما سمي بـ"مدرسة الغد" وعنوانها الفرعي "نظام الكفايات"، وهي حلقة أثبتت فشلها العلمي والبيداغوجي ومما جعل وزارة الإشراف تقرر تجميد "الكفايات" في مستوى الخامسة أساسي ثم تقرر مواصلتها بعد إجراء بعض التعديلات الشكلية، وهو ما يؤكد عمق الارتجال وفظاعة التلاعب بمستقبل الشعب ومقدراته البشرية والعلمية.

إن "مدرسة الغد" هي برنامج مملى من قبل الدوائر الامبريالية التي ترتبط بها الدولة التونسية بعلاقة تبعية، وهي برنامج مسقط لا يراعي حقيقة أوضاع المدرسة التونسية.

وزيادة على ذلك فالبنية الأساسية للمدارس والمعاهد والكليات والمعاهد العليا قديمة بعضها من بقايا الاستعمار الفرنسي وبعضها شيد في الستينات والسبعينات. وقد تخلت الدولة عن صيانة المؤسسات التربوية وترميمها وإدخال التحسينات الضرورية عليها، وتزويدها بالمعدات الجديدة وبكل مستلزمات الدرس من طاولات وكراسي ومكتبات ومخابر وأجهزة إعلامية إلخ..

ولا ننسى ما تعانيه كل المؤسسات التربوية بجميع أنواعها من الاكتظاظ الذي يعتبر أهم عائق أمام تكوين متكامل. وإلى حد الان ما زالت ظاهرة "السكسيون" (جمع قسمين في قسم واحد) موجودة في بعض المدارس الريفية.

أما عن محتويات البرامج فقد وقع التخلص من بعض الجوانب النيرة التي كانت موجودة فبرامج السبعينات والثمانينات. فالمحتويات سطحية وضعيفة تعتمد التلقين والحفظ الببغائي وسياسة "بضاعتكم ردت إليكم" في الامتحانات. والهدف من ذلك هو إعادة إنتاج السائد الطبقي والثقافي والسياسي. فالسلطة لا تريد جيلا متعلما يفكر وينقد ويحاسب بل "ربوات" محشوة بما يكفي من المعلومات لتسيير اقتصاد في خدمة الأقلية البرجوازية الحاكمة. والميزانية التي خصصتها الدولة للتعليم، والتي تقول أنها تطورت من 4,2% سنة 1987 إلى 7,2% سنة 2004، موجهة إلى تنفيذ هذا الهدف.

أما مراكز التكوين التي وصل عددها إلى 132 مركزا ويرتادها 45ألف متكونا، فهي محكومة في أغلبها بغايات دعائية وغير مرتبطة بطرق علمية تراعي خصوصيات البلاد ومتطلبات سوق الشغل. فبالإضافة إلى ضعف التكوين فإن خريجي هذه المراكز يعززون صفوف العاطلين.

2 – التعليم العالي:

أصبحت الجامعة في عهد بن علي تعاني من ظاهرتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالاكتظاظ الناتج عن تضخم عدد الطلبة بفعل إخضاع النجاح في الباكالوريا لغايات انتخابوية وسياسوية ولإملاءات صناديق النهب المالي الدولية. ففي حين وصل عدد الطلبة هذه السنة إلى 360 ألف فإن هذا الارتفاع لم يقابله زيادة في عدد الكليات والمعاهد العليا وما يتبعها من مبيتات (75% من الطلبة لا يتمتعون بالمبيت) ومطاعم ووسائل نقل وغيرها.. فنجم عن ذلك اكتظاظ وتردي الخدمات وحرمان الطلبة من أبسط حقوقهم مثل المبيت والمنحة والترسيم إلخ. ونكتفي بذكر مثالين بخصوص الاكتظاظ، فكلية العلوم بتونس بها حاليا 10 آلاف طالب أي بزيادة أربع مرات عن طاقة استيعابها الحقيقية، وكلية الآداب بالقيروان طاقة استيعابها لا تتعدى 1500 طالب في حين أنها تدرس حاليا 7 آلاف طالب.

أما الظاهرة الثانية فهي تتعلق ببطالة أصحاب الشهائد. فالسائد حاليا هو أن الجامعة التونسية تنتج عاطلين عن العمل من جميع الاختصاصات.

ومن الأشياء التي تدعمت في "العهد الجديد" بعلاقة بالجامعة نذكر بالخصوص مزيد إخضاع الفضاءات الجامعية لسلطة وزارة الداخلية. فالدكتاتورية النوفمبرية تتعامل مع مؤسسات التعليم العالي خاصة تعاملا أمنيا فيتم تشييدها في أماكن بعيدة عن العمران وتسييجها وفصلها عن بعضها وتركيز مركز لـ"لأمن الجامعي" داخلها إلخ.. ولم تكتف الدكتاتورية بضرب حرية العمل النقابي والسياسي داخل الجامعة بل تعدت إلى ضرب الحرية الأكاديمية ووضعها تحت الإشراف المباشر لوزارة الداخلية (منشور 1997).

إن الأوضاع المتردية للتلاميذ والطلبة تؤكد ظلم الدولة وقهرها، وهو ظلم وقهر يمكن رده على أعقابه، بل القضاء عليه. وهذا لن يكون إلا بتنظيم النضال الجماعي ضد الاختيارات التي أفرزت هذه الأوضاع، إن التحاق الشباب بالنضال هو معطى حاسم في أي حركية اجتماعية ممكنة. فالشباب هو العطاء والتضحية والجرأة، وهي قيم أساسية لأي معركة تهدف للدفاع عن مصالح الشعب وتطلعاته، فلينصهر كل الشباب التلمذي والطلابي والعاطل والمهمشين للنضال من أجل:
-  تعليم إلزامي، مجاني، ديمقراطي وعلماني
-  إلغاء "الكفايات" ومدرسة الغد ونظام السداسيات وكل السياسات المسقطة.
-  سياسة تعليمية تصوغها مكونات الأسرة التعليمية.
-  ضمان الحريات السياسية والنقابية والأكاديمية في فضاءات التعليم.
-  إخراج البوليس من الجامعة وإلغاء سلك البوليس الجامعي.
-  تحسين الخدمات الجامعية وتعميمها لتشمل كل الطلبة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني