الصفحة الأساسية > البديل العربي > "حركة كفاية" أو حدود الديمقراطية القومية
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان:
"حركة كفاية" أو حدود الديمقراطية القومية
18 أيلول (سبتمبر) 2007

كنا نشرنا في العددين الماضيين من "صوت الشعب" تغطية للندوة التي نظمها، في أواخر شهر ماي الماضي "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" تحت عنوان "أي مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي". وقد تناولنا في الحلقتين الماضيين العروض والنقاشات التي دارت حول "حركات التغيير" في بعض بلدان أوروبا الشرقية وتونس (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات) وسوريا. ونستعرض في هذه الحلقة الأخيرة ما جاء في ورقات العمل والنقاشات المتعلقة بحركة "كفاية" المصرية. وقد ساهم كل من سيف النصراوي الباحث في العلوم السياسية والدكتور شريف يونس، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، بورقة تقييمية تناولت جذور الحركة وتركيبتها وبرنامجها ونشاطها ومآلها.

كفاية: الماهية والنشأة

ظهرت حركة "كفاية" في أواخر سنة 2004، أسسها عدد من الرموز السياسية والفكرية والثقافية والنقابية والمجتمعية، ولكن قيادتها تألفت أساسا من الطيف القومي (ناصريون وقوميون وإسلاميون ويساريون قوميون...) وانتظمت هذه القيادة في لجنتين أهمهما "لجنة العمل اليومي" التي كانت تخطط للمظاهرات وتحدد شعارات "كفاية" وتصدر بياناتها، واعتبرت الحركة نفسها متنوعة المشارب ذات عضوية فردية.

حددت الحركة لنفسها هدفا هو "التغيير السياسي" بكل ما في الكلمة من عمومية ومطاطية، وجعلت شعارها الميداني الرئيسي عند تكوينها "لا للتوريث (لجمال مبارك) ولا للتمديد (لحسني مبارك)".
ولم تكن الحركة حزبا، كما لم تكن تنوي بناء تنظيم واسع ومنضبط، ويمكن القول إنها كانت تراهن على "رمزيتها" لا على قوتها السياسية، بل إن الذي أنشأوها كانوا يريدون أن تكون "حجرة لتحريك البركة الراكدة" أو "ضميرا" لـ"الأمة".

تشكل حركة كفاية

عاملان أسهما في نشأة كفاية. الأول عامل خارجي. الغزو الأمريكي للعراق وما يحويه من مخاطر لمزيد تجزئة المنطقة وعجز النظام المصري وغيره من الأنظمة العربية عن مواجهة ذلك. هذا العامل، صاحبه آخر، صادر عن الولايات المتحدة نفسها وهو الضغوط التي مارسها على النظام المصري وغيره من أنظمة الاستبداد في المنظقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لـ"لتليين سياستها" في مجال الحريات. "هناك إذن من جهة خطر محدق ومن جهة أخرى فرصة متاحة" حتى وإن كانت هذه الفرصة تخول لنظام الحكم اتهام خصومه بـ"العمالة" للغرب.

العامل الثاني داخلي، ويتمثل في ظهور إشارات تفيد رغبة "الأسرة الحاكمة" وقطاعات من داخل النظام في توريث رئاسة الجمهورية لـ"جمال مبارك". وكان الطيف القومي يعتبر أن تنفيذ هذه الرغبة التي كان لها معارضوها حتى من داخل النظام، ستدفع نظام الحكم إلى تقديم مزيد التنازلات للإدارة الأمريكية. وفي إطار المناورة لمواجهة ضغوط هذه الأخيرة، قرر مبارك في فيفري 2005 إجراء انتخابات رئاسية بدل الاستفتاء على رئيس واحد، وهذا الحدث سرعان ما دفع "كفاية" إلى مقدمة الساحة السياسية الإعلامية.

هذه عموما "الطوبوغرافيا" السياسية التي نشأت كفاية في إطارها. ومن الملاحظ أن "الإخوان" لم يكونوا متحمسين لمواجهة النظام في هذه الظروف، للحفاظ على "مكتسباتهم" طيلة حكم مبارك، لذلك فإنهم لم يشاركوا في المظاهرات والاحتجاجات إلا متأخرين مع تجنب الهجوم على مبارك. وهذا يعني أن "كفاية" لم تكن لها "جذور إخوانية". لقد جمعت "كفاية" الساخطين والغاضبين من تيارات قومية-إسلامية-يسارية (قومية) عدة والذين لم يعودوا راضين على مردود أحزابهم، وكان أحد هواجسهم أن لا يحتويهم "الإسلاميون" بوزنهم في الساحة السياسية.

كفاية في الميدان

لقد حوصل البيان التأسيسي مشاغل الحركة في أمرين اثنين. الأول، "يتمثل في المخاطر والتحديات الهامة التي تحيط بأمتنا، والمتمثلة في الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق والاغتصاب والعدوان الصهيوني المستمرين على الشعب الفلسطيني ومشاريع إعادة رسم خريطة وطننا العربي، وآخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمر الذي يهدد قوميتنا ويستهدف هويتنا، مما يستتبع حشد كافة الجهود لمواجهة شاملة على كل المستويات: السياسية والثقافية والحضارية، حفاظا على الوجود العربي لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني". أما الأمر الثاني فهو "الاستبداد الشامل في حياتنا الذي أصاب مجتمعنا، وهو يستلزم إجراء إصلاح شامل سياسي ودستوري يضعه أبناء هذا القطر وليس مفروضا عليهم تحت أي مسمى".

ومن الواضح في البيان أن الإصلاح السياسي الشامل هو في خدمة الهدف الأول، فالديمقراطية ينظر إليها كـ"ديمقراطية وسيلية"، أي باعتبارها أداة لـ"إنقاذ الأمة" و"إفشال المخططات الاستعمارية" و"إسقاط نظام عميل وتابع". على هذا الأساس استبعدت "كفاية" من عضويتها من أسمتهم "التطبيعيين". والجمعيات والهيئات الحقوقية الممولة برنامجها من منظمات دولية. كما أنها استبعدت انخراط الأحزاب فيها معتبرة إياها بهذا الشكل أو ذاك "ديكورا يدعم النظام" ومن جهة أخرى فإنها عارضت الانتخابات الرئاسية ولم تؤيد أي مرشح. وعندما جاءت الانتخابات التشريعية لم يترشح منها أي عضو ولكنها رعت التنسيق بين الأحزاب للتوصل إلى قائمة موحدة. وقد فشلت جهودها في تحقيق هذا الهدف.

وكان نشاطها الميداني يقتصر تقريبا على نشطائها (بين المائة والمائتين)، ولم تتعد قدرتهم على تعبئة الشارع أكثر من ألفي شخص. كانت "كفاية" تقوم بدور "ضمير الأمة" الذي يحتج ويطالب بالإصلاح. وكان رفض الحركة للتوريث هو الذي حملها إلى بؤرة المشهد السياسي الإعلامي. وكان الإعلام حوّلها إلى ظاهرة وأعطاها هالة لا تناسب حجمها التنظيمي الواقعي. ومما سهّل مهمة القائمين عليها أن نظام الحكم لم يقمعهم بل سعى إلى "تأطيرهم" أمنيا. وكانت خيبة أملهم في أنهم لم يقدروا على تعبئة الجماهير ولم يحققوا المظاهرات المليونية التي حلم بها بعضهم، فظلت الحركة نخبوية.

تراجع كفاية وأثرها:

خفتت "كفاية" بعد أن فشلت في التصدي لـ"التمديد" وبقي مبارك في الحكم وبالتالي انتهى دور شعارها الرئيسي بشأن التمديد والتوريث. إلى ذلك استعاد النظام توازنه مع تأزم وضع الولايات المتحدة في العراق وبروز المسألة النووية الإيرانية، ومع الدور الذي أنيط بعهدته في التسويات "الفلسطينية-الإسرائيلية" وبين حماس وفتح، وقد سمح له هذا الوضع بتشديد القبضة على الشارع وهكذا تراجع دور "كفاية"، كما تراجع حضورها الإعلامي. وفي نفس الوقت غطى عليها الصراع الذي برز في الساحة بين أطراف لها ثقل أكبر من كفاية، مثل "الإخوان" أو القضاة ومؤخرا العمال، وبين النظام.

وهكذا يمكن القول إن عهد "كفاية" قد انتهى، تاركة أثرا مهما في التاريخ السياسي لمصر رغم أنها لم تنجح في تحقيق مهامها. فهذه الحركة جذبت اهتمام النخبة السياسية القومية إلى الشأن الداخلي، بعد أن كانت "مدمنة" على القضايا القومية (فلسطين، العراق...) فالمطالب الديمقراطية أصبحت موضوعة في بؤرة المشهد السياسي.

ومن جهة أخرى فقد نشرت "كفاية" ثقافة الاحتجاج والتظاهر بالفعل ولكن ليس من أجل مطالب قومية وسياسية عظمى، بل دفاعا عن لقمة العيش أو الكرامة الشخصية أو مطالب قطاعية. أما عودة التحركات السياسية الحقيقية التي شجعتها مظاهرات كفاية فنجدها في مئات التحركات النوعية: المظاهرات والاعتصامات العمالية وفي امتداد النضال العمالي الجماعي على القطاع الخاص إلخ... وفي كلمة ترجم الناس مظاهرات "كفاية" على شيء أكثر واقعية وتأثيرا. ونجد أثر "كفاية" أيضا في إثارة خيال عدد كبير من المواطنين من الفئات الوسطى ومن الشباب بالذات. حركة المدوّنات وجمعيات حقوق الإنسان ضد التعذيب وخروج السلطة على القانون ومن أجل حقوق نوعية كحقوق المرأة، وفي تشجيع الصحافة الحرة وحصولها، فعليا، على مساحة تعبير أوسع.

وخلاصة القول إن حركة "كفاية" لعبت دورا في تنشيط مختلف مظاهر الحيوية الاجتماعية، ولم يتعدّ دورها ذلك الحد. وقد تركز النقاش على هذا الجانب. فالحركة كانت تفتقد فكريا وسياسيا وتنظيميا إلى الأسس التي تؤهلها لأن تكون بديلا لنظام الحكم ولأحزاب الديكور. وذلك راجع إلى تركيبتها الاجتماعية، فهي تتركب في الأساس من مثقفين، معزولين عن الجمهور وليس لهم النية في أكثر من "رمي حجر في البركة الراكدة".



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني