الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــــــدد 228
القمة العربية بتونس:
فشل قبل الأوان
7 نيسان (أبريل) 2004

فشلت قمة جامعة الدول العربية بتونس قبل انعقادها. ففي مساء السبت 27 مارس، أي ساعات قبل بداية توافد الرؤساء والملوك العرب على العاصمة التونسية، فاجأ وزير الخارجية التونسي زملاءه المجتمعين لإعداد مشروع البيان الختامي بإعلان قرار بن علي تأجيل القمة إلى تاريخ لاحق. فانفض الاجتماع وعاد كل وزير من حيث أتى وانطلق التراشق بالاتهامات ليحمّل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية فشل القمة. كما بدأت مشاورات بين بعض البلدان المشرقية لعقد القمة بالقاهرة في غضون الأسابيع القليلة القادمة احتجاجا على قرار النظام التونسي الانفرادي بتأجيلها.

وإذا كان فشل القمة أمرا منتظرا لفقدان الأنظمة العربية منذ مدة غير قصيرة سلطة القرار وتحوّلها إلى مجرّد دمى بيد القوى الأجنبية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الطريقة "غير التقليدية" هي التي ظلت محل التعاليق الكثيرة. فقد اعتاد الحكام العرب أن يجتمعوا ويصدروا القرارات والبيانات التي تبقى حبرا على ورق في انتظار القمة الموالية التي يكررون فيها أنفسهم إلا إذا طلبت منهم واشنطن تشريع حرب على العراق أو ضغطا على القيادات الفلسطينية. ولكنهم هذه المرة لم يتوصلوا حتى إلى الاجتماع مما يدل على استفحال أزمة هذه الأنظمة وفشلها التاريخي الذريع في معالجة أي من القضايا الساخنة المطروحة في الساحة العربية.

لقد برر النظام التونسي قراره الانفرادي بتأجيل القمة، بحرصه المزعوم على أن تتضمن وثيقة "عهد الوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية" التي كانت مبرمجة في جدول أعمال القمة "الالتزام الواضح بمواصلة الإصلاح الشامل في البلاد العربية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية وخصوصا تعزيز الديمقراطية إلى جانب حرية التعبير ودعم دور المجتمع المدني ورعاية حقوق الإنسان وتعزيز دور المرأة العربية في بناء المجتمع…" والتنصيص على التمسك بـ"قيم التسامح ورفض العنف والإرهاب والتصدي له في إطار التعاون والتضامن الدوليين".

وليس خافيا على أحد الطابع الديماغوجي لهذا الموقف. فنظام بن علي الدكتاتوري البوليسي ليس في موقع يخوّل له إعطاء الدروس في مجال الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان لأي كان بما في ذلك للملوك والأمراء العرب والحال أنه يُشار إليه بالإصبع في العالم كأحد الأنظمة الأكثر عداء لها. وبعبارة أخرى لا يمكن أن ينطلي على أحد أن بن علي أجّل انعقاد القمة العربية بقرار فجئي وانفرادي لشدة تعلقه بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة إلخ.. لذلك فإن سبب تأجيل القمة ينبغي البحث عنه في ما يمكن أن يكون مورس من ضغوط أمريكية على بن علي حتى يكون المدافع عن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الأمريكي في قمة تونس في وجه المحور المصري السعودي المتحفظ على ذلك المشروع سواء باسم الخصوصيات المحلية والثقافية أو بذريعة "أولوية حسم القضايا القومية".

وبالطبع فإن موقف المحور المصري السعودي لا يقل ديماغوجيا عن موقف بن علي. فكما أن هذا الأخير ليس مؤهلا لإعطاء الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان فإن المحور المصري السعودي الغارق في العمالة للامبريالية الأمريكية والذي هو شريكها في مؤامراتها على الوطن العربي. ليس مؤهلا لإعطاء الدروس في مجال الدفاع عن القضايا القومية، ولكنه يريد من خلال موقفه دفع واشنطن إلى المقايضة التالية: تخفيف الضغط في ما يتعلق بموضوع الإصلاحات الداخلية التي تضمنها مشروع "الشرق الأوسط الكبير" والتي يخشى عدد من الحكام العرب أن تعصف بكراسيهم لحاجة واشنطن إلى عملاء جدد أكثر قدرة على الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، مقابل استعداد الأنظمة العربية لقبول مزيد التنازلات على حساب القضيتين الفلسطينية والعراقية خاصة، وعلى حساب السيادة الوطنية للأقطار العربية عامة (قواعد عسكرية، تعاون أمني بدعوى مقاومة الإرهاب إلخ..).إن محاولة المحور المصري السعودي تهميش مناقشة "مشروع الشرق الأوسط الكبير" في قمة تونس سواء لعدم التعرض لبنوده في مشروع البيان الختامي ووثيقة "العهد" والتظاهر بالتركيز على القضايا القومية والحال أن القمة تنعقد أسبوعا بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين وما أثاره من استنكار في كافة الأقطار العربية أو بكل بساطة التغيب عن القمة والمشاركة بوفد من مستوى أدنى (وزير خارجية) هو الذي أثار بن علي فأجّل القمة أو أغضب واشنطن فضغطت عليه كي يفعل ذلك.

ومهما يكن من أمر فالمؤكد أن مصالح الشعوب العربية وقضاياها القومية كانت مغيبة في صراعات الكواليس بين ممثلي الأنظمة العربية التي أكدت للمرة الألف فشلها الذريع في حماية الأوطان وتحقيق الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن انعقاد قمة جديدة بتونس أو بمصر للالتفاف على الفشل الأخير لن يغيّر من واقع الأمور شيئا. وإذا كان من درسٍ على الشعوب العربية أن تستخلصه هو أنه من واجبها أن تأخذ مصيرها بيدها للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية والفاسدة وإنجاز التغيرات الجوهرية التي تنشدها. وعلى القوى الثورية والوطنية في الأقطار العربية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه شعوبها وأن تتضامن وتتساند في وجه الرجعية الحالكة التي جعلت من منطقتنا أكثر مناطق العالم تخلفا مقارنة بما تزخر به من ثروات مادية وطاقات بشرية.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني