الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > الموت وحده جفّف حبر قلمه
الموت وحده جفّف حبر قلمه
8 أيار (مايو) 2009

كنّا نلج إلى قاعة المحكمة الواحد تلو الآخر ملوّحين بشارات النّصر ولن أنسى ما حييت مشهد مئات المحامين الّذين هبّوا لنصرتنا، سواد عباءاتهم جعل من القاعة أشبه بلوحة "المربّع الأسود" للرسّام ماليفيتش، وسط هذا السواد كنت أبحث عن نظرات والدي، لمحته واقفا في آخر القاعة، بادرني بالتحيّة مبتسما كعادته وكان بجانبه "الرّجل الطّيّب" كما يحلو له أن يسمّيه والّذي طال ما حدّثني أبي،في ما بعد، عن دماثة أخلاقه وكيف كان يشدّ من عزائمه كلّما صادفه في "نهج أم كلثوم" ، الرّجل فارع القامة" كنخله الّذي يمشي في الشوارع" حيّاني بابتسامة مودّة وعرفان حلّقت فوق رؤوس الملأ، سُعدت بوقفة أحد شعرائنا بقوافيه إلى جانبنا.

مساء الثاني من ماي، في إحدى مصحّات مدينة مدريد، جفّ حبر قلم الشّاعر الطّاهر الهمّامي إلى الأبد لقد سرقته الموت وهو في أوج العطاء، قلم خطّ حوالي أربع عقود من الزّمن بدءا ب"الحصار"و"كيف نعتبر الشابي مجدّدا" و "الشمس طلعت مثل الخبرة" في السبعينات، مرورا ب "صائفة الجمر"و "من الواقعيّة في الأدب والفنّ" و "أرى النخل يمشي في الشوارع" في الثّمانينات وصولا إلى" رجل في رأسه عقل" (ابن المقفّع) و "الأعمى الّذي أبصر بعقله" (المعرّي) و " حركة الطليعة الأدبية في تونس 1968- 1972" في التسعينات، وفي السنوات الألفين أصدر عدّة دواوين شعريّة منها "قتلتموني" و"اسكني يا جراح"و "مرثيّة البقر الضّحوك"و "28 قرنفلة" وكانت آخر إصداراته "بعل ولو بغل" وفيه تناول بالنقد مؤسّسة الزواج بجرأة نادرة.

ترجمت أثاره الأدبيّة إلى الفرنسيّة والإنجليزيّة والإسبانيّة والإيطاليّة وتناولها بالبحث العديد من الأدباء والنقّاد منهم باللّسان العربي توفيق بكّار ومحمّد لطفي اليوسفي وحماّدي صمّود ومحمّد صالح بن عمر و شعبان بوبكر ويوسف النّاوري وبالفرنسيّة أندري رومان وجان فونتان و بالإسبانيّة خوزيفينا دومولينيس وبيدرو مارتيناز.

الوداع أيّها "الرّجل الطيّب" سوف يذكرك كلّ الشّرفاء وكلّ من تتلمذ عليك بألف خير، الوداع أيّها القلم الّذي لم يخش جور السلطان ولم يجفّف حبره سوى الموت.

نجيب البكوشي باريس في 08 ماي 2009


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني