الصفحة الأساسية > البديل العربي > الانتخابات المصرية والدروس البليغة
الانتخابات المصرية والدروس البليغة
أيلول (سبتمبر) 2005

الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر شديدة الاحتقان، والأزمة العامة تضرب بعمق مفاصل المجتمع، في القاعدة كما في القمة.

ففي هذا البلد يعيش 24 مليون مصري تحت طائلة الفقر يطحنهم غلاء المعيشة ويكتوون بنار الأسعار الملتهبة. ويبلغ عدد العاطلين 6 ملايين، ويسكن 12 مليونا في الأكواخ وأشباه البيوت القصديرية. وتشمل الأمية 22 مليونا وفي عصر المعرفة والثورة المعلوماتية. وتغص السجون بـ20 ألف معتقلا بنت لهم سلطة حسني مبارك 21 سجنا جديدا في العشرية الأخيرة فقط.

تلك هي بعض أوجه الأوضاع المادية للجماهير الشعبية المصرية. أما عن حالتها المعنوية فهي ليست بأحسن حال إذ بلغ الشعور بالمهانة والمرارة الوطنية وتمريغ كرامة الشعب المصري بالوحل أمام العربدة الأمريكية والصهيونية مبلغه.

أما في قمة هرم السلطة فقد استشرى الفساد طيلة 24 سنة من حكم "الحزب الوطني الديمقراطي" حتى أضحى منهج حكم. وتفاقم الدين الخارجي والداخلي ليصل إلى 800 مليار جنيه، كما جرى بيع القطاع العام. أما العائلة المالكة فقد اقتطع كل واحد من أفرادها لنفسه مجالا يمارس فيه نفوذه ونشاطه تماما كما يفعل رجال الأعمال: واحد يحتكر تجارة المواد الغذائية، وثان تجارة الإسمنت، وثالث المجالس النيابية. أما سوزان مبارك فتحتكر مجال المرأة (مركز سوزان مبارك الدولي للمرأة من أجل السلام) وجمال مبارك من خلال لجنة السياسات هو الذي يؤثر ويصنع ويختار من يتولون المناصب التنفيذية… وهكذا تكاد مصر تعود إلى عهد المماليك وعصر شجرة الدر.

أما عن الاستبداد السياسي فإن الرئيس المرشح هو الرئيس القادم وهو الذي اختار منافسيه وحدد شروط العملية الانتخابية إذ جمّع في جيبه الأيمن القانون، والسلطة والثروة وأموال أصحاب المصالح في استمرار نظامه وفي جيبه الأيسر عددا لا بأس به من الأحزاب الصديقة لحزبه الوطني الديمقراطي جدا!

إن مهزلة الانتخابات الرئاسية المصرية تلخصها نكتة كتبت على لافتة من لافتات الاحتجاج "الصم والبكم يقولون نعم للرئيس!" كما تلخصها بعض الأشعار والأهازيج الشعبية في مثل هذه الفترات والتي من بينها:

اللي بي التوريث يبشر
جيبو بالملايين محشر
حلمو تبقى الناس عبيده
ورهن يديه لو يأشر
لجنة السياسات تتكتك
تعديلات قوانين تفبرك
وضع يد على السيادة
هو واحد ولا "هاتريك"!
نهب وسرقة، ومن سكات
خصخصة وكويزوجات
يعني تفطّس من الكوارث
ويقولولك إنجازات
اللي حزر واللي فزر
راح يقولها بالمفسر
أصلو شاور ع الحقائق
والمصير الحر فكر
والنهوض الشعبي قادر
ينهي زيف العهد الأغبر

نعم إن القوى التقدمية والديمقراطية في مصر قادرة على استثارة النهوض الشعبي وإعادة الكرامة الوطنية والعزة القومية لمصر. وها هي حركة كفاية تنجح في وقت وجيز في لف عديد التيارات والشخصيات السياسية والإيديولوجية المتباينة (من الماركسيين والليبراليين والناصريين) من أجل وضع حد لاحتكار السلطة والقيام بإصلاح سياسي تمتزج فيه الأبعاد الوطنية مع الأبعاد الديمقراطية والقومية وفق قاسم مشترك تتفق عليه كافة التيارات والشخصيات السياسية. إذ لم تكتف هذه الحركة الشابة والواعدة بصياغة الاتفاقات وإصدار البيانات بل اهتدت إلى أن نضال الندوات والفضاءات المغلقة لا يعوّض بأية حال النزول إلى الشارع والخروج بالمعركة السياسية إلى الفضاءات المفتوحة والشوارع والساحات العمومية ونجحت بالتالي في التدرج بأشكال النضال واختيار الشكل النضالي المناسب في الظرف المناسب، إذ علاوة على الاعتراض على المادة 74 من الدستور التي "تعطي لرئيس الجمهورية سلطات استثنائية" والمطالبة بإنهاء حالة الطوارئ وإطلاق حرية تشكيل الأحـزاب السياسية، علاوة على ذلك جندت هذه الحركة أنصارها من أجل توسيع دائرة الاحتجاج الشعبي. فالتحمت بها قطاعات واسعة من الشباب والنساء والأساتذة والقضاة والأطباء والصحفيين والفنانين والعمال والفلاحين في أغلب المحافظات مما أثار حفيظة 10 أحزاب إدارية تعيش حالة موات كامل (حتى أن نكتة سياسية انتشرت في علاقة بهذه الأحزاب مفادها أن في مصر صحفا تصدر أحزابا!!) كما أثارت حفيظة حركة الإخوان المسلمين التي أكدت أن "الإخوان لا يسعون إلى الصدام مع الدولة" وأنهم "ليسوا أهل ثورة" ووصفت حركة كفاية بأنها "فئة ظالة مظللة" وأن "لسانها طويل" مع العلم أن هذه الحركة دعت إلى المشاركة في المهزلة الانتخابية وتركت لأنصارها "حرية اختيار" المرشح الذي يريدون!! (وهي عينة من عينات مواقف حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل المنتشرة في الوطن العربي والتي تحاول حركة النهضة التونسية التموقع ضمنها كي لا يفوتها الركب).

إن الدروس المستقاة من تجربة حركة كفاية –رغم نقائصها- هي:

- رسم خطوط التباين مع السلطة ومع الحركات السلفية والتقدم بمشروع التغيير السياسي الفعلي على قاعدة القطيعة الواضحة مع كلا الطرفين فحركة كفاية لم تخطب ود الإخوان المسلمين رغم قاعدتهم الشعبية كما قصدت راس السلطة وعارضت النهج السياسي والاجتماعي للحزب الحاكم.

- أمام ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تقديم البرامج البديلة وقيادة حركة الشارع فإن حركة سياسية واسعة متنوعة تشمل الأحزاب والجمعيات المدنية والقطاعات والشخصيات هي الكفيلة بتحقيق الانقلاب في موازين القوى لصالح المعارضة قد تتطور هذه الحركة إلى جبهة في وقت لاحق.

- اختيار اللحظة المناسبة للتقدم إلى الشعب بالبديل الديمقراطي الشعبي وقيادته في أعمال جريئة ترفع من سقف الاحتجاج وتدرّب الجماهير على منازلة أعدائها.

وقد يكون القادم من الأيام والأشهر (بداية سنة سياسية، زيارة شارون…) خير فرصة لتوحيد المعارضة التونسية وتدارك نقائصها والقطع مع أمراضها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني