الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > بلا أعضاء
قصيدة:
بلا أعضاء
20 شباط (فبراير) 2009

الدّفق جف

والوجود الخفيف تدحرج تحت الأفق

الأفق:

حصير الوجه علي وجهه

حصاد الأماني وفواكه الذاكرة

كتابة التاريخ بأعواد القرنفل و انتظار

هيام بثورة الياسمين البارد في النهار و انتظار

وفي الليل

حلاوة الحب حبّا لإرادة النسيان وانتظار

شيخ هزيل يصارع ألما ممل

وانتظار وانتظار

طيب القلب مغلق الجبين كالقبر

حسن النوايا بطيء السمع ثقيل الاحتضار

وانتظار وانتظار وانتظار

بشاعة مثالية طاهرة لم تكتفي بما سبق

الأفق:

فسحة بين المعابر

قفز الحصان علي الحصار كأنه قطار طائر

والأفق سكّة طائرة بخارية

مربط خيول العرب

تجريبا لمعني الانتصار علي الانتصار

تجريبا للانتصار علي معني الانتصار

لغز نجاة الهزيمة بمعجزة

وتحت الأفق الأفق

الأفق:

قنديل ثمل

انحناء الجماجم

إصبع من طين

ميل دائم للهراء

كسر رقاب الأسماء

والأفعال والألقاب

مقاطعة العناق وسفك الميل إلي اللغة

قطع الرؤوس ومنع الأمّ من ضمّ أمّها وتسليم النقاط لحروف الأعداء

وتوجيه رصاص التّاء لأختها الهاء

والاقتتال بين الفاء والقاف

والتسابق المسلّح علي النقطة بين الحاء والخاء

وإلهاب سيف الفتنة بين الصاد و الطاء

فسخ القبل من اجل القبل

رتق الصرخة من اجل اللحظة

غسل البكاء من اجل البكاء

وتأجيل الأجل حتى تكمل الأبدية دورتها في الأبد

وتنتهي الشورى بين شتات الكواكب

علف للبشر اسمه الأمل

الأفق:

بلا أعضاء

يغزل جلد المدينة بخصلة فناء

يعجن بعطر الموتى غابات البقاء

يطهّر بالوباء أرواح الملائكة من لهو الجنين وهو في قصر أمّه

يخفف عنا بواسطة الوفاء عناء الولاء لأحكم الحاكمين

أفق تمدّد يسيرا علي العرش يمدّد علي الأرض افقأ من علّيين

أفق تصريف أعمال وتصريف أحلام

كفن القمر هو الأفق

سريع الانقضاء بلا قدر واضح

أفق بثقب الأنف

شديد الانهيار إذا طار طار بجناحي ذل

وانحطت النجوم هوت إلي قاع البحار

والعصافير حلّقت في فارغ الصّبر

بفرح هائل طويل المدى

تمرّ في المداخن علي مهل

تحيّي نقاوة الجمر بكلّ حياء

وتقتبس بعض الحدوس عن قصص المستقبل القصير

الأفق:

ظلّ عظيم يحجب الشمس

هي مصنع فحم حجري تحجب الحرائق القصوى

ولذلك فان البصر والبصيرة والسيرة والسريرة والرؤية والرؤيا والرسالة والأميرة... كلها أمور لا يفهمها إلا رؤساء البجع
ووزراء الاقتصاد والإعلام والنقل

ولذلك أيضا يجترّ الأفق المدافن في لغم الأفق

يفوح من كلّ المزابل الوطنيّة والعالميّة كأنه وعد:

لما تبقى من القصب والزهر المبعثر

لوجه ليل لا عيون له

لمعركة بكر

لديارنا الأولي

لما تبقى من القطرات المكحّلة بماء مر

لمنفي لا عمر له

للصّدفة وأخواتها تبيعني بحزمة بلح

لباقي السنابل المستلقيات في عرق المكدوحين

أودع أعضائي

لوردة جبلية تسحب الفجر من وجه العدو

لقلبي يسحب أنفاسه من مدينة قاتلة

لجسد يترك مكانه لتنبت شوكة

لكل شيئ حي وميت

لرفاق يشربون من البحر علنا وطواعية

للطيور المهاجرة في الخلايا

لرفاقي خذوني رملة رملة وهيموا في البحار

وانسجوا من لحمي خيمة واقفة

قطّعوا الخطوط وأحصدوا من جذوعي ما استطعتم

ولو ظل مني شبح دون وجه

أو فقرة بلا عمود بلا منتهى

تعزف من لحمي غناء الغمام

وتشتهي رقص الضباب علي الضباب

الأفق:

يسحب أنفاسه من مدينة قاتلة... بلا أعضاء وينشد:

أنا أعوّضك عن الصحراء

والواقع

أنا عن تعازي الخيال وروح الخيار

وقسوة اغتصاب برق الخلاء الخلاء

أنا أعوّضك عن الفراغ المهين

عن العدم المبين

عن الوجود الثاني

عن الحق في الحق الأوّل

عن ويل الحياة ثانية وعن هلع الحياة عارية

أنا أعوضك أيتها الريح عن كل الخسائر في الضمائر والأرواح والأنفاس التي أهدرتها الّرئي سدي

واسحب أنفاسي بأسرها

من رؤية بلا أعضاء

صلاح الداودي

تونس: فيفري 2009


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني