الصفحة الأساسية > بديل الشباب > الهجمة المسعورة لـ"طلبة التجمّع"... لماذا؟
الهجمة المسعورة لـ"طلبة التجمّع"... لماذا؟
كانون الأول (ديسمبر) 2008

عاشت بعض الأجزاء الجامعية في المدة الأخيرة على وقع أحداث عنف شديد بين "طلبة التجمّع" من جهة وبين مناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس من جهة أخرى، مما أفرز حالة من الرعب والفوضى لدى كافة مكونات الجامعة من إطار تدريس وطلبة وعملة. وقد شملت هذه الأحداث كل من تونس وسوسة وصفاقس، حيث اتخذ أنصار "التجمع" موقع الهجوم مرفوقين بوجوه غريبة عن الجامعة ومسلحين بالهراوات والآلات الحادة، بينما وجد أنصار اتحاد الطلبة أنفسهم في موقع المدافع عن حرماتهم الشخصية وعن كلياتهم سندهم في ذلك الإيمان الراسخ بالانتماء لإرث المنظمة النقابية والتعاطف الكبير من طرف الطلبة الذين هبوا متحدين لصدّ هذه الهجمة المسعورة.

ويعدّ هذا الهجوم الهمجي للدساترة على الطلاب ومنظمتهم وعن الجامعة عاديا وليس استثنائيا، خاصة وأنه تزامن مع الإعداد لانتخابات المجالس العلمية، هذه الانتخابات التي يسعى الحزب الحاكم منذ سنوات إلى كسبها بكل الوسائل بما في ذلك العنف لذلك استنفر كل إمكاناته المادية والبشرية واستغل انحياز الإدارة وجهاز البوليس السياسي له، فهذا الأخير مارس شتى الضغوط على مناضلي الاتحاد ومناضلاته من إيقافات وتهديد وهرسلة لذويهم من أجل ثنيهم عن خوض المعركة الانتخابية. لكن ما يثير العديد من التساؤلات هو فظاعة الهجمة هذه السنة وشراستها وتوقيتها. فمن الواضح أن العنف المسلط على الطلاب وقع الإعداد له بشكل محكم وعلى مستوى مركزي، بعيدا عما يمكن اعتباره "انفلاتا" أو اجتهادا فرديا يعزى لمن يريد أن يجسد ولاءه لـ"صانع التغيير" ولو بدماء الطلاب الأبرياء العزل.

ربما لفهم ما وقع وجب التأكيد أولا أن الجامعة التونسية بمكوناته الطلابية التقدمية وعلى رأسها الاتحاد العام لطلبة تونس، تشكّل إحدى الحلقات الهامة في جبهة الرفض لتسلّط النظام وخياراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية المعادية لطموحات الشعب التونسي في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

ورغم ما يعيشه الاتحاد من تمزق وتشتت فإن ذاته التقدمية ظلت شريانا يتنفس منه المجتمع، مما جعل الطلاب عرضة لحملات القمع المتواصلة والممنهجة والتي اتخذت العديد من الأشكال كالطرد من مقاعد الدراسة والاعتقال والعنف الوحشي في محاولة لإخماد كل صوت حرّ. لذلك فإن الهجمة الإستباقية التي اعتمدها الحزب الحاكم عبر توظيف ميليشيات ومرتزقة لترهيب الحركة الطلابية واستهداف كليات ذات ثقل نضالي كآداب صفاقس وآداب سوسة وابن شرف والقرجاني وكلية الاقتصاد والتصرّف والحقوق بتونس، إنما تتنزل في سياق مزيد إضعاف الاتحاد العام لطلبة تونس وتشتيت تركيزه على المحاور الطلابية الحارقة، وذلك بمساندة وحماية علنية من طرف البوليس السياسي الذي إذا ما تدخّل فلكي ينقذ مرتزقة التجمّع من ردّة فعل الطلاب ومن ثمّ يعمد إلى إيقاف المناضلين باسم "إحلال القانون والتصدّي للفوضى".

إذن يذهب الاعتقاد إلى أن قدوم محمد الغرياني في منصب الأمانة العامة للتجمع، قد يكون له علاقة مباشرة بما يحدث من عنف، فهذا الأخير لطالما عرف بعدائه الكبير لمناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس لا سيما وقد فشلت كل محاولاته منذ كان على رأس منظمة طلبة التجمّع في اختراق الاتحاد العام لطلبة تونس والفوز بـ"مناشدة تصدر عن أعضاء المجالس العلمية كعربون ولاء.

وبما أن الاتحاد نجح في افتكاك أغلب المقاعد كلما كان ممثلا في أحد الأجزاء وألحق هزائم نكراء بطلبة التجمّع وخاصة في الكليات ذات الثقل البشري (9 أفريل، حقوق تونس ، منوبة، صفاقس، سوسة، قفصة، بنزرت...)، فإن حزب الدستور قد سعى بأسلوبه المتخلف الذي يذكّرنا بميليشيات الصيّاح ولجان اليقظة إلى تحقيق "انتصار" عن طريق العنف.

ربما وجب التذكير في الأخير بأن الحركة الطلابية ومهما كانت تعاني من ضعف وتشتت فإنها ما تزال ولاّدة لمناضلين ومناضلات من عمق الوجع والظلم والبؤس، مناضلين مهما اختلفوا، و مهما افترقوا وتسارعوا، فإنهم على أهبة الاستعداد للتوحّد والتصدّي لكافة أشكال التهميش والتسلّط والاستبداد. فلا يمكن للطلاب إلا أن ينحازوا لطموحات الطبقة العاملة وكل الكادحين في الإنعتاق الاجتماعي حتى ولو كان بأجسادهم، فشتان ما بين من يريد أن يجبر الشعب على الاصطفاف وراءه عبر القمع والترهيب، وبين من يريد أن يعبّر عن هموم الشعب والارتقاء بوعيه نحو الخلاص من الدكتاتورية والاستغلال الرأسمالي الفاحش والتبعية والفساد.

إن "التجمع" لا يتعظ بالتجارب السابقة، فالحركة الطلابية ستظل حركة عصيّة، لا يرهبها القمع وستعرف كيف تردّ على الكلاب المسعورة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني