الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > مرّة أخرى، حزب العمال وحقوق الإنسان (ملاحظات حول تقرير) > مرّة أخرى: وضع النقاط على الأحرف
مرّة أخرى، حزب العمال وحقوق الإنسان (ملاحظات حول تقرير)
مرّة أخرى: وضع النقاط على الأحرف

ينتظر أن تصدر محكمة أمن الدولة ببين الحين والآخر أحكامها ضد مجموعة من عناصر "الإتجاه الإسلامي" والنقاشات لم تنته بعد في الأوساط الديمقراطية والشعبية بين مساند لحزب الدستور في "قمعه للإخوان فقط" وبين مساند للإخوان باعتبارهم "يواجهون السلطة ويمثلون قوة معارضة وبين معارض للطرفين معا بحجج متعدّدة ومختلفة. ورأينا من واجبنا وضع النقاط على الأحرف مجدّدا من زوايا أخرى لم نتعرض لها في العدد السابق من جريدتنا.

1 - الحزب الدستوري يستعمل الإرهاب الفاشي ضدّ "الإخوان":

إنّ المتتبع لسلسلة الأحداث منذ اندلاع الصراع الدستوري /الإخوانجي يلحظ بدون عناء أن ميليشيات حزب الدستور وفرق البوليس السياسي عمدت إلى اختطاف االمظنون فيهم من "الإخوان" ومداهمة منازلهم في ساعات متأخّرة من الليل، واحتجاز أفراد من عائلاتهم للضغط عليهم بتسليم أنفسهم (بالنسبة للفارّين) أو لجبرهم على "الكلام". وتعرض العديد من الموقوفين إلى تعذيب وحشي وخاصة أولئك الذين أبدوا مقاومة أمام البوليس. هذا بالإضافة إلى عمليات الاغتيال التي ارتكبت في شأن بعض العناصر، في محلاّت البوليس أثناء التعذيب بالضرب عمدا في أماكن قاتلة. وكان للميليشيا صولات وجولات في الشارع، إذ كثيرا ما حضر المارة على مشهد مرعب: أربعة "غوريلات" ينزلون من سيارة مسلحين بهراوات وينهالون ضربا على ملتح، ولا يتركون سبيله إلاّ وهو مغمى عليه ودماؤه تنزف.

فهل يمكن لأيّ إنسان مؤمن بحقوق الإنسان ومتعلق بالديمقراطية أن يقف إلى جانب هذه الممارسات الوحشية وأن لا يندّد بها.

2 - حزب الدستور يلفّق التهم وجهاز دولته القضائي يزكّي :

اعتمد قاضي التحقيق في فبركة التهم على الاعترافات التي اقتلعها البوليس عن طريق التعذيب، وعلى قوانين لا تتماشى و"روح الدستور" كقانون الجمعيات، وقانون الصحافة، والقانون الذي بمقتضاه تمّ بعث محكمة أمن الدولة أضف إلى ذلك أنّ على رأسها الوكيل العام للجمهورية –وهي خطة مخالفة للدستور والقانون. وكانت تهدف إلى عزم حزب الدستور على تفكيك هذا التنظيم لا أكثر ولا أقلّ. لذلك أتى قرار ختم البحث فـارغا، وكان بمثابة استعراض لمواقف وبعض أنشطة "الإخوان" الإرهابية وشكل تنظيمهم وطرق وأساليب عملهم. أمّا مرافعة المدعي العمومي فإنّها كانت في أساسها تعدادا لمنجزات النظام يقابلها بعض مواقف "الإسلاميين" وأنشطتهم الإرهابية وغيرها، وحتى تلك التي لا ضلع لهم فيها لا من قريب ولا من بعيد.

فهل يقبل الديمقراطيون بمثل هذه الفبركة ويتخلوا عن الشعارت الديمقراطية التي يرفعونها لمجرد أن الصراع يدور في صفوف الفاشية والرجعية ولا يهم الشعب في شيء.

3 - حزب الدستور وأجهزة نظامه القمعية تستعمل نفس الأساليب تجاه الطبقة العاملة والشعب وقواه الديمقراطية والثورية :

وقد يتبادر للذهن والقارىء يتتبع الفقرتين السابقتين أن حزب الدستور مارس هذه الأساليب الهمجية مع "الإخوان" فقط. كلاّ، لقد عرفت الحركة الديمقراطية والثورية إرهابا أكثر بشاعة منذ انتصاب هذا النظام وأوّل من كان ضحيته هم "اليوسفيون" (اغتيالات، اختطافات، أحكام بالإعدام، إبادة عن طريق التعذيب في السجون: (عنق الجمل بغار الملح، تبرسق، برج الرومي...)، ثم كان دور اليسار والقوميين (العامل التونسي، الشعلة، البعثيون، القوميون)، في أواخر الستينات والسبعينات،. ويتعرّض اليوم مناضلو حزبنا إلى التعذيب والسجن والملاحقة، ومن قبلهم مناضلو "التنظيم السرّي" في الثمانينات.

ولم تنج الحركة الجماهيرية من إرهابه، فمنذ مطلع الستينات سرح زبانيته تطلق النار على مواطني القيروان الذي تظاهروا في الشارع احتجاجا على نقل "إمام الجمعة" وتعويضه بآخر، وفي سنة 1964 و1965 كان دور فلاحي مساكن ونازحي برج علي الرايس، وابتداء من 1966 انطلقت مسلسلات الهجومات الوحشية على الحركة الطلابية إلى حدّ الساعة الراهنة (قمع المظاهرات، محاكمات تجنيد، محتشدات، سجن، تعذيب تكسير الإتحاد العام لطلبة تونس، تركيز الفجيل ثم البوليس حاليا، محاصرة الكليات والمبيتات الجامعية). ومع مطلع السبعينات تعرّضت الطبقة العاملة لأشدّ هجماته وحشية مع عمال سيدي فتح الله، وتواصلت حملات ضدّها (عمال الشركة القومية للنقل: قتيلين و40 سجين) سنة 73، ومن جديد في 1975، ثم مجزرة 26 جانفي 78 وتفكيك الإتحاد العام التونسي للشغل مع مئات المسجونين والمطرودين وتنْصيب التّيجان عبيد ومنْ جديد إعادة تفْكيكه في 1985ـ1986 عنْ طريق الميليشيـا والبوليس وتنْصيب "الشرفاء" بقيادة الآجري ثم بوراوي، مع مئـات المطرودين وعشرات المعتقلين...

ولا يمكن لأحد أن ينسى مجزرة الخبز في 1984 وقفصة 1980. والتعدي المفضوح على حرية الانتخاب التي قام بها وذلك بتزوير انتخابات نوفمبر 1981 و1986.

وخلاصة القول أنّ الإرهاب والتعدي على حقوق الإنسان والاعتماد على القوانين والهيئات المتنافية مع بعض الفصول التحررية من دستور البلاد، الذي يستعمله اليوم ضدّ "الإخوان" هو أسلوب حكم اختاره منذ انتصابه وعلى الأخصّ منذ أواخر الخمسينات وبداية الستينات. وأكبر شاهد على ذلك حالة الحصار التي تعيشها البلاد اليوم (مداهمات، تفتيش، انتهاك حرمة المسكن) وإنزال الجيش للشارع، والتصريح للعلن بوجود الميلشيا التابعة لحزب الدستور وعلى رأسها الدموي محجوب بن علي، هذا وفي نفس الوقت يتعرض مناضلو حزبنا لنفس الأساليب حتى أنّ رفيقنا نبيل بركاتي مات تحت التعذيب.

لذلك علينا فضح هذه الأساليب والتشهير بها وبكل ما ينجرّ عنها ونطالب بإلغاء سلك الجلادين ومحكمة أمن الدولة والقوانين المنافية لدستور البلاد في بعض فصوله التحررية (الفصل الثامن والفصول المتعلقة بالحريات الفردية).

مقتطفات من افتتاحية "صوت الشعب" عدد 39 - 1 إلى 15 أكتوبر 1987


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني