الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > عندما يأكلُ الشّمالُ جنوبهُ
عندما يأكلُ الشّمالُ جنوبهُ
(الجزء الأوّل)
24 شباط (فبراير) 2009

(مسرحية ذهنية)

الاهداء
تحصّنْ فالمدينةُ لك بشوارعها... إلى الفاهم بوكدوس

تـقديـم
"وُضع الشاعر في الجنة
فصرخ قائلا: آه يا وطني". ناظم حكمت

لوحة أولى

على مقْرُبَةٍ من نارٍ
شجرٌ يسربلُ نهرًا قد هجرهُ الماءُ
ونَبَتَتْ في قاعه نبوءاتٌ من الأفكار صلبةٌ لا يقوى على خلخلتها سوى رجال قد ألفُوا مصارعة أوهام ذواتهم وشيّدُوا بالعرق سواعدهٌمٌ وكبّلُوا العالم بسيولٍ إذا زحفتْ تهاوتْ أمامها الأفجارُ.

حركة أولى

بأعلى النهر ذيلٌ من ورقٍ لا يحترقُ وقبورٌ سوداء – صفراء- حمراء- بيضاءَ وأعلامها تعاكسُ موج الرياح وتغازلُ موج السحب.
القاعة مظلمة. يظهر فجأة شيخ يبرق من جبهته نور خفيف ثم ينزل حد ركبتيه، يرفع يده الوسطى. يومئ بها نحوالوادي، ثم ينبعث منه صوت هادئ موغل في الصمت.

- طاعون:
"بالوادي ذئبٌ إذا ما عوى تتهافتُ نحوهُ أسرابُ الذئاب
بالوادي مقبرة تطل على الصخر وللأيام مدارات لعينة كغريق موج البحر
وكان بالأمس الذئب يأكل كل يوم امرأة من قبيلة هرم رجالها من العطش بعد ما كف الإخصاب
وفُقدَ الذّهنُ وترمّلت الأعينُ.
كلّما التهم امرأة اكتسب حيلة أعظم فسهلت عليه الفريسة المقبلة حتى أنهاهنّ"

(يصمت طاعون ويتحول إلى كتلة من نار)

صوت حاد يُرجعه الصدى فيثقب الآذان. وينزل بردا على الكتلة الملتهبة.

- طاعون :
"بالوادي مقبرةٌ تطلُ على الصّخر
بالوادي مجزرة ٌشاسعةٌ كالبحر
الصوت من الحنجرة لهيب إذا بلغ المقبرة
الجسدُ يحترقُ كالسّاحر بالسّحر"

حركة ثانية

ينحدرُ الجبلُ حدّ الانحناء. في أسفل المنحدر ينبسط الوادي وتتربّعُ فيه قبيلة بعد ما فتك الذئبُ بكل نسائها، في الليل حينما يتعرّى القمرُ فجورا يظهرُ الضوء ُالأحمرُ الخافت من أعلى الجبل، ينعكس على الضوء الأسفل الصاعد من قاع الوادي وينبعثُ بينهمُ الضبابُ الكثيفُ.
ينهضُ الذئبُ، ثم ينزلُ من ملكُوته وقد تخوى ظهره كالقوس وتمططت أذناهُ في انتصابٍ.

- طاعون:
"بالوادي مقبرة تطلُ على الصّخر
بالوادي ذئبٌ إذا ما عوى تتهافتُ نحوه ُأسرابُ الذئاب، بالوادي مقبرةٌ مضغ الذئبُ نساءها حتى تعطل زمانها وخرس حملُها وللتاريخ قانونه من الوجع، كان في التاريخ ذئبٌ يتوجّعُ سعادة ويتنفّسُ حناجر صرخت ألما من شدة التمزق بين الأنياب الحافية في القص، الحادة في زهق النفس
تأمّلوُا هناك!!
إن بصري يخونني في انحناءات المديح
(تتحول يده نحوأسفل منحدر الجبل وترتخي عينيه ويتكور ظهره)
هناك!!
(في اتجاه المدن الثائرة)
إنّهُ جسمُ رجلٍ ورأسُ ذئبٍ يتسلّلُ إلى الخيمة، هوالذي شاهدتهُ البارحةَ وأنا إلى اليوم لم أر أحب الرجلين إلى قلبي بين رجال القبيلة.

(يصمت طاعون ويتحول إلى كتلة من نار)

صوت حاد يرجعه الصدى فيثقب الآذان وينزل بردا على الكتلة الملتهبة.

- صوت:
"لي شمعةٌ
أنيابٌ مِنْ مضْغ الأحبّةِ قد حَفَتْ
لي بسمةٌ
لسانٌ من السّخط قد تمزّقتْ عروقهُ
خنجرٌ فيه قد نَبَتْ
لي حبيبةٌ وحيدةٌ
على صدرها حبّي ثائرٌ
لما أصعد شفتيها
ألامسُ قلبي الذي من شدّة انتفاضته قد صَمَتْ
رحّلوها بعيدا
في المنفى
فبكتها أشواقي سنُونا
ولأجلها قامتي كثيرا ما انحنتْ
وقالوا ذات صبحٍ
أنّهُمُ شاهدوها قنطرة
يعبرُ فوقها الوطنيونَ
بأعلى الوادي
قد هَوَتْ
فلمّا بكاها الآخرون
انتشت
فقلتُ
نعم لقد هوتْ
لقد هوتْ
قلبي هوتْ"

حركة ثالثة

رجلان يتسللان ويصعدان إلى أعلى الجبل. وفي قاع الوادي حرسُ القبيلة قد هدّهُمُ النعاسُ، وفتك بهمُ الصقيعُ، من حَمْل الحِمْل.
تنفتحُ الأضواءُ من فوق الجبل فتحجب الرجلين وتكشف منطقة قبائل بها أجساما ظلالا.

- الحواشي:
"إن نزلَ الوحشُ الليلة فاشهد أيّها الصّحابيّ أنني إما قاتل أومقتول. أنا إذا ما هبّ الريحُ في عروقي أهبّ كالبارود"

(ثم أنشد رواية حكمية شعرية)

"قطف الرجل العنقود. فوجد به صورته. فقطف الرجل الجائع عنقودا آخر. فوجد به صورته. مزق الرجل عناقيد بلاده. ففرح ثم قطف الرجل عنقوده. فوجده عنقودا".
تدخل أمّه الحاكمة فجأة وقد ظهر على تجاعيد وجهها بسمة الشماتة ثم تقول:
"إن غيّر السّيد وجهه ...... فوجه السّيد باق
وإن غيّر الوجه طبعه ...... له الزمن ساقٍ"

(يصمت ثم ينظر إلى الصحابيّ)

- صوت:
"إن الذين قاوموا الوحوش وردُّوها بسواعدهم وقلوبهم وأفكارهم عن أحواضهم وأعراضهم وأقواتهم يمتلكون عمرا جديدا لا يكفّ عن الانسياب، عمر يخترق الزّمان كما يخترقُ الماء الأرض البور والرمل الساخن".

(ثم أنشد)

"أيّها الجند
الشعب إذا ثار يرجمكم
وأسيادكم إذا دبّ في مفاصلهم خوف
يبيعونكم بأبخس الأثمان
والشّعبُ إذا ثار
يطهر المدائن
من أرذل الأبدان"
(صوت منبعث من الأسفل لا يشاهده أحد يردّ عليهم)
"ليحيى القائد الأعلى
ليحيا سبعنا الغالي
ويشقى كل عدوويبلى جذعه الفاني
إذا الشعب ثار نرجمه
بوابل الأحزان"

(تظهر فرقة نحاسية تردّدُ القصيد)

- الحواشي:
"أنا أرى أن الجميع
يغط في نوم عميق غير مبالين بعبث الوحش برقابنا
"فحقدي عليه أعمى"

- صوت:
"إذا لا بدّ لنا من يد واحدة لحمل هذه الصخرة

(يلتفتان إلى الوراء نحو صخرة عظيمة)

إذا ما ظهر الوحش، نلقي بها على جثته الضخمة فإذا لم نمته هرعنا إليه مستعينين بأهلنا لكي نزيد في عمق جراحه حتى ترتوي الأرض بدمه فتنبت لنا أزواجنا بعدما قدمنا لها مهرها".

(يتمدّد الرجلان على التراب حتى لا يظهران وقد انصب بصرهما نحوالمدينة)
(ثم أنشد احدهما رواية حكمية شعرية)

"للضّعيف مخالبُ كالنّسر الجائع والهائم في الأعالي
إذا هوى جرح أهوالهم
كسيف يصرع منازعه في الخوالي"

فيفري
2009
لطفي الهمامي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني