الصفحة الأساسية > البديل العربي > لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة
بعد عام على سقوط بغداد :
لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة
7 نيسان (أبريل) 2004

يستعد المجرمون الذين شنوا العدوان على العراق للاحتفال بالذكرى الأولى لسقوط بغداد. ولن يجد المعتدون بعد عام على ارتكاب جريمتهم ما يفاخرون به بعدما آل إليه وضع هذا البلد الذي دمروه بطريقة وحشية تعكس الطبيعة البربرية للامبريالية والصهيونية. ولن يصدقهم عاقل على ما يروجونه حول "الإنجازات التي تحققت للعراقيين بعد سقوط نظام صدام".

إن بوش وبلير وكل الذين اصطفوا ورائهما لضرب العراق يقفون اليوم لا لكي يفاخروا بما أنجزوه في العراق بل لكي يحصوا عدد جنودهم وعملائهم الذين حصدتهم المقاومة في السنة الأولى للاحتلال، ولكي يواجهوا كل شعوب العالم التي تقف اليوم إلى جانب العراق الصامد وتوجه أصابع الاتهام نحو عصابات بوش وبلير المتهمة بقتل عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وبتحطيم بلد ذو سيادة تحت تعلات اعترفوا هم أنفسهم ببطلانها.

وبعد عام على الإطاحة بنظام صدام حسين، لم تتمكن الآلة العسكرية الأمريكية من القضاء على المقاومة العراقية، بل على العكس من ذلك فإن هذه المقاومة ما فتئت تتوسع وتشتد وتنوّع أشكال نضالها. وكل الوقائع الميدانية تؤكد أن من يتحكم في الوضع في العراق ليس بريمر وعملائه بل المقاومة التي استطاعت أن تفرض صوتها على الجميع وأن تفشل كل مخططات العدو الرامية إلى إنهاء مقاومة الشعب العراقي وفرض حكومة عميلة عليه يكون بإمكانها توفير الأمن للمستعمرين حتى ينصرفوا لنهب ثروات البلاد.

وأمام فشل الآلة العسكرية الرهيبة في إخماد المقاومة المسلحة، وبعد تزايد عدد القتلى والجرحى في صفوف العدو وعملائه وبروز حالة من اليأس في صفوفهم بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الحرب، اضطرت إدارة بوش إلى اتباع "سياسة الجزرة" عبر التلويح بـ"نقل السيادة للعراقيين". ومن الواضح أن الدعاية الاستعمارية ستتركز مستقبلا حول هـــذا الشعار الخادع، خاصة مع اقتراب الموعد المحـدد لتجسيمه على أرض الواقع حسب زعم إدارة بوش وهو 30 جوان المقبل.

ولا يخفى على أحد زيف هذا الشعار (نقل السيادة للعراقيين مع حلول 30 جوان المقبل). فالإدارة الأمريكية ما كانت لتتحدث عن سيادة أو ما شابهها لولا المأزق الخانق الذي فرضته عليها المقاومة التي جعلت بقاء الأمريكان في العراق مستحيلا، فبدأوا بالبحث عن مخرج "مشرف" وبأقل التكاليف.

إن "السيادة" التي يتحدث عنها بوش، والتي سيهديها للعراقيين مع حلول شهر جويلية القادم، لا معنى لها سوى محاولة يائسة وغبية لخداع الشعب العراقي وإيهامه بأنه تحصّل على استقلاله وبالتالي لا داعي للمقاومة. والمقصود بـ"العراقيين" الذين سيتسلمون "السيادة" من يد بوش وزبانيته الملطخة بدماء عشرات الآلاف من أبناء العراق، هم شرذمة "مجلس الحكم الانتقالي" ومن هم على شاكلتهم. هؤلاء الذين تآمروا على العراق وعملوا جواسيس ومخبرين لصالح المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية وساعدوا المحتل على دخول العراق ونشر قواته بها. وبأكثر وضوح فإن "السيادة" بالمفهوم البوشي هي تفويض عملاء من العراق (أو ممّن يدعون الانتماء لهذا البلد) كي يساعدوا الأمريكان في قمع الشعب العراقي.

ولكي ندرك المعنى الصحيح لهذه "السيادة" علينا التمعن في الخطوات التي قطعتها قوات الاحتلال لتكريس ذلك. من أهم هذه الخطوات فرض "دستور عراقي" يشرّع الاحتلال الدائم ويمنحه صلاحيات واسعة، والشروع في بناء قواعد عسكرية عملاقة في مناطق استراتيجية من البلاد، والبدء في تشكيل "الجيش العراقي الجديد" وهو عبارة عن بضع عشرات الآلاف من المرتزقة الذين سيكلفون بمهمات لا تختلف كثيرا عن مهمات "الشرطة العراقية"، وتكفي الإشارة هنا إلى أن أول شرط للانتماء لهذه "الجيش" هو الموالاة التامة لقوات الاحتلال.

وبالتوازي مع ذلك تعمل إدارة بريمر على الإسراع بمضاعفة عدد "الشرطة العراقية" حتى تبلغ أكثر من 200 ألف مع حلول ساعة "تسليم السيادة"، في حين أنها لا تريد أن يزيد عدد "الجيش العراقي الجديد" على 60 ألف!

إذن فإدارة بوش وفي نفس الوقت التي تكثر فيه الحديث عن "السيادة" تعمل بنسق متسارع على تركيز سيادتها، سيادة الاحتلال، بإقامة القواعد العسكرية الدائمة وتدريب العملاء وتشكيل الميليشيات الموالية لها مع التركيز على تطوير أساليب القمع ضد الشعب العراقي الصامد بالتقتيل وهدم البيوت واعتقال عشرات الآلاف من أبنائه بعد عمليات مداهمة وما يصاحبها من انتهاكات فضيعة. وبالموازاة مع ذلك تلوّح من حين لآخر بإجراء "انتخابات" وبـ"إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة في إدارة شؤون العراق" وبـمنح هذه الطائفة أو تلك بعض الامتيازات، وإطلاق سراح بعض المعتقلين بعد مشاورات مع زعماء قبليين… وكل هذا يصب في اتجاه تغذية النزعات الطائفية والتغطية على المشكلة الحقيقية التي يعاني منها الشعب وهي الاحتلال وما سببه له من مآسي للعراقيين ولكل شعوب المنطقة.

وقد تزامنت ترتيبات ما قبل "تسليم السيادة للعراقيين"، مع تصعيد في المقاومة ضد المحتلين خاصة مع بداية شهر أفريل واقتراب الذكرى الأولى لسقوط بغداد. وأعادت مشاهد جثث الجنود الأمريكان المرمية في شوارع ضواحي بغداد وسط غضب الأهالي الذين وصلت بهم النقمة إلى حد تعليق هذه الجثث على الجسور وجرها على الطرقات، أعادت هذه المشاهد إلى الأذهان ما لقيه الغزاة الأمريكان في مقديشو وهم يندحرون هربا من نيران المقاومة الصومالية. وبدأ العديد من الملاحظين يتحدثون عن بداية نهاية الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عجزهم عن البقاء في أماكن مثل الفلوجة التي اعتبرها البعض بوابة طرد المحتلين من أرض الرافدين. وتسارعت الأحداث في الأيام الأولى من شهر أفريل لتؤكد أن بقاء الأمريكان في العراق صار مكلفا أكثر من أي وقت مضى خاصة وأن بعض الأحزاب والشخصيات التي راهنت على الاحتلال بدأت "تغسل أيديها" من هذا الرهان الزائف وتلتحق بالمقاومة. وما يحصل اليوم في النجف وفي جنوب العراق يؤشر لاتساع رقعة المقاومة وتحوّلها شيئا فشيئا إلى مقاومة شعبية دائمة ومتواصلة. فعدوى الفلوجة بدأت تكتسح كل العراق، ولم يعد اليوم بإمكان الغزاة وأذيالهم الادعاء أن المقاومة محصورة في أقلية من "أنصار النظام السابق وبعض المجموعات الإرهابية التي أتت من الخارج"… كما لا يمكنهم الادعاء بأن "كل الطوائف مع الاحتلال ما عدى أقلية سنية في المثلث السني". لقد راهنت عصابة بوش على تهميش المقاومة وتقسيمها وإضعافها عبر إعطائها بعدا طائفيا ودينيا من خلال تغذية النزعات الطائفية واستمالة بعض الطوائف على حساب بعضها الآخر. وقد وجدت في بعض الأحزاب الدينية والطائفية الرجعية في العراق سندا في ذلك. هذه الأحزاب التي لا تمثل الشعب العراقي ولا حتى الطائفة التي تدعي أنها تتكلم باسمها وإنما تعبر عن مصالح أقليات بورجوازية رجعية ارتبطت مصالحها الضيقة بمصالح الاستعمار. فليس كل الأكراد مع الاحتلال وليس كل الشيعة موالين للأمريكان. والادعاء بذلك يهدف إلى تقسيم شعب العراق حسب الطوائف والأديان إضعافا للمقاومة وخدمة لمصالح المستعمرين. فالذين يقاومون الاحتلال في العراق هم من طوائف متعددة ومن قوميات مختلفة وينتمون لأحزاب وتيارات سياسية بمختلف توجهاتها، يجمعهم هدف واحد هو تحرير العراق وطرد المحتل.

إن الهدف الوحيد المطروح اليوم أمام شعب العراق هو تحرير أرضه من الغزاة. وأي عمل يتعارض مع هذا الهدف هو في خدمة المحتلين. لذلك فإن الحديث عن "دستور" وعن "انتخابات" و"نقل سيادة" وعن "تشكيل وزارات"..إلخ كل هذا الحديث لا معنى له في ظل الاحتلال. فالشعب العراق قادر على تقرير مصيره بيده وعلى أرضه بعد تحريرها من الغزاة، بعيدا عن كل وصاية.

يسقط الاحتلال عاشت المقاومة

لا سيادة في ظل الاحتلال

المجد للمقاومة والخزي والعار للعملاء.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني