الصفحة الأساسية > بديل الشباب > من الفاعل الحقيقي أو المستفيد؟
العنف في الجامعة:
من الفاعل الحقيقي أو المستفيد؟
12 آذار (مارس) 2008

غريب وعجيب ما حدث يومي الجمعة 29 فيفري 2008 والسّبت 1 مارس 2008 الماضيين بكلّية الآداب بسوسة، غريب ويعسر على التّصديق أن يلجأ طلاّب إلى التّراشق باللّكمات، هؤلاء الطّلاّب يُفترَض أن يكونوا مناضلين تقدّميين، والطّلاّب ضحايا العنف هم رفاق لهم، يقاسمونهم المدرج والقلم... والفكر.

صورة الحدث أنّ مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس (إ.ع.ط.ت.) بكلّية الآداب بسوسة كانوا يحضّرون لإنجاز الإنتخابات القاعديّة استعدادا لمؤتمر التّوحيد الذي تشارك فيه وتدعمه أغلب التّيّارات النّقابيّة والسّياسيّة النّاشطة في الجامعة التّونسيّة، بدأ هذا النّشاط صبيحة الجمعة تحت إشراف الطّالب "علي فلاّح" عضو اللّجنة الوطنيّة للمؤتمر الموحّد، شارك في حلقات النّقاش والإجتماع العام مناضلون من الكلّية المذكورة مناصرون للمؤتمر الموحّد، في حين خيّر معارضو هذا التّوجّه عدم مواكبة النّقاشات رغم الدّعوة الموجّهة لهم، وهذا طبعا من حقهم ولم يجادلهم فيه أحد.

بعد الزّوال انتقل المنخرطون إلى قاعة انتظمت داخلها الجلسة العامّة الإنتخابيّة. إلى حدود هذه اللّحظة كانت الأمور عاديّة وعاديّة جدّا. لكن ما راع الحضور إلاّ ومجموعة من الطّلبة تقتحم القاعة وتمنع عنوة عقد الجلسة، ورغم المحاولات المبذولة لإثناء المجموعة عن هذا الصّنيع وتنبيهها إلى خطورة ما أقدمت عليه باعتباره سلوكا غير نضاليّ ومناقضا لتقاليد الحركة الطّلاّبيّة وللمكاسب التي حققتها بفضل نضالها وتضحياتها وللأعراف المنظّمة لعلاقات الأطراف فيما بينها، فالمنع والتّمزيق والعنف والإعتداء لا يمارسها إلاّ البوليس والإدارة والطّلبة الدّساترة، أمّا المناضلون فيما بينهم فالعلاقات تقوم على التّحاور والتّجادل والتّنافس ومقارعة الفكرة بالفكرة والحجّة بالحجّة، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد عمد المعتدون يوم السّبت إلى ما هو أخطر وإلى مايعدّ "منطقة حمراء" في تقاليد الحركة الطّلاّبيّة ونقصد اللّجوء إلى العنف الشّديد اعتمادا على سواعد غير طلاّبيّة، فقد عاود الجماعة الهجوم لمنع الجلسة العامّة الإنتخابيّة "مهما كان الثمن" وقد كان غاليا إذ كانت الحصيلة جرحا غائرا في وجه أحد المناضلين كلّفه 10 غرز وكسرا في يد طالبة سبّب لها جبيرة على كامل يدها اليسرى (من لوحة الكتف إلى المعصم) وطال العنف أيضا "علي فلاّح" عضو قيادة الإتّحاد ورئيس الجلسة الذي كان نصيبه رضوضا في يده!!

جرى العدوان على مرأى ومسمع من الطّلبة والإدارة وكان المعتدون من ذوي السّواعد المفتولة يستنجدون بأعوان "الأمن الجامعي" طالبين منهم التّدخّل!! لإخراج طلبة غير مرسّمين بالكلّية كما "يقتضي القانون".

إنّنا إذ نستهجن هذا العنف الرّجعي، العنف المرفوض والّذي لا يخدم إلاّ مصلحة أعداء الحركة الطّلاّبيّة والمتربّصين بها، فإنّنا نتساءل: ما هي مبرّرات هذا العنف وخاصّة وأنّه ليس الأوّل من نوعه الذي ترتكبه نفس المجموعة وضدّ نفس"الأهداف"؟ إنّنا لا نسمّي قصدا اسم التّيّار الذي مورست هذه الفضائح باسمه لأنّ هدفنا ليس التّشهير بهذا الطّرف في حدّ ذاته، بل التّنبيه لظاهرة خطيرة كانت على الدّوام مؤشّر أزمة وانحراف في خطاب التّيّارات السّياسيّة وممارساتها. إنّ العنف البيني هو عنوان تخلّف واختراق وانحراف في الممارسة النّضاليّةّ لأن السّواعد تعوّض الفكرة والرّأي حين تغيب الحجّة والقدرة على الإقناع.

إنّنا نستنكر بشدّة ما مورس في سوسة لأنّ ممارسيه يدّعون أنّهم من "طرف يساريّ" مارسوا عنفهم ضدّ طرف يساريّ ومناضلين تقدّميين، ماذا يمكن أن نسمّي هذا العنف؟ ففي الوقت الذي "توحّد" أغلب الفرقاء الذين اقتنعوا بالتّجربة أنّ التّشتّت لا يخدم أحدا سوى العدوّ، وفي الوقت الذي اتّفقت فيه الأغلبيّة السّاحقة من مكوّنات السّاحة الطّلاّبيّة أنّه لا خيار لها إلاّ استعادة الوحدة الهيكليّة والتّنظيميّة لإتّحاد الطّلبة كخطوة ضروريّة نحو استنهاض الحركة الطّلاّبيّة، يصرّ أنصار هذا الطّرف على شعار "من أجل مؤتمر استثنائي للإتّ ع ط ت" ظلّ مرفوعا منذ أكثر من 5 سنوات لم يستطيعوا خلالها إقناع أيّ طرف به لأنّه طرح فضفاض وعدميّ، يشطب بجرّة قلم إرث المنظّمة والحركة الطّلاّبيّتين، ومع هذا فمن حقّ أيّ كان أن يطرح ما يريد فقط ما لاحقّ له فيه هو أن يلتجئ إلى أساليب غير ديمقراطيّة لتمرير وفرض طرحه، فقد خيض نقاش طويل مع أنصار هذا الطّرح من أجل مشاركتهم في المسار التّوحيدي وهو ما رفضوه وهذا من حقهم طبعا، ورغم ذلك خيضت معهم عديد النّضالات على قاعدة اتّفاق إن الفكري أو السّياسي أو النّقابي ينبغي أن يكون مجالا للصراع الديمقراطي في محاور محدّدة، لكن أن يلجأ الرّفاق إلى العنف ، فهذا فضلا عن كونه مرفوض فهو يثير استغرابنا.

نحن نتمنّى أنّ ما صار وحدث في سوسة هو مجرّد انفلات معزول حينها يمكن تطويقه والتّحكّم فيه. فأن تمارس العنف السّلطة وأجهزة قمعها وقضائها مثل ما يحصل منذ مدّة ضدّ طلبة سوسة المعتقلين (وهم في أغلبهم السّاحق من أنصار المؤتمر التّوحيدي) أو أن تمارس هذا العنف مجموعات رجعيّة ظلاميّة ضدّ خصومها ومنافسيها، فهذا مفهوم وقابل للتّمثل بحكم طبيعة هذه الأطراف، لكن أن يمارس مناضلون تقدّميون العنف المعنوي أو المادّي ضدّ رفاقهم، فهذا ما حكم سابقا على الحركة الطّلاّبيّة بأن تستنزف قواها وإضاعة وقت ثمين في مهاترات هامشيّة وصراعات وهميّة ثبت للجميع أنّها انحراف خطير ونتاج لحالة اختراق واضحة في الصّفوف، فهلاّ استخلصنا العبر والدّروس؟

مناضل من اتحاد الشباب الشيوعي التونسي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني