الصفحة الأساسية > البديل الوطني > قطاع النسيج في مهبّ الأزمة (2)
قطاع النسيج في مهبّ الأزمة (2)
20 شباط (فبراير) 2010

كنا فيالجزء الأول من هذا المقال (انظر صوت الشعب عدد 276، جانفي 2010) قدّمنا معطيات وبيانات حول قطاع النسيج في تونس، وختمنا هذا الجزء بالقول أن الأزمة الأخيرة جاءت لتضيف للمصاعب التي يعاني منها مصاعب أخرى. وقد ذكرت بعض الإحصائيات المنشورة أن أكثر من 51 مؤسسة أخرى تشغل 48921 عاملة وعاملا و"تعاني من مصاعب اقتصادية" قد تمتعت بإجراءات الدعم الاقتصادي والمالي ضمن الإجراءات التي تقرّرت في مجلس وزاري شهر ديسمبر 2008 لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية وبذلك تم إسعافها حتى لا تغلق أو لتؤجل غلق أبوابها على الأقل.

وتؤكد إحصائيات رسمية أن عدد المؤسسات التي مسّتها تداعيات الأزمة قد زاد عن 10% من مجموع مؤسسات القطاع أي ما يزيد عن 200 وحدة أغلبها من المؤسسات الأجنبية غير المقيمة أي التي اضطر أصحابها إلى غلقها والعودة إلى بلدانهم وهو رقم مرشح للارتفاع خلال هذه السنة. وجاء أيضا في أرقام المركز التقني للنسيج أن تراجع عائدات صادرات النسيج مستمر، إذ علاوة على التراجع المسجل خلال سنة 2009 والمقدر بحوالي 10% بالعملة التونسية وبأكثر من 12% بالعملة الصعبة (الأورو) فإن عائدات الصادرات التونسية من النسيج تراجعت خلال شهر جانفي 2010 مقارنة بنفس الشهر من السنة الماضية بـ4%. ويعود هذا التراجع إلى تراجع الطلب في البلدان الأوروبية وخاصة فرنسا وإيطاليا على مصنوعاتنا من النسيج. وفي المقابل ارتفعت وارداتنا من النسيج ومن الألياف المصنعة بكل أنواعها بنسب هامة زادت أحيانا عن 10% وخاصة من تركيا والصين وفرنسا.

وتؤكد هذه الأرقام أن قطاع النسيج الذي كان حتى بعض سنوات خلت العمود الفقري للصادرات المصنعة التونسية والمموّل الأكبر للخزينة بالعملة الصعبة والموفـّر لعدد كبير نسبيا من مواطن الشغل قد استقر في التراجع وبات مصدرا للنزاعات والمآسي الاجتماعية مستعصية على الدولة التونسية.

فقد تسارعت في المدة اّلأخيرة عمليات غلق المؤسسات وطرد العمال والتخلص منهم بطرق متعددة مثل الإحالة على البطالة الفنية أو الإجبار على الخروج في عطلة سنوية قسرية. وفي مثل هذه الحالات عادة ما يعود العمال من "عطلتهم" فيفاجؤون بغلق المؤسسة وبفرار صاحبها وتهريب معداتها أو بيعها لمستثمر جديد في حل من كل الالتزامات تجاههم رغم ما جاء في القوانين التي لم تعد تعني شيئا. وعندئذ يضطر العمال إلى أشكال نضال متعددة وخاصة للاعتصامات بمقرات الاتحاد أو بمقرات مؤسساتهم المغلقة في ظروف سيئة للغاية وتحت الرقابة والتهديد من قبل البوليس أو من قبل ميليشيات اعتاد الأعراف على استعمالها ضد العمال لفك الاعتصامات مثلما جرى في مؤسسة مقني في سنوات مضت أو في مؤسسة بادينقتون بالشابة في المدة الأخيرة.

وغالبا ما تفضي هذه التحركات إلى عمليات قمع وحشية وفي أحسن الأحوال إلى اقتلاع تعويضات لا تسمن ولا تغني من جوع بما أن القوانين المعمول بها لا تعترف لهم إلا بمبلغ ما يضاهي أجرة 12 يوم عن كل سنة أقدمية في العمل على أن لا يتجاوز المبلغ الجملي للتعويض أجرة 6 أشهر مهما كان عدد سنوات الأقدمية. وبطبيعة الحال عادة ما يكون الممثلون النقابيون الضحية المفضلة إذ يسارع الأعراف دوما إلى التخلص منهم للقضاء على كل نضال منظم وجماعي فيما يكون بعض المسؤولون النقابيين البيروقراطيين وراء صفقات تساعد الأعراف على التخلص من العمال مقابل رشاوى وامتيازات خاصة. ولنا في ما حدث في مؤسسات النسيج ألاسكا (لافونتان سابقا بصفاقس)، حوالي 170 عاملا وعاملة، و"مرسى تكستيل" للملابس الجاهزة (300 عاملا) وشركة "جربة تكستيل" (300 عامل) ببن عروس ومؤسسة نسيج على ملك مستثمر تركي ببني خلاد ومصنع بادينقتون للنسيج بالشابة الذي تمكن فيه العمال بعد سلسلة من الاعتصامات والمواجهات من فرض اتفاق يقضي بتمكينهم من أجورهم لمدة 3 أشهر سيقضونها في بطالة فنية، لنا في مثل هذه الأمثلة التي ليست سوى قليل من كثير دليل ملموس على ما يعانيه عمال هذا القطاع من تهديدات حقيقية وخطيرة لمستقبلهم المهني ومستقبل حياة عائلاتهم.

لكن وبالمقابل لنا في هذه الأمثلة وفي أمثلة أخرى، كمثال شركة "يونايتد فاشن" بدوّار هيشر بتونس حيث يعود العمال للإضراب أيام 17 و18 و19 فيفري الجاري دفاعا عن مطالبهم، وكذلك شركة ت. ج. بالشرقية بالعاصمة حيث يشن العمال إضرابات من أجل مطالب مهنية ومادية (منحة إنتاج السنتين الأخيرتين)، دليل على حيوية النضال العمالي واستعداد العمال للدفاع عن حقوقهم مثلهم مثل عمال مؤسسات أخرى كثيرة (عمال الرخام بتالة والمصانع الآلية "قانز" بقابس وعمال مصانع الراية للصناعات الآلية وعمال مصانع فلورتاكس للدهن بصفاقس، إلخ.).

لكن ومع ذلك فإن التراجع العام لحركة الاحتجاج الاجتماعي والدفاعي للطبقة العاملة، في ظروف الأزمة الراهنة التي مازال لرأس المال هامشا كبيرا للتحكم في انعكاسات هذه النضالات مدعوما بآلة القمع البوليسي وبتواطؤ القيادات النقابية، لا يمكن العاملات والعمال من قلب موازين القوى لصالحهم.

وفي المقابل يتضح من سلسلة الإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة الأزمة (إجراءات ديسمبر 2008 والإجراءات الأخيرة بتاريخ 9 فيفري الجاري) أن هذه الإجراءات لا هدف لها غير مساعدة أصحاب رأس المال المحلي والمستثمرين الأجانب على ضمان أموالهم وأرباحهم دون مراعاة لا لمصالح العمال ولا لمصالح الاقتصاد التونسي.

فالحلول المتخذة لتخفيف أعباء الأزمة على أصحاب المؤسسات (التعجيل باسترجاع قيمة TVA بالنسبة للشركات المصدّرة وتمويل عقود التأمين على التصدير بنسبة 50% وما إلى ذلك من الإجراءات) وكذلك المشاريع الموضوعة لتنويع أنشطة قطاع النسيج (إحداث قطب المنستير – الفجة، وضع استراتيجية تنمية قطاع النسيج في أفق 2016، إلخ.) تبقى كلها حلول ترقيعية لأنها لا تعالج جوهر الاختيارات المتبعة في هذا القطاع وفي غيره من قطاعات الإنتاج الصناعي في تونس. فما دامت الخيارات قائمة على توجيه الإنتاج للتصدير والارتهان بالطلب الخارجي، وما دامت ترتكز على الاستثمار الخارجي الذي تقدم له كل التسهيلات المالية والعقارية والتجارية، فإن قطاع النسيج كغيره من القطاعات (السياحة والصناعات الخفيفة المصدرة) سيظل تحت رحمة التقلبات التي تطرأ على عالم التجارة والاستهلاك الخارجي.

إن الحل الحقيقي لمعضلة هذا القطاع وغيره يكمن في الحقيقة في استبدال الخيارات الحالية بخيارات جديدة تقطع مع إملاءات البلدان والمؤسسات المالية الاستعمارية وتبني أهدافها على أساس مصالح اقتصاد وطني متماسك ومتكامل الأنشطة وموجّه لخدمة الشعب لا لخدمة حفنة من الاستغلاليين المحليين والأجانب. ومن نافل القول أن مثل هذه الاختيارات لا يمكن أن يتعهّد بها لنظام عميل تسوسه حفنة من البرجوازيين الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الأنانية الضيقة.

لكن وريثما يكون بمقدور الشعب التونسي ككل وعماله على وجه الخصوص التخلص من هؤلاء فإن الدفاع عن المصالح المباشرة بكل الأشكال والضغط على النقابات لتتحمل مسؤولياتها يبقى هو الحل المباشر.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني