الصفحة الأساسية > البديل الوطني > احتجاجات شعبية ينقصها الوعي السياسي
احتجاجات شعبية ينقصها الوعي السياسي
20 شباط (فبراير) 2010

تظل الحركة السياسية ضعيفة ومعزولة إذا لم ترتكز على الحركة الاجتماعية، كما أنّ هذه الأخيرة تبقى عفوية وغير مؤطرة إذا لم تتسلح بالوعي السياسي. وهو ما يعني أهمية إلتحام السياسي بالاجتماعي لتحقيق الانتصارات وبناء المجتمع الجديد. فالحركة السياسية في حاجة إلى الإسناد القاعدي اللازم في مجريات النشاط السياسي. وحتى تكون لها الجدوى والفاعلية من حيث إمكانية التأثير في الواقع عبر تغييره بصفة جذرية أو فرض تنازلات على النظام السائد مهما كانت قوته وتماسكه.

وغنيّ عن البيان أن ما يشكوه الفعل السياسي في تونس وعدم قدرة الأطراف المتباينة مع نظام الحكم في مستويات بدائلها المختلفة (اقتصادية واجتماعية وسياسية...) على التأثير في الواقع ومنازلة النظام وهزمه، هو غياب الطابع الشعبي والجماهيري في برامجها، أو عزلتها و"سكتاريتها" من خلال اقتصار عملها على ما هو نخبوي/إداري، أو غياب روح العمل المشترك والجبهوي، ممّا سهّل على السلطة إمكانية المناورة وربح الوقت لترميم أركانها في أوقات الأزمات.

وقد نجحت السلطة القائمة في توطيد النظام الاجتماعي، القائم على الاستغلال والنهب والعمالة للتحالف الامبريالي الرجعي، رغم افتضاح طابعه اللاشعبي واللاوطني... وقد سهّل مهامّها، تلك، عدم وجود قطب مضاد يجمع السواد الأعظم من الشعب، المتضرر من هذه السياسة على جميع مستوياته، وقواه الحية التي تطرح برنامج التغيير الجذري لفائدة هذه الفئات والطبقات. ولكن هذه الإشارة تبقى ضبابية ومبهمة حين يغيب عن أذهاننا أن الشعب هو مخلـّص نفسه وصاحب القول الفصل في أية عملية تغيير.

وحيث أننا نعالج مسألة تلاحم الحركة الاجتماعية بالحركة السياسية، فإنه يجدر بنا التعريج بصفة عامة عن الأخطاء المرتكبة والفرص المهدورة في عديد المناسبات طيلة عقود من الزمن سواء في العهد البورقيبي أو وريثه الحالي. ولا يغيب عن أذهاننا أن الشعب التونسي قد هبّ في عديد المرات من أجل الذود عن مصالحه المهدورة وسياسة النهب المتبعة (أحداث الوردانيين 67، انتفاضة الخبز 84، الحوض المنجمي 2008...) ولازال إلى اليوم يبرهن، وإن بشكل معزول محليا ومطلبيا عن تذمّره واستعداده للنضال والتضحية (الرديف، الصخيرة، بوسالم...). إن ما ينقص هذه التحركات الاجتماعية يمكن حوصلته في منزلقين اثنين قادرين، إن أمكن تجاوزهما، على جعل هذه التحركات حاملة لمضامين أكثر شمولية (اقتصادية وسياسية) وذات طابع جماهيري يصعب على السلطة لجمها ومنازلتها: أولهما يعود إلى ضعف الإسناد السياسي وغياب قيادة تؤطر هذه الاحتجاجات الشعبية وتوجّهها، بحيث تحميها من الاندفاع الفوضوي ومن ضيق الأفق المطلبي، وترصّ صفوفها من أجل الكرّ والفرّ والمناورة إزاء قامعيها. لقد ظلت الحركة السياسية إما غائبة نهائيا أو نسبيا عن هموم الشعب وآلامه وضعيفة في مستوى مواكبتها للأحداث والسقوط في التذيل لها ومحاولة الركوب على الأحداث.

وثانيا: طابع هذه التحركات المطلبي والمحلي، وهو ما جعلها غير قادرة على بلورة مطالب ذات بعد وطني يهمّ أوسع فئات وطبقات الشعب ممّا جعلها تخمد بمجرد اندلاعها أمام وعود البيروقراطية النقابية المعادية لمصالح العمال، أو نتيجة القمع الوحشي للسلطة. وفي كل الحالات، فإن انتكاسة أيّ حركة احتجاجية، خاصة إذا لم تنجح في الظفر بأيّ كسب، له عواقب وخيمة على منظوريها وكذلك على النضال كقيمة في حدّ ذاته، فتتفشى عقلية الإحباط واليأس أو "تدبير الراس" والفردانية.

إن واقعا كالذي نعيش، يزخر بالطاقات والكفاءات القادرة، إن وجدت الفرصة المواتية والظروف السانحة، أن تطوّر ظروفها وملكاتها وأن تحوّل حركة احتجاجية ما، إلى أزمة عامّة وهبّة عارمة. ولنا في أحداث الصخيرة مؤخرا، الدليل والبرهان على الغليان الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب وخاصة كادحيه ومفقريه الذين لم يترك لهم النظام من أمل في العيش الكريم سوى ذاك المرتبط بكسر قيودهم، وتوجيه مرمى نقمتهم نحو من كبّلوهم واستعبدوهم.

لقد برهنت أحداث الصخيرة، رغم تواضعها، على أنّ السلطة لن تهنأ أبدا بسلم قائم على القمع والديماغوجيا، وأن الجماهير الشعبية لا يمكن خداعها إلى ما لانهاية وأنها لن ترضى سوى بحلول ملموسة تحرّرها من آفة البطالة والإملاق.

وقد برهنت هذه الأحداث كذلك أن السلطة القائمة لم تستفد أبدا من انتفاضة أبناء الحوض المنجمي الأخيرة، وأن القمع والسجون والتعذيب لن يثني أصحاب الحق من المطالبة بحقوقهم، حتى أن إطلاق سراح قيادي الحركة لا يعدو أن يكون مجرد تضليل وربحا للوقت.

إن نظاما قائما على النهب والسلب من قبل أقلية مافيوزية تبيع اليابس والأخضر لدوائر الاستعمار الامبريالي، لن يكون في جعبته حلول ملموسة وواقعية لمطالب حيوية وطبيعية كالعمل والخبز... بل مزيدا من الدعاية المغشوشة أو نهج البوليس الغاشم.

وإنه لمن البديهي أن تنسف تلك التحاليل القائلة بأن التحركات الاحتجاجية تقتصر فقط على مناطق لها إرث وتقاليد نضالية. والوقائع اليومية تثبت عكس ذلك، حيث تندلع على طول البلاد أنواع شتى من الاحتجاجات بدءا بالاعتصامات في المعامل ضد الحيف والتسريح القسري، وكذلك الإضرابات العمالية المتواترة وإضرابات الجوع المختلفة وسدّ الطرق ومنافذ المدن في عديد الجهات. لا نريد أن نسهب في ذكر الأمثلة التي بات يعرفها القاصي والداني، ولا في رمي الكرة في ملعب السلطة باعتبارها المتسبّب الأول في هذا الكمّ من البؤس والحرمان، ولكن نروم من خلال ذلك أن نجلب انتباه كل مهتمّ بالشأن العام، سواء كان نقابيا أو سياسيا أو حقوقيا أو مثقفا ملتزما بقضايا بلده وأبناء بلده، بأنّ هذا الشعب لن يتخلص من آلامه سوى بالتفات الوعي السياسي الجدي والمسؤول له. وذلك لا يتمّ إلا عبر الانغراس في صفوفه وتبني مطالبه.

إن ظروفا أخرى سانحة للنضال مازالت تنتظر من يستغلها عمليا من أجل رسم غد أفضل للشعب التونسي ولقواه الحية، ملامحه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وليس الدكتاتورية والإذلال الاجتماعي.

فلنرفع جميعا شعار الشغل والحرية والكرامة الوطنية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني