الصفحة الأساسية > البديل الوطني > المنظمات غير الحكومية في الدّستور المقبل
المنظمات غير الحكومية في الدّستور المقبل
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

كان انتصاب المنظمات غير الحكومية بالبلاد التونسية يخضع إلى مقتضيات قانون الجمعيات عدد 154 لسنة 1959 المؤرخ في 7 نوفمبر 1959 والمنقح بالقانون عدد 90 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 وبالقانـون عدد 25 لسنة 1992 المؤرخ في 2 أفريل 1992، والذي يشمل الجمعيات التونسية والأجنبية المكونة بالجمهورية التونسية أو بالخارج والراغبة في الانتصاب بها.

وكان تواجد الجمعيات الأجنبية بالبلاد التونسية مرتكزا أساسا على الوداديات الخاصة بمواطني الدول الأجنبية وخاصة منها المغاربية والأوروبية وذلك بهدف العناية بهم والنظر في مشاغلهم الاجتماعية على وجه الخصوص.

لكن هذا الوضع تطور فأصبحنا نجد فيما بعد رغبة في التواجد ببلادنا لجمعيات ذات أبعاد أخرى كالجمعيات الألمانية المعروفة دوليا (مؤسسة فريدريش ابارت، مؤسسة كونراد ادناور، مؤسسة فريدريش نيومان) آو ذات البعد النقابي كاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي أو تلك التي تعتني بالمرأة كمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث أو ذات البعد الإنساني كالمكتب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر.

لكن تواجد هذه الجمعيات والمنظمات ببلادنا شهد تفاوتا في إضفاء الصبغة القانونية على نشاطها ببلادنا حيث تم إبرام اتفاقات مع بعضها وأصبحت تعمل ببلادنا في مجال اختصاصها فيما تم ترك البعض الآخر يعمل ببلادنا بدون أية صبغة قانونية مما جعلها تتعرض لعديد المشاكل الإدارية والمالية من حيث إجراءات الإقامة والضرائب المستوجبة عليها في حين تم رفض تواجد بعض الجمعيات الأخرى نظرا لطابعها الحقوقي الذي من شأنه أن يحرج السلطة القائمة داخليا وخارجيا.

استمرت هذه الضبابية إلى أن تم إصدار القانون الأساسي عدد 80 لسنة 1993 المؤرخ في 26 جويلية 1993 المتعلق بانتصاب المنظمات غير الحكومية بالبلاد التونسية بهدف وضع الإطار القانوني المناسب لانتصاب المنظمات غير الحكومية ببلادنا وفصلها قانونيا عن الجمعيات سواء كانت وطنية أو أجنبية.

غير أن تطبيق هذا القانون الأساسي لم يحل المشاكل التي تعانيها المنظمات الراغبة في الانتصاب بالبلاد التونسية من حيث تمطط الآجال المتعلقة بدراسة ملفاتها، والتي هي اختصاص لجنة وطنية تضم عديد الوزارات، أو من حيث الامتيازات المالية والجبائية التي ترغب فيها والتي بقيت في معظم الأحيان مبهمة وغير واضحة بالنسبة للمتمتعين بها.

إن المحير، مثلما هو الشأن بالنسبة لقطاعي الإعلام والجمعيات، هو سعي البعض إلى سن مرسوم جديد لإدامة حالة التضييق على تواجد المنظمات غير الحكومية بمختلف تفرعاتها ببلادنا وهي التي يساهم بعضها الآن على الحدود التونسية الليبية بمجهودات جبارة في مساعدة بلادنا للإحاطة بأفواج اللاجئين الوافدين على بلادنا.

إن الفرصة مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى إلى القطع نهائيا مع نظريات الجذب إلى الوراء والخيفة والتوجس من أنشطة المنظمات غير الحكومية التي لا يمكن أن تكون إلا مساندا للتنمية ببلادنا ومساهما في النهوض بمبادئ حقوق الإنسان نظرية وممارسة.

إننا في حاجة أكيدة إلى إدراج انتصاب المنظمات غير الحكومية ببلادنا في الدستور المقبل للجمهورية التونسية من خلال جعلها مكتسبا لا يمكن الاعتراض عليه وذلك بالنسبة للمنظمات التي أبانت بما لا يدع مجالا للشك عن سعيها الدؤوب للنهوض بالقيم الإنسانية وجعلت منها هدفها الأسمى.

إن انتصاب هذه المنظمات ببلادنا، خصوصا منها ذات الطابع الإنساني والحقوقي، هو عنصر فعال لمقاومة كل محاولات الجذب إلى الوراء وسعي بعض القوى إلى الرجوع إلى منطق تكميم الأفواه والمتوهمين بامتلاكهم للحقيقة الكاملة والمطلقة.

إن من مصلحة بلادنا دعم وتشجيع كل المجهودات الخلاقة من أجل بناء مجتمع متوافق يعلي من شان الحريات ومبادئ حقوق الإنسان ويحض على التكافل والتراحم بين الناس وينبذ الأنانية المقيتة وحب الذات المرضي ويسعى إلى احترام حرية الآخرين وحقهم في التعبير عن آرائهم ومشاغلهم بدون تهديد أو احتواء.

إن بلادنا كانت ولا تزال رمزا للحرية وداعما أساسيا للمبادرة الحرة ومدافعا عن الإنسان وحاجته في الدفاع عن مكتسباته بلا قيد أو شرط وأي محاولة للكبت أو للالتفاف على الحقوق هو مرفوض بدون أدني شك.

محمد بن الهادي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني