الصفحة الأساسية > بديل الشباب > لحظات حاسمة ومحطّات مضيئة
مسار التّوحيد داخل الاتّحاد العامّ لطلبة تونس:
لحظات حاسمة ومحطّات مضيئة
17 شباط (فبراير) 2009

يحتفل عموم طلبة تونس بمعيّة منظّمتهم النّقابيّة الإتّحاد العامّ لطلبة تونس في هذه الفترة بالذكرى 57 لتأسيس الاتّحاد والذكرى 37 لحركة فيفري المجيدة.

ولقد جاءت احتفالات هذه السنة في ظروف قلّما عرفتها الحركة الطلابيّة والاتّحاد حيث يحاول مناضلو المنظّمة ومناضلاتها منذ أربع سنوات لإتمام آخر اللّمسات لعقد المؤتمر الموحّد الذي سيمثل نهاية لحالة الانحلال والتّشرذم التّي عانتها المنظّمة الطلابيّة في العشريّة الأخيرة.كما تشهد هذه الذكرى مواصلة مسلسل ضرب حرّيّة العمل النّقابي والسّياسي وطرد المناضلين من مقاعد دراستهم وتلفيق القضايا ضدّهم وسجنهم علاوة على حرمان الاتحاد من النّشاط ومن عقد مؤتمره في مناسبتين. ولئن تعرّض مسار توحيد المنظّمة الطلابيّة لتعرّجات عدّة وبطء ومحاولات كثيرة لعرقلته كانت من السّلطة بشكل رئيسي، فانّ إرادة إنجاز المؤتمر ما تزال قائمة لتعكس بذلك نضالا وصبرا متواصلين من أجل أن تكون مناسبة المؤتمر محطّة مضيئة تعود بالفائدة على الحركتين الطلابيّة والدّيمقراطيّة على حدّ السّواء.

1) الازدواجيّة النّقابيّة وأزمة التّمثيل:

لم يشهد الاتّحاد العام ّلطلبة تونس صراعا داخليّا مريرا مثلما شهده في بداية 2002 بين إرادتين مختلفتين، إرادة تدعو للانفتاح على الحركة الطلابيّة ومكوّناتها وأخرى تصرّ على الانغلاق والهيمنة، وفي الحقيقة فانّ هذه الأزمة تعود إلى المؤتمر23 الذي عُقد في أفريل 2000 والذي وقع خلاله إقصاء أغلبيّة الأطراف الطّلابيّة من المشاركة فيه. ودون الرّجوع إلى ملابسات ذلك بشكل معمّق، فانّ هاتين الإرادتين المتعاكستين أفرزتا مسارين متوازيين كلّ واحد منهما يعتبر نفسه هو الوحيد الذي يمثل الاتّحاد العامّ لطلبة تونس ويعبّر عن عموم الطّلبة، ليظهر على السّطح مؤتمر أوّل انعقد في صيف 2003 (مؤتمر24) مفرزا قيادته وتوجّهاته الخاصّة، ومؤتمر ثان انعقد في جوان 2004 (التّصحيح) أفرز هو كذلك قيادته وهياكله وعبّر عن رؤاه الخصوصيّة.

على امتداد ثلاث سنوات كان الصّراع بين هذين الهيكلين النّقابيين على أشدّه، كل ّواحد منهما يبحث عن الشّرعيّة، فتنوّعت بذلك أشكال هذا الصّراع ووصلت في أحيان عديدة إلى ممارسة العنف وتراشق التّهم وتبادل التّهم ممّا ساهم في تراجع وعي الحركة الطّلابية ومكوّناتها غذته السّلطة ودعّمته، ممّا ساعد على ابتعاد أعرض الجماهير الطّلابيّة على الاهتمام بالإتّحاد وبالشّأن العامّ عموما.

وإلى جانب خسارة الاتّحاد مكانته داخل الجامعة كطرف أساسي في التّسيير الجامعي، ومثل هذا الغياب ثغرة كبيرة استغلتها السّلطة لتمرير مشاريعها بشكل مُسقط مع تراكُم للمشاكل المادّيّة والمعنويّة والبيداغوجيّة للطلبة، فانّه خسر أيضا مكانة لا تقلّ أهمّيّة في الحركة الدّيمقراطيّة والمجتمع المدني وكذلك عربيّا إقليميّا ودوليّا.

هذه الوضعيّة المفزعة التي هدّدت وجود الاتّحاد في كيانه، أوجدت كذلك من داخله بوادر حلول ودعوات لنبذ الخلافات وتذويب الجليد بين الفرقاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إرث وتضحيات التّأسيس والمحطّات الفارقة، فظهرت مبادرات للتّوحيد النّقابي ورأب الصّدع وإرجاع الإتّحاد بشقيه إلى السّكّة الصّحيحة، كان خلالها إتّحاد الشّباب الشّيوعي التّونسي من المتحمّسين والمدافعين عنها، فتعمّقت النّقاشات في مرحلة أولى أفرزت ما سُمّي بـ"القيادة الموحّدة" وهي التقاء بين مكوّنات مؤتمر التّصحيح وبعض من مكوّنات المؤتمر 24 هدفه إنجاز مؤتمر يُوحّد بين الهيكلين المتصارعين.

2) من "القيادة الموحّدة" إلى "اللّجنة الوطنيّة":

في السّنة الجامعيّة 2005-2006 أُعلن عن تأسيس "القيادة الموحّدة" المكوّنة من أعضاء من المكتب التّنفيذي للتّصحيح وأعضاء من المكتب التّنفيذي 24 وكان برنامجها "وضع حدّ للازدواجية الهيكليّة والتّحضير للإنتخابات القاعديّة للمؤتمر التّوحيدي"، كما دعت القيادة الموحّدة باقي الأطراف الطّلابيّة "إلى الالتحاق بهذا المشروع ووضع مصلحة الاتّحاد فوق كلّ اعتبار"، لأنّه ومع تأسيس هذه القيادة رفضت بعض الأطراف الالتحاق بها وخاصّة مجموعة "الحزب الاشتراكي اليساري" في المؤتمر 24 ومجموعة "المؤتمر الاستثنائي" و"الشّباب العربي البعثي".

والملاحظ في هذه التّجربة أنّه رغم الاختلافات التّي ظهرت في صلب القيادة الموحّدة (مسألة المنسّق مثلا) فانّ عملها أخذ في التّطوّر شيئا فشيئا ببرمجة أعمال مشتركة ميدانيّة فيما بينها والاتّفاق على الضّغط المتواصل على باقي الأطراف من أجل الالتحاق بالمشروع. وفعلا فمع بداية السّنة الجامعيّة 2006-2007 التحق الحزب الاشتراكي اليساري وشباب حزب العمل الوطني الدّيمقراطي وتكوّنت بذلك "اللّجنة الوطنيّة للتحضير للمؤتمر الموحّد" التي ترأسها عز الدين زعتورالأمين العام للمؤتمر 24 ووضعت برنامجا مفصّلا لتوزيع الإنخراطات والتّحضير للانتخابات القاعديّة.

وبالرّغم من تسارع وتيرة العمل في مرحلة أولى بتأسيس لجان جزئية على شاكلة اللّجنة الوطنيّة والتّي ستقوم بتوزيع الانخراطات وخوض انتخابات المجالس العلميّة في قائمات مشتركة فانّ الخلافات بدأت تدبّ داخل مكوّنات اللّجنة وهو ما أدّى لتعطيلها وتجميد اجتماعاتها ونشاطها.

تمثلت الخلافات رأسا مع ممثل الحزب الاشتراكي اليساري داخل اللّجنة الوطنيّة، الذي اتهم اللّجنة بأخذ صلاحيات المكتب التّنفيذي وأصبح ينسحب من الاجتماعات دون مبرّرات مقنعة محاولا تعطيلها، ثمّ في مرحلة ثانية بدأ يكيل الاتّهامات طورا إلى عز الدين زعتور واصفا إياه بـ"الانتهازي والمشبوه" وطورا آخر إلى اتّحاد الشّباب على أنّه "أدخل الإسلاميين إلى الإتّحاد وسلّمهم الإنخراطات في إطار تحالف 18 أكتوبر" (هكذا)، وفي النّهاية انسحب الاشتراكي اليساري وحزب العمل من اللّجنة الوطنيّة ليقوما بتحضير برنامج معارض لمسار التّوحيد.

3) انتخابات قاعديّة ناجحة رغم المعيقات:

هناك ملاحظة من الواجب أن نسوقها هي أنّه ومع تأسيس اللّجنة الوطنيّة تناقصت حدّة العداوة بين الأطراف المكوّنة للتوحيد والتي كانت في الأمس القريب تفضّ خلافاتها بممارسة العنف وتراشق التّهم، وقد انعكس ذلك في مستوى اللّجان الجزئيّة التي تكوّنت في الأجزاء الجامعيّة وبدأت تخوض أعمالا نضاليّة مشتركة. إلى جانب ذلك فمن الواجب ذكر مرونة "إتّحاد الشّباب الشّيوعي التّونسي" وبعض الأطراف الأخرى المكوّنة للّجنة في التّعامل مع ملفّ التّوحيد حيث تمّ تجاوز ملف تقييم أزمة الاتّحاد ووضعه جانبا والتّركيز على البناء والمستقبل، ثمّ قبول مبدأ أن تعمل اللّجنة الوطنيّة بالتنسيق مع المكتب التّنفيذي 24 والموافقة على توزيع إنخراطات "المؤتمر25"... كلّ ذلك من أجل عدم التّعطيل الذّي لن تستفيد منه إلا السّلطة وأذنابها، وقد انعكس ذلك فيما بعد على توزيع الانخراطات (عدا بعض الكلّيات التي حصلت فيها تجاوزات متناثرة) ثمّ التّحضير للانتخابات القاعديّة التي وقع خوضها على مبدأ الوفاق وعدم الهيمنة...

إنّ هذا المسار الذي بدأ في نحت شخصيّته شيئا فشيئا اعترضته عدّة معيقات وعراقيل حاولت تعطيله وتدميره، ولعلّ أساسها هي السّلطة التي سعت لخلق خلافات جانبيّة والعمل على عودة شبح العنف هذا إلى جانب مجالس التأديب التي بدأت تنظّمها هنا وهناك (قابس، سوسة، بنزرت...) بالإضافة إلى العمل الموازي الذي أعضاء من المكتب التّنفيذي 24 والحزب الاشتراكي اليساري الذي أعلنوا عن قيامهم بتوزيع الإنخراطات وخوض انتخابات دون علم اللّجنة الوطنيّة وصلت حدّ تقديم قائمات لفيدراليات وإعلانها كإفراز لانتخابات مزعومة (الحقوق تونس، آداب منّوبة...) هذا إلى جانب توزيع بيانات السبّ والشّتم في الأمين العامّ وإتّحاد الشّباب...

ومع استكمال الانتخابات القاعديّة في أغلب الأجزاء الجامعيّة المبرمجة وقعت الدّعوة لعقد هيئة إداريّة وطنيّة لتثبيت الانتخابات التي أُجريت وإعلان موعد المؤتمر ومكانه وشعاره وانتخاب لجنة الإعداد الأدبي والمادّي للمؤتمر حسب مقتضيات القانون الأساسي والنّظام الدّاخلي للمؤتمر.

4) المؤتمر الموحّد ومسلسل التّأجيل:

أعلنت الهيئة الإداريّة الوطنيّة أيّام 16 و17 و18 أفريل 2008 لعقد المؤتمر الموحّد، وقد بدأ فعلا التّحضير الحثيث لهذا الموعد رغم المؤشّرات التي تبيّن رفض السّلطة ذلك، وبالفعل فقد وقع الاتّصال بالأمين العامّ وإخباره بأنّها "غير مستعدّة حاليّا لقبول هذا الموعد وأنّها على استعداد للنّقاش حول ملفّ المطرودين وتمويل الاتّحاد شريطة أن يتمّ تغيير الموعد..." وهكذا بدأت تظهر للعيان ملامح موقف السّلطة من المؤتمر التّوحيدي والّتي تعتبره تحدّيا لها ولخياراتها باعتباره سيكون فضاء موحّدا لمكوّنات الحركة الطلابيّة وخطوة أولى لبناء الاتّحاد على أساس مؤسّساتي وعودة الثقة بين الطّلبة ونقابتهم الوحيدة.

ولقد ولّد ردّ السّلطة هذا مواقف وتقييمات مختلفة، فهناك من كانوا مع التّأجيل وآخرون عبّروا عن مبدأ الالتزام بقرارات الهيئة الإدارية واعتبروا موقف السّلطة عبارة عن مناورة الهدف منها التّعطيل وربح الوقت.

لكن بالرّغم من ذلك، لم تكن النّقاشات طويلة ومعقدة، بل كانت خلفيّتها التّجاوز والمرونة والاقتناع بأنّ المؤتمر وجب أن يُعقد في ظلّ ظروف طبيعيّة، وأن يُسحب البساط من تحت أقدام السّلطة وعدم ترك فرصة لها لتغذية الصّراع مرّة أخرى. وبالتّالي فقد تمّ الاتّفاق على عقد هيئة إداريّة ثانية تمّت برمجتها في أواخر شهر أفريل لتنظر في موعد جديد للمؤتمر وكذلك استغلال الوقت فيما يخصّ "وعود السّلطة" حول ملفي المطرودين والتّمويل العمومي.

في تلك الأثناء التحقت عدّة أجزاء جامعيّة أخرى بركب الانتخابات وخاصّة تلك التي تعذر فيها ذلك في الآجال المحدّدة ومن بينها آداب وحقوق سوسة نتيجة القمع الذي لحقهما وسجن عديد مناضلاتها ومناضليها، أو التي تمّ رفض انتخاباتها من طرف الهيئة الإداريّة الأولى ودعوتها إلى إعادة عقدها لاحقا. وانعقدت الهيئة الإدارية الثانية أواخر شهر أفريل بكليّة العلوم بتونس في ظلّ خلافات حادّة بين أعضائها حول جدول أعمالها بالخصوص، ولعلّ أبرز نقطة خلافيّة تمثلت في ملفّ تثبيت نتائج الانتخابات القاعديّة التي نُظّمت بعد الهيئة الإداريّة الأولى. وبعد أخذ وردّ دام يومين انتهى بانسحاب رئيس الهيئة الإداريّة عزالدين زعتور في اليوم الأوّل، تمّ الاتّفاق في اليوم الثاني على موعد جديد للمؤتمر وهو 16 و17 و18 أوت 2008 ببنزرت وتمّ ترك أمر التّثبيت للجنة انتخبتها الهيئة الإدارية لكي تدرسه وتقدّمه إلى المؤتمر الوطني للمصادقة عليه.

في هذه الأثناء، كان جماعة الحزب الاشتراكي اليساري قد أعلنوا عن تنظيم هيئة إداريّة موازية في أحد المعاهد العليا بالعاصمة اخذوا فيها "إجراءات" من بينها تجميد الأمين العامّ عز الدين زعتور معمّقين بذلك عداوتهم للتّوحيد النّقابي ومعلنين رفضهم له وليؤكّدوا إن خطّتهم ترمي إلى خلق ازدواجية هيكليّة جديدة.

ومع نهاية امتحانات آخر السّنة، بدأت مكوّنات التّوحيد النّقابي في استئناف نشاطها ونقاشاتها تحضيرا للموعد الجديد للمؤتمر، كما واصل الأمين العامّ اتصالاته مع سلط الإشراف من أجل النّظر في وعودها وحلّ مشكلة المطرودين والتّمويل العمومي، إلا أنّ الجميع بدأ يتحسّس من خلال هذه "المفاوضات" عدم جدّية السّلطة التي ذهبت إلى أبعد من ذلك في المماطلة والتّسويف وفي تلفيق تهم إلى عديد المسؤولين النّقابيين (حقوق وتصرّف تونس، علوم بنزرت...) وسجنهم.

ومع اقتراب موعد المؤتمر، تأكّد الجميع من رفض السّلطة له، وبدأت النّقاشات تتعمّق حول تغيير مكان المؤتمر ليكون في تونس العاصمة وبالتّحديد في المقر المركزي للاتّحاد، وهو ما أدّى إلى ظهور خلافات وانقسامات جديدة وصلت حدّ إعلان أحد الأطراف بشكل مفاجئ أسبوعا قبل الموعد المحدّد عدم استعداده للمشاركة في المؤتمر.

وكان الأمين العامّ عقد ندوة صحفيّة، خلال ذلك، شرح فيها حيثيّات اتصالاته مع السّلطة وعدم جدّيتها في التّعامل مع ملفّ مؤتمر اتّحاد الطّلبة رغم نضج المناضلين والمسؤولين النّقابيين، وأعلن استعداد الاتّحاد لعقد مؤتمره بداية السّنة الجامعيّة القادمة حتّى وإن كان خارج إرادة السّلطة.

وفي المقابل، أصدر البعض من مكوّنات التّوحيد بيانا مشتركا حمّلوا فيه السّلطة المسؤوليّة في ضرب نشاط الاتّحاد كغيره من الجمعيّات والمنظّمات المستقلّة بالبلاد، معلنين عن تمسّكهم بالمشروع ودعمه، كما نظّموا تجمّعا احتجاجيا في اليوم الأوّل الذي كان مقرّرا فيه المؤتمر، أمام المقر المغلق.

5) سنة جامعيّة جديدة وملفّات ساخنة:

فتحت الجامعة التونسيّة أبوابها هذا العام أمام عودة جامعيّة رتيبة في ظلّ تراكم المشاكل الطلابيّة وخصوصا على المستوى المادّي في ظلّ ارتفاع تكلفة التّعليم وغلاء أسعار المواد الأساسيّة بشكل جنوني واهتراء المقدرة الشّرائيّة للأولياء فضلاء عن حرمان أغلب الطلبة من حقهم في المبيت والمنحة.

في ظلّ هذه الظروف الصعبة لم تكن المكاتب الفيدراليّة المنتخبة جاهزة كما يجب وأجلت عودتها المتمثلة في التّرحيب بالطّلبة الجدد والاطلاع على مشاكلهم ومحاولة حلّها وفرض تحرّكات لفضّها، إلى أواخر شهر أكتوبر ونهاية شهر رمضان. عندها بدأ النشاط يتكثف شيئا فشيئا وبدأت تنظّم تجمّعات طلابيّة (حقوق تونس، علوم بنزرت، آداب منوية…) التي طرحت مشاكل الطّلبة المباشرة (الماديّة، نظام أمد…) وقضية الوجود النّقابي، وهو ما أثار حفيظة السّلطة التي بدأت في استئناف ضرباتها. ففي مرحلة أولى اعتقلت المسؤولين النّقابيين بكلّية الآداب منّوبة أنيس بن فرج وزهير الزويدي ولفقت لهما تهم مفضوحة وحكمت عليهما بالسّجن لمدّة أربعة أشهر، ثمّ طردت سبعة طلبة من المركّب الجامعي بقابس لمدّة ثلاثة أشهر. وعلى إثر هذه السّلسلة الجديدة في ضرب حرّية العمل النّقابي والسّياسي في الجامعة أُنتظم تجمّعا طلاّبيا ضخما بكلية الآداب 9 أفريل حضره الأمين العام إلى جانب عدّة كتّاب عامّين للمكاتب الفيدراليّة وممثلين عن الأطراف السّياسيّة، الذين عبّروا عن رفضهم لتصعيد السّلطة واستعدادهم لخوض كل أشكال النّضال المتاحة من أجل ردّ الاعتبار لمسؤوليه. والملاحظ أنّ هذا التّجمّع كان نقطة الانطلاق الحقيقيّة لمكوّنات التّوحيد لتقريب وجهات نظرهم وتوحيد جهودهم وخاصّة ضدّ ما يسمّى بمنظّمة طلبة التّجمّع التي بدأت في الفترة الأخيرة تكشّر عن أنيابها وتطرح نفسها "بديلا نقابيّاّ" و"رؤية جديدة" وتطالب بـ"حقها في العودة إلى رحاب الإتحاد".

إلا أنّ هذه الحماسة لم تدم طويلا، فمع اقتراب موعد انتخابات المجالس العلميّة عادت مكوّنات التّوحيد للانقسام من جديد عندما تمّ طرح فكرة مقاطعتها خاصّة وقد فصّلتها السّلطة على مقاس طلبة الحزب الحاكم وذلك بتنظيمها يومين قبل العطلة إلى جانب مضاعفة الدعم للطلبة الدساترة مقابل مواصلة هرسلة مناضلي المنظمة وطردهم من الدّراسة وسجنهم وحرمان الاتّحاد من عقد مؤتمره في ظروف طبيعيّة. فلئن اختار أغلب مكوّنات مسار التّوحيد مقاطعة الانتخابات والدّعوة إلى عدم التّصويت لها والتّشهير بها، فقد شارك البعض في بعض الأجزاء مبرّرين ذلك بكونهم ضد ّسياسة المقعد الشّاغر، وبالتّالي فقد خسر الاتحاد فرصة أخرى في توحيد مكوّناته في منعرج جديد.

وفي هذا المستوى، ومع نهاية الانتخابات، سارع اتحاد الشّباب الشّباب الشّيوعي التّونسي رفقة أصدقاءه إلى إعادة ترتيب البيت وذلك بتقريب وجهات النّظر مرّة أخرى والتذكير بأن الهدف الأساسي هو المؤتمر ولا شيء غيره، ولتكن تجربة المجالس العلميّة درسا نتّعض منه جميعا في المستقبل بقطع النّظر عمّن هو على صواب ومن هو على خطأ.

وهكذا تتالت الجلسات والنّقاشات مباشرة بعد عطلة الشّتاء، وكان للتّحرّكات والمسيرات المشتركة الاحتجاجية على حرب الإبادة التي شنّها العدو الصّهيوني على أهالي غزّة الأبرياء، الأثر الطّيّب على المناضلين إلى حدود أن وقع إقرار هيئة أداريّة وطنيّة جديدة يوم 31 جانفي التي قرّرت موعدا جديدا للمؤتمر مع إعلان إضراب عام احتجاجي يوم 26 فيفري 2009.

إنّ المتأمّل في مسار التوحيد سيلاحظ دون شك تلك التّعرّجات والإنزلاقات التي ميّزته، والصّراع المرير الذي خاضته الأطراف سواء ضدّ السّلطةً الرّافضة لهذا المشروع ومحاصرتها إياه لوأده، وكذلك الصّراع الذي خاضته الأطراف فيما بينها والذي ساهم بشكل كبير في دفع عجلة التّوحيد وحمايته من كلّ الاختراقات، وكان الهدف من ذلك إعطاء شهداء الحركة الطلابية ومختلف الأجيال الطلابية التي أفنت أعمارها من أجل هذه المنظّمة هديّة تتمثّل في إتحاد موحد ومناضل وديمقراطي ومستقل، علامة وفاء واستمرارية، بالإضافة إلى محاولة استنهاض الحركة الطلابيّة واسترجاع موقعها المتقدّم في الحركة الدّيمقراطية والشّعبيّة.

- عاش الإتّحاد العام لطلبة تونس
- عاشت نضالات الطلاب


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني