الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي) > حول مسألة السّيادة الشّعبيّة
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي)
حول مسألة السّيادة الشّعبيّة

يؤكّد البيان المشترك والبيان الختامي للمؤتمر السّابع لـ"حركة النّهضة" ضرورة استعادة الشّعب التّونسي سيادته عبر تنظيم انتخابات حرّة ديمقراطيّة ونزيهة، وفي هذا الإطار شدّد البيان معارضة الحركة لما يعدّ له الجنرال بن علي من مناورات تهدف إلى بقائه في السّلطة بعد نهاية ولايته الثّالثة والأخيرة، حسب الدّستور، في سنة 2004. وهذا يعني أنّ "حركة النّهضة" لا تدافع عن موقف "الحاكميّة للّه" الذي نادى به أبو الأعلى المودودي (زعيم الجماعة الإسلاميّة الباكستانيّة التي كانت تساند الجنرال الدّموي ضياء الحقّ) معتبرا اختيار الشّعب لمن يحكمه عبر الانتخابات وممارسة سلطة التّشريع بصورة مباشرة أو عن طريق نوّابه كفرا. وقد سبق للشّيخ راشد الغنّوشي أن كتب أنّ "الحاكمية للشعب". وما من شك في أن الحركة حين تقول هذا أدركت أن مبدأ "الحاكميّة للّه" يمثّل قاعدة صريحة للاستبداد ولسلطة الحاكم الفردي المطلق الذي ينصّب نفسه "ظلّ اللّه في الأرض" ويخوّل لنفسه ولزمرته صلاحيّة التّشريع "باسم اللّه" وبالتّالي حرمان الشّعب من أبسط حقوقه على غرار ما يجري في السّعوديّة وفي غيرها من الدّول الرّجعيّة المتجلببة بجلباب الدّين. ولكن رغم ذلك فإنّ شعار "السّيادة للشّعب" قد ينطوي على سوء تفاهم كبير أو بالأحرى لا يكفي أن نرفع معا هذا الشّعار حتى نكون متّفقين على مضمونه، فالتّاريخ يؤكّد لنا وجود حركات فاشستيّة، معادية للدّيمقراطيّة رفعت شعار "السّيادة للشّعب" لأغراض تكتيكيّة بحتة كي تسهّل وصولها إلى السّلطة. فما أن حقّقت غايتها حتى صفّت المكاسب الدّيمقراطيّة لشعوبها بدعوى "أنّ الشّعب انتخبها" وأنّ ما تفعله هو "ما يريده الشّعب". فسنّت القوانين المنتهكة للحرّيات الفرديّة والعامّة وألغت التّعدّدية السّياسيّة وحرّية العمل النّقابي وحرّية الصّحافة والتّعبير. ذلك ما فعلته جميع الأحزاب الفاشيّة في أوروبا ما قبل الحرب العالميّة الثّانية. وما بالعهد من قِدم تراجع الإمام آية اللّه الخميني في كافّة وعوده للشّعب الإيراني وقواه الدّيمقراطيّة. فما أن وصل إلى الحكم حتّى اعتبر كافّة القوى السّياسيّة التي لا تتّفق مع نهجه "أحزاب الشّيطان" وحدّد إطار ممارسة "السّيادة الشّعبيّة" في الولاء له ولنظامه.

ولا يزال النّاس في بلادنا يتذكّرون خطاب علي بلحاج (الذي نطالب بالمناسبة بإطلاق سراحه) في الجزائر بعد الدّورة الأولى للإنتخابات التّشريعيّة التي فازت فيها "جبهة الإنقاذ" بأغلبيّة المقاعد، وقد قال فيه إنّه آن الأوان بعد أن "انتخب الشّعب" مرشّحي "الجبهة" كي يُقضى على التّعدّدية الحزبيّة والسّياسيّة عامّة، التي اعتبرها "منافية للإسلام" أي أنّه أراد استعمال "السّيادة الشّعبيّة" للقضاء عليها وعلى الدّيمقراطيّة وفرض حكمه الدّكتاتوري أو بالأحرى حكم حزبه. وهو ما وفّر للجنرالات ذرائع للقيام بانقلابهم بدعوى أنّهم "أوصياء على الجمهوريّة والدّستور".

ذلك هو الإشكال. وعلى هذا الأساس فإنّنا نرى أنّه من الضّروري تفعيل شعار "السّيادة الشّعبيّة" حتى لا يكون شعار حقّ يراد به باطلا، وحتى يكون ترحيل بن علي من الحكم، بمناسبة انتخابات 2004 أو قبلها فاتحة عهد جديد بحقّ يوضع فيه حدّ لاغتصاب الإرادة الشّعبيّة، ويتمكّن فيه الشّعب بالتّالي من ممارسة سيادته التي حرم طول تاريخه من ممارستها. لذلك وجب علينا تحديد القواعد والمبادىء التي تجعل من ممارسة السّيادة الشّعبيّة واقعا ملموسا في ظلّ تعدّديّة سياسيّة وفكريّة وتنظيميّة حقيقيّة. وتتمثّل هذه القواعد والمبادىء، حسب رأينا بالطّبع، فيما يلي :

أوّلا : لا سبيل لممارسة السّيادة الشّعبيّة إلاّ عن طريق انتخابات حرّة وديمقراطيّة ونزيهة وهو ما يقتضي توفّر حرّية التّعبير والتّنظيم وحرّية التّرشّح والانتخاب لكافّة المواطنين إناثا وذكورا، سواء تعلّق لأمر بانتخابات رئاسيّة أو تشريعيّة أو بلديّة أو غيرها.

ثانيا : وعليه فإنّ ضمان العمل بمبدأ السّيادة الشّعبية يقتضي من الأغلبيّة المنتخبة لحكم البلاد أن تحترم الحرّيات الفرديّة والعامّة، باعتبارها حقوقا غير قابلة للتّصرّف، فلا تستصدر قوانين تلغيها بدعوى "أنّ الشّعب اختارها".

ثالثا : إنّ احترام الأقلّية لإرادة الأغلبيّة مرتبط ارتباطا وثيقا بمبدأ احترام حقوق الأقلّية في التّعبير عن آرائها وفي تنظيم صفوفها وفي النّشاط من أجل كسب الشعب إلى جانبها. ذلك أنّ أغلبيّة اليوم قد تصبح أقلّية الغد والعكس بالعكس.

رابعا : إنّ ممارسة السّيادة الشّعبيّة لا تتمثل في اختيار من ينوب أو من يحكم فقط. ولكنّها تتمثّل في ممارسة سلطة التّشريع أيضا سواء عن طريق النّواب أو بصورة مباشرة. وهذه السّلطة لا سلطة عليها غير سلطة الدّستور الدّيمقراطي الذي يقرّه الشّعب أيضا. وبتعبير آخر فلا رقابة على الشّعب أو على نوّابه في ممارسة سلطة التّشريع من قبل أيّة هيئة "روحيّة" تعطي نفسها صلاحيّات لا تفويض لها فيها من أحد.

خامسا : إنّ ممــارسة السّيــادة الشّعبيّة تقتضي تمكين الشّعب من مراقبة حكّــامه ومحــاسبتهم وعزلهم حتى لا يتحوّلوا إلى حكّام إطلاق. كما تقتضي تمكينه من مراقبة نوّابه ومحاسبتهم حتى لا ينقلبوا على ما نُوّبوا من أجله.

هذه القواعد والمبادىء هي الكفيلة بتحويل مبدأ السّيادة الشّعبيّة إلى ممارسة فعليّة وتسدّ الباب أمام كلّ من يحاول استعمالها كمجرّد آليّة للاستبداد لاحقا بالشّعب.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني