الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > من الشروط الدنيا لأي اتفاق ديمقراطي
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
من الشروط الدنيا لأي اتفاق ديمقراطي

أما بالنسبة إلى النقطة الثالثة المتعلقة بالقواعد الدنيا التي يمكن أن يقوم عليها المشروع الديمقراطي فهي تقابل أساسا بين الديمقراطيين من جهة و"حركة النهضة" و"الإسلاميين" عامة من جهة ثانية. وقبل الخوض في هذه النقطة نرى لزوما التذكير ببعض المبادئ والقواعد التي قادتنا في تعاملنا إلى حد الآن مع "حركة النهضة" رفعا لكل التباس. فإن نحن لم نعقد أي تحالف أو جبهة سياسية مع حركة النهضة فليس ذلك راجعا إلى أسباب إيديولوجية مجردة بل إلى أسباب سياسية تتمثل في أننا لا نعتبر أن الحد الأدنى الديمقراطي الذي ينبغي أن ينبني عليه مثل ذلك التحالف أو الجبهة السياسية متوفر. كما أنه راجع إلى أننا لم نلمس في مواقفها تطورا حقيقيا وجديا يقطع مع أطروحاتها التقليدية الأساسية المعادية للديمقراطية. وعلى هذا الأساس ميزنا في علاقتنا بها بين مستويين، الأول حقوقي يندرج في نطاق مواقفنا العامة والمبدئية المتعلقة بالدفاع عن الحريات ورفض انتهاكها مهما كانت الضحية وهو ما قادنا في رفض القمع الذي تعرّض له أتباع تلك الحركة والمطالبة بإطلاق سراحهم دون قيد أو شرط وتمتيعهم مثلهم مثل غيرهم بحقوقهم السياسية. والثاني سياسي يهم التحالفات وهو مرتبط طبعا بمدى توفر الأرضية المناسبة لذلك، وطالما أن هذه الأرضية لم تتوفر فإننا لم نعقد تحالفا مع "حركة النهضة". ولكن هذا لم يجعلنا نقاطع أي عمل جماعي يهم الحريات يشارك فيه "إسلاميون" إيمانا منا بأنه من الخطأ أن نرفض هذا العمل الذي يمكن أن يعود بالفائدة على الشعب التونسي بسبب تلك المشاركة.

وبما أن مسألة الاتفاق حول حد أدنى ديمقراطي تُثار من جديد وفي مناخ أفضل من قبل فإنه، وكما سبق أن أوضحنا في وثيقة "الأدنى الديمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا" [1]، توجد مسائل أساسية تتعلق بحقوق وحريات دنيا غير قابلة للتصرّف ينبغي أن تشكل المضمون الأولي للنقاش الذي ذكرنا باعتبارها ستكون محددة في ما إذا كان من الممكن إقامة تحالف أو جبهة سياسية حول حد أدنى ديمقراطي. وهذه المسائل هي في رأينا التالية:

أولا: مسألة الحريات الفردية وخصوصا حرية التفكير والمعتقد وعلاقتها بالحريات العامة (بما فيها حرية التعبير والتنظيم والاجتماع والتظاهر والانتخاب والترشح ...) فنحن نعتقد أن لا حريات عامة دون حريات فردية وبشكل خاص لا حرية سياسية دون حرية فكرية وعقديّة. ولا يمكن الحديث عن احترام للحريات الفردية والعامة دون القطع التام مع منطق التكفير.

ثانيا: مسألة المساواة بشكل عام والمساواة بين الجنسين بشكل خاص باعتبار أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه الحديث عن الحرية في المجتمع التونسي دون أن يكون للنساء الحق في التمتع بثمارها على قدم المساواة مع الرجال ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية دون أن يكون النساء طرفا فعالا في بنائها وفي التمتع بثمراتها على قدم المساواة مع الرجال. وإن كان لا بد من وفاق حول هذه المسألة فليس ثمة أقل من الوفاق حول ما اكتسبه النساء في تونس من حقوق في العائلة والمجتمع الواردة في قانون الأحوال الشخصية وغيره من القوانين (إلغاء تعدد الزوجات، حق اختيار الزوج، تحديد سن أدنى للزواج، الحق في الطلاق، الحق في إدارة شؤون العائلة على قدم المساواة مع الرجل، التبني، الحق في الشغل والتعليم وفي تولي كافة المناصب العمومية، الحق في الانتخاب والترشح، حرية اللباس ...). وإن كنا في حزب العمال لا نقف في حدود هذه المكاسب فنحن نناضل من أجل المساواة التامة بين النساء والرجال، قانونا وممارسة، باعتبار ذلك من شروط ديمقراطية حقيقية ومتماسكة.

ثالثا: قضية احترام حقوق الإنسان وفي إطارها احترام الحرمة الجسدية للبشر وفقا لما ورد في المواثيق الدولية وهو ما يثير الموقف المبدئي من العقوبات الجسدية وإطارها التشريعي وخاصة مسألة الحدود.

رابعا: مفهوم الديمقراطية، هل هي نظام سياسي له قواعده الثابتة غير القابلة للتصرف بقطع النظر عن الخلافات المذهبية والسياسية أم هي مجرّد آلية انتخابية ظرفية للوصول إلى الحكم وتطبيق مشاريع يمكن أن تكون منافية لتلك القواعد بدعوى أن "أغلبية الشعب" ترفض تلك القواعد (احترام الحريات الأساسية، اعتبار الشعب مصدرا للتشريع دون أي وصاية عليه، احترام الأغلبية لحقوق الأقلية، إلخ.).

خامسا: مسألة العلاقة بين الفضاء السياسي والفضاء الديني وحدود كل منهما في علاقة بالآخر، حتى لا يقمع السياسي الدين والمتدينين ولا يتسلط الديني على السياسي وبالتالي على المواطنين بدعوى تمثيله لسلطة ربّانيّة فوق الأرض.

إن الموقف من هذه القضايا الخمس على الأقل هو الذي سيحسم ما إذا كان من الممكن التوافق على الحد الأدنى الديمقراطي أم لا باعتباره يشمل قواعد غير قابلة للتصرّف في قيام أي تحالف أو بناء ديمقراطي.

ومن البديهي أن النقاش يمكن أن يشمل قضايا أخرى. ومن بين هذه القضايا مسألة الهوية التي ينبغي التوافق بشأنها على رؤية تحول دون استخدامها ذريعة لضرب حقوق التونسيين وحرياتهم وخصوصا حقوق النساء وحريتهنّ وعدم الالتزام بالطابع الإنساني/الكوني لتلك الحقوق والحريات.

ومن البديهي أيضا أن أي توافق يحصل لا يمس من استقلالية أي طرف كما لا ينفي الصراع حول القضايا الأخرى الخلافية المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية التي تتباين فيها الرؤى والبرامج والمقترحات.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني