الصفحة الأساسية > بديل الشباب > طاقة استيعاب محدودة والحكومة تواصل سياسة التخلي عن دورها الاجتماعي
السكن الجامعي:
طاقة استيعاب محدودة والحكومة تواصل سياسة التخلي عن دورها الاجتماعي
17 أيلول (سبتمبر) 2010

بقلم: وسام الصغير

لا يزال السكن الجامعي مشكل يؤرق جل الطلبة التونسيين جراء توسع خارطة مؤسسات التعليم العالي وتزايد عدد الطلبة الوافدين على الجامعة، مقابل تراجع طاقة استيعاب المبيتات الجامعية العمومية وتخلي الدولة عن دعمها لعديد الخدمات الجامعية.

شرعت دواوين الخدمات الجامعية في كل من الشمال والوسط والجنوب في النظر في ملف السكن الجامعي باعتباره من أبرز الملفات المطروحة على الدواوين الجامعية في مفتتح كل سنة جامعية، نظرا للتفاوت الكبير الحاصل بين طاقة الاستيعاب داخل هذه المبيتات والطلب المتزايد على السكن منذ عديد السنوات .وقد حدّدت هذه الدواوين أربع دورات للحجز بالمبيتات العمومية، بدأت الأولى في 30 جويلية، وانتهت آخرها يوم 28 أوت الفارط.

وحسب آخر الإحصائيات الصادرة على الدواوين الجامعية فإن عدد المبيتات الجامعية العمومية يصل إلى 24 مبيتا وحيا جامعيا بديوان الشمال، بينما يتوفر ما يقارب 15 مبيتا عموميا بديوان الجنوب ونحوه أيضا أو أكثر بقليل بديوان الوسط. أمّا بالنسبة للمبيتات الخاصة فقد أفادت مصادر من ديوان الخدمات الجامعية للشمال أن هناك 61 مبيتا بجامعة الشمال، ويتوفر قرابة نفس العدد بكل من جامعتي الوسط والجنوب .

فباستثناء بعض المبيتات الخاصة التي تحظى بامتيازات ودعم حكومي وتخضع لتسعيرة كراء محددة تتراوح بين 45 و50 دينارا للسرير الواحد، فإن جلّ بقية المبيتات الخاصة وغير المنتفعة بهذه الامتيازات وهي الأغلب، فقد رفّعت في أسعارها، بشكل جعلها تنافس شقق النزل والمنازل الخاصة. كما أن هذه المبيتات التي تمثل النسبة الكبرى من النسيج السكني الجامعي في كافة جهات البلاد تتراوح معاليم كرائها بين 250 إلى 350 دينارا شهريا للغرفة الواحدة، أي بما يناهز 150 دينارا للسرير الواحد، وهي أسعار لم يعد الطالب قادر على احتمالها، علاوة لافتقار جلها للمرافق الضرورية التي تحفظ العيش الكريم وتوفر الظروف الدنيا للنجاح. وفي المقابل تستمر الحكومة في عدم مبالاتها بالدور الاجتماعي الذي وجب أن تلعبه في مثل هذا القطاع الحساس والمؤثر.

وبالنسبة للشقق والمحلات الخاصة فقد أصبحت تشهد هي أيضا ارتفاعا جنونيا في أسعار الكراء، وشروطا مجحفة لا توصف، حيث يتجاوز ثمن كراء أستوديو صغير ذو غرفتين 200 دينار شهريا، أما إن وقع التفكير في شقة فالثمن يتضاعف ليصل 400 دينار، دون احتساب معاليم شهر للضمد المعادلة لتسعيرة شهر كراء ومعاليم الكهرباء والماء والغاز...

إن إرتفاع مصاريف السكن ومصاريف التنقل والدراسة لم يقابله زيادة في المنحة الجامعية التي ضلّت على حالها لما يقارب العقدين و المقدرة بـ50 دينار في الشهر إضافة إلى كونها لا تسند إلا للبعض (ثلث عدد الطلبة الجملي في الجامعات التونسية).

الطالب سليم ب. (21 سنة) وجدناه رفقة زميليه بوكالة للكراء في جهة باب الخضراء من تونس العاصمة. سليم كان قلقا وأفادنا أنه رفقة زميليه الطالبين في انتظار السمسار للتعرف على مكان أستوديو بجهة "الباساج"،عندها تدخل زميله صابر ليذكر لنا أنهم انطلقوا في رحلة بحثهم هذه منذ ما يزيد عن 10 أيام، وفي كل مرة كانت المعاليم المشطة للكراء تمنعهم من إبرام العقد، بعد دفع 10 دينارات للسمسار كمعلوم لكل زيارة للأستوديو، وأضاف بغضب "تصوّروا صاحب شقة صغيرة بجهة باب سعدون، طالبنا بـ 250 دينارا شهريا كمعلوم للكراء و500 دينار لشهران كمبلغ تأمين، يعني إن فكرنا في مثل هذا العرض، فسنصبح مطالبين بدفع مبلغ 750 دينارا كمعلوم كراء فقط دون إحتساب المصاريف الأخرى؟."

أما أشرف م. الطالب بكلية الحقوق بصفاقس فقد اعتبر العودة الجامعية بمثابة الكابوس بالنسبة له، قائلا "إلى جانب مصاريف الترسيم وغيرها يعتبر السّكن الجامعي بالنسبة لطلبة السنتين الأولتين معضلة، فالكثير من الطلبة والطّالبات خاصّة لا يتمكّنّ من الالتحاق بالمبيتات الجامعيّة الحكومية، وهو ما يضطرّ الفتيات منهم إلى الإقامة في المبيتات الخاصّة والفتيان على البحث عن كراء مشترك مع طلبة آخرين، وهو ما يشكّل مصاريف إضافيّة ترهق كاهل العائلات خاصّة مع ارتفاع الأسعار مقارنة بالسكن الحكومي".

وأضاف بأن الدولة بتخلّيها المنهجي عن التزاماتها الاجتماعية تجاه الطلبة الذين هم شريحة اجتماعيّة بالغة الأهمّية من حيث كونهم كوادر الغد من جهة ومن حيث موقعهم غير المنتج، يحيل هذه الأعباء على عاتق العائلات، وهو ما يؤدّي في الكثير من الأحيان إلى الانقطاع عن الدراسة أو لتردّي النتائج الدراسية بالنسبة للطلبة الفقراء، وهذا يساهم في تكريس الهوّة الاجتماعيّة بين المواطنين، إلى جانب تكريسه لمشاكل عدّة ومظاهر سلبيّة منها ظاهرة الانحراف لدى عدد من الطالبات واللجوء إلى البغاء للتمكّن من مواجهة أعباء المصاريف الجامعية المتفاقمة، أو ظاهرة العمل الموازي للدراسة بالنسبة للطلبة والتي تهدر طاقاتهم وتساهم في تراجع نتائجهم وتؤثّر على تحصيلهم العلمي.

ومن جهة أخرى يرى الناشط الطلابي والنقابي جمال عبد الناصر أن اختصار السكن لسنة بالنسبة للذكور وسنتين بالنسبة للإناث يمثل إشكالا للطلبة من ذوي الدخل الأسري المحدود والمتوسط، وهو ما يدفع بالعديد منهم للانقطاع عن الدراسة، وفي المقابل يقع التعامل مع ملفات السكن الاستثنائي حسب الولاءات السياسية كأن يتمتع الطالب المنتمي لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم) بالسكن الجامعي طيلة فترة دراسته في الجامعة، وهو ما سيكون على حساب الوضعيات الاجتماعية الغير قادرة على دفع معاليم السكن الخاص".

هكذا يعيش الطالب التونسي أولى أيام العودة الجامعية، قبل أن يفكر في مصاريف باقي السنة الجامعية وقبل أن يشرع في التداين على حساب منحة جامعية يتيمة لا تتجاوز 50 دينارا في الشهر !

وسام الصغير
المصدر: جريدة الموقف. عدد 560. الصادرة بتاريخ 17 سبتمبر 2010


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني