بقلم خيبان

وخيبان شخصية رديفية حقيقية ماتت وكانت من الرافضين..

1 – القيطون

(رمز الرفض الأخير)

(في اللهجة التونسية قطعة كبيرة من القماش أو البلاستيك تستعمل كخيمة وقد ارتبط بالتحركات الأخيرة في منطقة الحوض المنجمي)

عندما تبسط التاريخ أمامك "كقيطون" متهرئ تكتشف ما يلي:

 إن التاريخ لم يكن أبدا مقاسا حقيقيا للرجال
 قليلون من عدلوا فأمنوا فناموا...
 وقليلون من ولدوا بعد ليلة حب بين أب وأم..
 ثم... كثيرون من ماتوا بلا سبب..

والآن فلنجرّب العكس. عندما تبسط "القيطون" كقطعة من التاريخ المخزية في شارع يشبه كتابا قديما مليء بالناس والحكمة والندوب.. تكتشف أن:

 "لا شيء يغرينا لرسم خريطة لبلادنا"
 الجبال لا تلتقي والرجال يلتقون دائما.. تلك حكمة الأولين..
 الخوف غريزة وعندما يشبع الإنسان غريزته.. يلعنها..
 اللغة سلة مقرفة من الكلمات.. لكن عبقها يخيف الطغاة..

2- الجنوب

في درس الجغرافيا علمونا أن الجنوب يقع أسفل الخريطة.. رغم أن جبال عرباط (سلسلة جبلية في الجنوب) تصرخ وتقول أنا الأعلى.. أيهما يكذب..؟ الخريطة أم الجبل..؟؟ ولأن الخريطة مليئة بالألوان وأحمر الشفاه وسلم علمي يعرفه أهل الخرائط جيدا.. مقاسه واحد على أربعين ألفا وهو عدد سكان قرية الرديف..

إذا كانت الخريطة بهذه الدقة فقد صدقت والجبل من الكاذبين.. رغم أن في الجبل داموس (أي منجم) وفي الداموس فسفاط.. وفي الفسفاط حكاية.. وفي الحكاية دماء سالت وصفحت عمن أسالها.. فداء للخريطة... أليس الوطن ممتدا على طول الخريطة؟؟ وبألوان الخريطة؟.. ورغم ذلك ما زال درس الجغرافيا وكذلك نشرة الأخبار يؤكدان أن الجنوب يقع في الأسفل من كل شيء.. ويعطونه اللون الأصفر.. لون الشمس والرمال.. أو هذا ما يقوله المرشد السياحي وهو يعرض البلد للغرباء..

أما التعريف الباقي للجنوب، فإنه شرذمة من الناس أحياء كأموات.. ولو ماتوا لشطبنا فقرة أو مادة من الدستور وارتحنا..! لكنهم لم يموتوا.. أمرنا الجبل ليطويهم تحته فمات الأجداد ونجا الأحفاد..؟ ثم سخّرنا الرياح تعصف جوعا وغبارا فاحتموا بما بقي.. وأكلوا حكايتهم ونجوا.. ماذا نفعل لهم..؟؟
مشكلة الجنوب مشكلة لا حل لها.. ألم يحاول المفكر الإيطالي والمناضل الكبير غرامشي حل مشكلة الجنوب.. فماذا كانت النتيجة؟ دخل السجن وحكم بعشرين سنة.. دخل بكيس من الأسئلة وكان لديه الوقت الكافي للإجابة.. فالرجل محكوم بعشرين سنة.. كان ذلك في عهد موسيليني..

أنا لديّ حل يرضي جميع الأطراف.. يرضي مزين الخريطة وكاتب الدستور وغرامشي أيضا.. أن نقول لعنة الله على الجنوب ونتركه بينه وبين ربه.. ونكثف الأمن ثم نغير لون الجنوب إلى لون أزرق.. بلون سيارات البوليس.. حتى إذا ما رآه الغرباء خالوا البحر قد غمر الجنوب فغاصوا فيه..

3- الجمهورية

(ابن منظور القفصي معارض)

الجمهور لا يكون إلا غفيرا.. لا أدري لماذا يلتصق نعت غفير بالمنعوت جمهور.. ربما لأن الجمهور غفير باللهجة المصرية... واللغة العربية تقول إن فعل جمهر يعني كما قال الكسائي: "إِذا أَخبرت الرجل بطرف من الخبر وكتمته الذي تريد".. والغفير هو المخبر باللهجة المصرية أيضا.. إذن من بعض معاني الجمهور أنه مخبر..

وربما غفير بمعنى غفور.. كما قالت المسرحة الرحبانية أيام كانت فيروز تغني للجمهور.. وأيام كان الجمهور يستمعون إلى فيروز وليس إلى برهان بسيس وعمرو خالد..

الجمهور أيها الجمهور الغفير.. في الأصل اللغوي.. يعني كثبان الرمل.. جاء في لسان العرب: "الجمهور هو الرمل الكثير المتراكم الواسع؛ وقال الأَصمعي: هي الرملة المشرفة على ما حولها المجتمعة. والجُمْهُورُ والجُمْهُورَةُ من الرمل: ما تعقَّد وانقاد.." وفي التهذيب: جَمْهَرَ الترابَ إِذا جمع بعضه فوق بعض.."

لله درك يا ابن منظور القفصي (هذا اسمه) حينما تفضح الجمهورية... تصوروا نحن في جمهورية.. لا أريد أن أقول إن الأصل اللغوي للجمهورية أنها رملية وأن قانونها مبني على الجمهرة (المخبرين) والمنقادين (على حدّ تعبير ابن منظور: ما تعقّد وانقاد) بعضا فوق بعض.. نحن رمل يحكمنا رمل تهب الرياح فتحرّكها وتبددها.. مثل رياح الحوض المنجمي التي تهب هذه الأيام.. فتصبح الجمهورية كذبة كبيرة والنظام الجمهوري كثيبا رمليا بائسا.. لا ينبت زرعا بل يبتلع بشرا...

نسيت معنى آخر للجمهوري في اللغة.. إنها الخمر.. قال أَبو عبيد: "الجُمْهُوريُّ اسم شراب يسكر".. آه كم سكرنا في الجمهورية وكم أسكرَنا النظام الجمهوري.. وكل الجمهوريات لم تقرأ ابن منظور جيدا.. ولو قرأته لما سمّت نفسها بالجمهورية.. أو ربما منعت لسان العرب.. وربما لأنها لم تقرأ فقد بقيت تترنح في التاريخ سكرانة.. ولما انقادت بمخبريها وغفيرها نحو الرديف لتثبت أن النظام جمهوري..
أقول لابن منظور صدقت فالجمهور غفير في ملعب رادس ومنقاد كعادته.. ثم كذبت يا ابن منظور فهناك جمهور سكران في الرديف يريد أن ينفض عنه ثقل الجمهورية أو الرمال...

4- الحب

أنا أحبك.. فلا تبادري بفتح السراويل.. هناك فرق بين الحب والحرب.. أن تحب عجوزا كقريتي ليس حراما في الشرائع كلها.. قال الشاعر

عشقتها شمطاء شاب وليدها **** وللناس فيما يعشقون مذاهب.

هل الشمطاء والتي شاب وليدها يجب أن تموت.. نحمد الله الذي وهب لنا اللغة كي تجعل من قريتي حسناء متبرجة.. ونشكر القدر الذي جعل كل المدن الجميلة عالة على قريتنا العجوز.. في الناس والخيرات والرفض..

أنا أحبك.. فلا تقل للقاضي والمخبرين.. لأن الحب كلمة غير قانونية ولم تنص عليها التشريعات الوطنية.. وكثيرون اندثروا في أروقة الدولة الكثيرة... لأنهم أحبوا.. الحب عاطفة شخصية مثلها مثل الإيمان بالله.. واسمعوا حكاية حب:

عندما مات عبد الملك بن مروان جمع الحجاج الناس ليجبرهم على مبايعة الوليد بن عبد الملك وخطب خطبة شهيرة من ضمن ما قال فيها: "أيها الناس من والانا أكرمناه ومن عادانا قطعنا الذي فيه عيناه ومن صمت مات غلا"..

أما الحب في الإذاعة يا أعزائي... فهو تلميع نياشين الوالي الصدئة.. والحب في القلوب هو تمشيط شعر قرية معفرة ولكنها ولاّدة.. والحب في طوق الحمامة "أوله هزل وآخره جد".. رحم الله ابن حزم كان فقيها ظاهريا.. ولم يكن قاضيا في المحكمة الابتدائية.. فأن تحب حطاما يسمى بلد، نكتة وهزل، أليس كذلك.. ولكن حينما ترسم الحطام في قلبك نارا تتقد، فإن الأمر ينقلب إلى جد... "ومن صمت مات غلاًّ"..

5- اللـغة

هي ما تحملونه في صدوركم من شتائم للدولة والرماة ومفتي الجمهورية... هي قولكم صباح الخير يا حبيبتي..

اللغة الحقيقية أن تؤدي التحية قبل أن تودع قريتك... أي أن تقول لها وداعا يا سيدتي.. يا من جماليتك في قبحك وسرك في علانيتك..

اللغة ثقيلة على الحلق الخشن... خفيفة على الصدور المحترقة..

******

انتظروا تعريفات جديدة تأتيكم كلما فاض المعنى على خيبان... أو يكاد...

بو علي عبيدي

أو خيبان مرة أخرى