الصفحة الأساسية > بديل الشباب > لا لتركيع الاتحاد العام لطلبة تونس
وجهة نظر:
لا لتركيع الاتحاد العام لطلبة تونس
21 كانون الأول (ديسمبر) 2008

تشهد الساحة الجامعية اليوم تباينا في المواقف حول خوض معركة المجالس العلمية مما خلق حالة من الغموض و التشويش في الوسط الطلابي وسط تضارب بين طرحي المشاركة والمقاطعة...

ولكي نفك الغموض و نبتعد عن الأحكام الاطلاقية في تحديدنا للخطوة المناسبة لمتطلبات الحركة والواقع، فمن جهة يجب أن نقر بأن المشاركة و المقاطعة يمكن أن يكونا شكلان نضاليان لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر و من جهة أخرى لا يجب طرح أحد هذه الأشكال بصورة مطلقة و في كل الظروف ودون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الحاصلة في الواقع المحيط بالاتحاد. بل يجب تحديد الموقف (المقاطعة أو المشاركة)ارتكازا على جملة الظروف السياسية و العملية المؤطرة للعملية الانتخابية و مدى استجابتها للشروط الديمقراطية و لأهداف الاتحاد.

وعلى اعتبار أن الاتحاد العام لطلبة تونس منظمة نقابية ممثلة للطلبة ومعبرة عن مصالحهم و الناطقة باسمهم أمام السلط كما ينص على ذلك قانونها الأساسي. فإن القبول بالدخول في رهان انتخابي على "مقاعد" في مؤسسة تمثيلية أخرى هي المجلس العلمي يعد تنازلا فرضه واقع القمع و الإلحاق و المحاصرة الذي عاشه الاتحاد العام لطلبة تونس لأن الأصل أن الاتحاد هو من يعبر عن الطلبة و ليس المجلس العلمي وإن تواجد – أي الاتحاد- في أي مؤسسة تمثيلية فيجب أن يتواجد بصفته كاتحاد أي عبر ممثلين قارين عن نقابة الطلبة للتعبير عن موقف المنظمة من كافة القضايا المطروحة على الساحة الجامعية وليس بوصفهم طلبة مثلهم مثل طلبة الحزب الحاكم.ولأن لكل مرحلة مقتضياتها و أشكال النضال الملائمة لها فإن السلطة و رغم جوهرها اللاديمقراطي و اللاشعبي و طبيعتها الديكتاتورية تغير في أشكال القمع (الديماغوجيا، الاحتواء، الإختراق، الانقلاب، الطرد، التجميد، السجن، النفي، الاغتيال، القتل الجماعي) وتخفض أو تصعد من وتائره حسب مصالحها و مقتضيات المحافظة على مواقعها، و ميزان القوى الذي يفرزه الصراع الدائر صلب المجتمع في تلك اللحظة.

ولأن لكل مرحلة من هذه المراحل مقتضيات و متطلبات و أشكال النضال الملائمة، فإنه يصبح من البلاهة السياسية القول بأن هناك شكل ثابت وواحد لمواجهتها!! إن وتيرة القمع متغيرة و هوامش التعبير و ما يصاحبها من مؤشرات إنغلاق أو انفراج في المناخ السياسي ليست أمرا ثابتا و مستقرا بل العكس من ذلك فالواقع في حركة دائمة و العناصر الحية داخل المجتمع تحدد أشكال الرفض و تبتدعها و تختار حسب تجربتها الخاصة ما يخدم الحركة و ما يستجيب لمتطلباتها وليس بالاحتكام إلى منطق العادة، و إن أردنا البحث في الموضوع من زاوية القاعدة و الاستثناء فإن القاعدة أن الاتحاد المنتخبة هياكله من قبل منخرطيه "الطلبة" هو الممثل الشرعي الوحيد لعموم طلبة تونس. والعلاقة بين الاتحاد و سلطة الإشراف لا يمكن أن تكون علاقة ثابتة بل هي متغيرة تتراوح بين التفاوض و الاحتجاج.

إن المتأمل في الوضع السياسي و الاجتماعي بالبلاد يلاحظ دون عناء أن مرور الحركة الاجتماعية من واقع دفاعي سلبي إلى فك ارتباطها ولو جزئيا بالضوابط و الموانع التي تفرضها الدكتاتورية تسقط في الماء كل التقديرات التي لا ترى تغيرا نوعيا في الواقع. فالتكثيف من عسكرة المناطق المتململة و دفع الدكتاتورية بالأمور إلى حد المواجهة المسلحة للتحركات السلمية و رمي القيادات النقابية و الشعبية للحوض المنجمي في السجون و الزج بهم في محاكمات لا تستجيب للشروط الدنيا تراوحت فيها الأحكام بين عامين و عشر سنوات ناهيك عن تواصل سياسة الطرد و التجميد و التأديب لمناضلي اتحاد الشغل بسبب مواقفهم المناهضة لسلوك السلطة و المعارضة للبيروقراطية. و مثله مثل بقية مكونات المجتمع المدني من أحزاب و منظمات و جمعيات المحاصرة و الملاحقة( الرابطة ممنوعة من عقد مؤتمرها، انقلاب على جمعية القضاة...) نال الاتحاد العام لطلبة تونس نصيبه من القمع ونصبت لمناضليه مجالس التأديب و أطردوا من مقاعد الدراسة و حوكموا بتهم واهية و ملفقة بهدف ثنيهم عن النضال صلب الاتحاد. و حرم كذلك الاتحاد العام لطلبة تونس من التمويل العمومي و منع من عقد مؤتمره الموحد في مناسبتين كل ذلك كي تسكت السلطة كل الأصوات الناشزة عن جوقة الولاء والتأييد سنة الانتخابات الرئاسية، حيث يمثل انجاز المؤتمر خطوة أولى و أساسية في استنهاض الحركة الطلابية وجعلها على المدى البعيد حركة احتجاجية ستلتقي موضوعيا مع مثيلتها الشعبية و هو ما يشكل خطرا بالنسبة للسلطة حيث يمكن أن يشكل التحام الحركة الطلابية و الحركة الشعبية تهديدا حقيقيا لوجودها.

تندرج المجالس العلمية في هذا السياق المعقد بما يفسر جملة الخروقات الإدارية و القانونية التي صاحبت الإعلان عنها (تحديد موعد الانتخابات قبل يومين من العطلة، تحديد مدة الاقتراع ب4 ساعات فقط، إزالة مقعد من المرحلة الأولى...). إن تضافر جملة العوامل السياسية التي يتحرك في إطارها الاتحاد و المتسمة بالقمع و الحصار مع جملة الإجراءات الإدارية المخلة جوهريا بأدنى مقومات التنافس الديمقراطي الذي يحرم أغلب الطلبة من ممارسة حقهم في الانتخاب مما يفسح المجال للطلبة الدساترة للاستفراد بالعملية الانتخابية و التحكم في نتائجها ناهيك أنه في السنوات الأخيرة أصبحت المجالس العلمية فرصة لهم لتجييش مليشياتهم قصد تصفية حساباتهم مع مناضلي الاتحاد و إدخال الجامعة في دوامة من العنف و إعطاء فرصة للإدارة لعقد مجالس - محاكم - تأديب تصفوية، و لتدخل البوليس لقمع الاحتجاجات. فإذا أضفنا إلى جملة العوامل سالفة الذكر، خروج الاتحاد نسبيا من أزمة الشرعية و حالة الانقسام و التشتت و هيكلة أغلب الأجزاء الجامعية، وجب التكيف مع الوضع الجديد والقطع مع عقلية التكالب على مواقع أقصاها استشاري و صوري بحثا عن شرعية زائفة. وهذا يؤكد أن المشاركة بتعلة أنه لا جديد اليوم تحت الشمس هي مقولة واهية و متداعية من الناحية السياسية و جوهرها تبريري و محافظ. فالوضع اليوم لا يتطلب استنساخا لمواقف قد تكون سليمة في ظرفية سابقة و متخلفة عن متطلبات الواقع في هذه اللحظة بقدر ما يتطلب الارتقاء بالممارسة النضالية للاتحاد و الدفاع عن مضامين أكثر ثورية قادرة على استيعاب مشاكل الواقع و تقديم حلول ثورية لتناقضاته.

ومن هذه الزاوية تبدو المقاطعة أكثر المواقف ملائمة من حيث قدرتها من جهة على حمل مضامين الاحتجاج و الرفض لسياسة تركيع الاتحاد و إذلاله ومن جهة أخرى أكثر تجذيرا لشعارات الحركة و تحديدا لمزيد تكريس القطيعة السياسية و التنظيمية مع الحزب الحاكم. إذ أن القبول بالمشاركة في انتخابات المجالس العلمية هي القبول بالنتائج التي ستقررها الانتخابات (أي من سيمثل الطلبة الاتحاد أم السلطة؟) و القبول بالشروط المذلة و المهينة للاتحاد. وهنا تكمن خطورة اجترار موقف المشاركة و هنا أيضا تكمن وجاهة و جدية موقف المقاطعة.

إن المقاطعة التي نريد هي مقاطعة جدية و مسؤولة تعمق الوحدة النضالية بين الأطراف المشاركة في مشروع التوحيد في سياق الاحتجاج على حالة المنع و المحاصرة التي يعيشها الاتحاد العام لطلبة تونس، وتدعم استقلاليته في وجه أعدائه التاريخيين و ذلك عبر فضح هذه المهزلة الانتخابية و تبيان طابعها اللاديمقراطي و التشهير بدور السلطة في تفكيك الجسم الجامعي و إدخاله في حالة من الفوضى عبر إسقاط البرامج اللاشعبية واللاوطنية ومنع العمل السياسي و النقابي وضرب حرية البحث العلمي و الأكاديمي.

إن انتهاج مقاطعة نشيطة بمثل هذه الآليات المناضلة والهجومية لا يمكن أن تعد تنازلا و إخلاء مواقع للطلبة الدساترة بل دفعة سياسية تعزل الحزب الحاكم و توحد الصفوف في اتجاه عقد المؤتمر الوطني الموحد مستقلا مناضلا و ممثلا...


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني