الصفحة الأساسية > البديل الوطني > رسالة إلى أمي
رسالة إلى أمي
18 أيلول (سبتمبر) 2007

أصدرت "الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب" بيانا حول وضعية الشاب حافظ البرهومي، الموقوف منذ أوت 2005 بمقتضى قانون مقاومة الإرهاب سيء الصيت. وكانت السلطات السورية التي اتهمته بأنه "ينوي الالتحاق بالمقاومة العراقية" هي التي سلمته إلى السلطات التونسية. وقد تعرض حافظ البرهومي (20 سنة وطالب مرسم بالسنة الثانية تحضيري بالمنار) إلى التعذيب بمحلات وزارة الداخلية. وفي السجن واصل سجانوه تعذيبه وسوء معاملته، مما ألحق ضررا فادحا بعينه اليسرى. ورغم حالته الصحية الخطيرة رفضت إدارة سجن تونس عرضه على طبيب مختص بل إنها عمدت إلى إبعاده إلى سجن القصرين. وبعد حوالي العام، وعلى إثر احتجاجات كثيرة من العائلة والمحامين، عُرض في الآونة الأخيرة على الطبيب ليعلمه أن "عينه ميؤوس منها". وقد عبرت الجمعية عن إدانتها لسلوك المصالح السجنية وطالبت بإسعاف حافظ البرهومي في أسرع وقت عسى أن يتمكن الاختصاصيون من إنقاذه.

وقد أرفقت الجمعية بيانها برسالة مؤثرة وجهها هذا الشاب إلى أمه، هذا نصها:

باسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله ثم الحمد لله

السلام عليكم

أمي

كم وددت لو كنت بجانبي حتى أتكور كالقنفد الخائف وأرتمي في حضنك وأبكي... وأجهش بالبكاء حتى الصباح... وأنت تبكين معي... وتربتين على كتفي وتواسيني. هذا هو الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن يخفف عني ما انتابني البارحة وأنا عائد من المستشفى في سيارة السجن، ولما لم أجدك بجانبي فعلت ذلك في خيالي. وبكيتُ وبكيتُ.

أمي لقد قالت لي الطبيبة التي عشت طيلة عام كامل على أمل أن ألقاها وتقول لي كلمة تفرحني قالت لي، إن إعادة النور إلى عيني أمر صعب. أمي والله... لقد صعقتني... لم ترحمني... قالتها بكل بساطة... هكذا... وكأنها تحدثني عن حبة طماطم قد تعفنت... وكأن الشيء الذي تتحدث عنه ليس عيني... ليس عين شاب وسيم، أو هكذا كان كل الناس يقولون له على الأقل، كان يعتد بنفسه وبوسامته في يوم من الأيام... كأن هذه العين التي قالت إنها لا تسطيع أن تفعل لها شيئا لن تشوه وجها مازال صاحبه لم يفرح به بعدُ، وجها عاش فقط 20 سنة في النور، خارج الأسوار. ولم يكفها هذا بل قالت أيضا إن العملية الجراحية التي كنت أنتظرها لتعيد إليّ بصري، تجرى لاحقا عندما تَحْوَلُ عيني احولالا فاحشا وتتقلص كليا ليستأصل جزء منها أو كلها ويوضع بدل منها "بروتاز" أي عين اصطناعية لـ"التجميل" أو بالأحرى لتقليص القبح الذي سيصبح عليه وجهي، "الفتي" كما قالت الممرضة.

أمي، البارحة، أحسست بكل الأحاسيس مجتمعة في وقت واحد... بالغضب والمرارة والألم والأسى والحزن والكآبة وأحسست بقلبي يُعصر كأنه عجز عن احتمال كل هذا العبء وأحسست برأسي يغلي كأنه مليء بالحمم.

أمي، أعرف أن رسالتي هذه قد تُدمي قلبك وتحزنك وربما تبكيك، اعذريني فليس لديّ من يبكي لبكائي هنا، ومصيبتي أكبر من أن أبكيها وحدي... قولي عنّي أناني... قولي ما تشائين... ولكن ارجوك، اعذريني. فابكي يا أمي... من أجلي يا أمي... إنني أريد أن أُبكي العالم كله معي... على عيني... على وجهي المشوه.. على عمري... على شبابي الضائع... عليكم... على كل شيء. ولم أجد أحدا يبكي معي بل لم أجد حتى من يثير بكائي ماعدا بعض الكلمات المواسية التي لا تخلو من برود.

ختاما إنني أنتظركم هنا قريبا حتى نرى ماذا سنفعل في عيني، فأنا لم اقطع الأمل لن الطبيبة بدت لي مترددة وليست متمكنة، فأنا أرجو أن يتم نقل ملفي إلى الطبيب الذي أجرى لي العملية الأولى منذ 13 سنة تقريبا.

سلامي إلى أبي وإخوتي ولا تعتبوا عليّ لأنني خاطبت أمي فقط... لا تعتبوا عليّ فأنا جمعتكم كلكم في لفظ أمي.

وسلاما حارا... ملتهبا... ابنكم حافظ



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني