الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > وحدة العمل لا تطمس الخلافات ولا تنفي العمل المستقل
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
وحدة العمل لا تطمس الخلافات ولا تنفي العمل المستقل

ومن الطبيعي أنه يحق لأي ديمقراطي أن يحتاط وهو ينخرط في أي عمل مشترك ضد الدكتاتورية من محاولات الاحتواء والتوظيف ولكن ينبغي أن لا يتحول ذلك إلى ذريعة لرفض العمل الجماعي. فالالتقاءات حول مطالب أو مهام معينة في ظرف من الظروف ليست مسألة نابعة من الرغبات الذاتية ولكن الواقع الموضوعي هو الذي يفرضها على كل الأطراف. وعلينا أن ندرك أنه ما من طرف ينخرط في عمل مشترك إلا وله حساباته التكتيكية والاستراتيجية. وهذا هو جوهر العمل السياسي. ولكنّ المهمّ بالنسبة إلى أي ديمقراطي متماسك هو أن يحرص على أن تكون أرضية سليمة ديمقراطية وأن يكون الالتزام بها شرطا أساسيا للانخراط في ذلك العمل. فلا يمكن مثلا الالتزام بالدفاع عن الحريات السياسية في إطار العمل الجماعي والقيام بما ينافي ذلك في العمل الخاص حزبيا كان أو جمعياتيا أو شخصيا، مثل مهادنة السلطة أو محاولة عقد صفقات انفرادية معها على حساب الاتفاقات المشتركة أو التهجّم على هذه الحرية أو تلك مثل حرية التعبير وذلك بتكفير من يمارسها بدعوى أنه مسّ ما يعتبره هذا أو ذاك من باب "المحرّمات" . لذلك ومن أجل ضمان نجاعة أكبر لوحدة العمل حول الحريات لا بد من تعميق النقاش حولها وحول محتوياتها وآليات الالتزام بها.

وإلى ذلك فإن الالتقاء حول أهداف معينة لايعني طمس الخلافات القائمة بين الأطراف المعنية ولا تجاهلها أو وقف الجدال حولها كما يتوهم البعض. فالخلافات بين حزب العمال وحركة النهضة لا تزال قائمة ولن يزيلها عمل مشترك حول الحريات. وهو ما نقوله أيضا عن خلافات حزب العمال مع الأطراف الليبيرالية والإصلاحية المساهمة في هذا العمل. ولكن هذه الخلافات لا تنفي وحدة العمل المحققة حول الحد الأدنى والتي فيها مصلحة للجميع. وبعبارة أخرى فإن وحدة العمل هذه لا تعني تفريط كل طرف في ذاتيته واستقلاليته ولكن المطلوب أن لا يضر ذلك أرضية العمل المشترك.

كما أن العمل المشترك على واجهة الحريات لا ينفي حق الأطراف القريب بعضها من بعض في عقد تحالفات أوسع لأن الواقع لا يتطلب تدخلا في مجال الحريات فحسب بل كذلك في المجالات الاجتماعية والثقافية والقومية والدولية.

إن اليسار الديمقراطي التقدمي مثلا من حقه أن يتكتّل على أرضية خاصة. ولكنّ ذلك لا يمنعه، بل يوجب عليه الانخراط في جبهة العمل من أجل الحريات والعمل على أن يكون فاعلا فيها، طليعيا بصحة مواقفه وسلامة مقترحاته وتطابق أقواله مع ممارساته. إن القيادة في العمل الديمقراطي المشترك لا تهدى ولا تفتكّ بل يقع إحرازها عن جدارة بالنضال الميداني.

وخلاصة القول إن من لا يدرك اليوم أهمية الحفاظ على وحدة العمل المحققة في إضراب جوع 18 أكتوبر 2005 حول الحريات ويحاول عرقلتها لهذا السبب أو ذاك فإنه يضيع في حقيقة الأمر فرصة على الحركة السياسية كي تطور فاعليتها في مواجهة الدكتاتورية كما يضيع فرصة على الشعب التونسي كي يتقدم خطوة على درب تحرره من كابوس هذه الدكتاتورية الغاشمة ويضيع فرصة على الحركة الديمقراطية والتقدمية ذاتها كي تطبع ذلك التحرّر بطابعها.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني