الصفحة الأساسية > البديل العربي > هل بدأ الربيع العربي يتحول الى موجة «شهيلي» أصولية ؟
هل بدأ الربيع العربي يتحول الى موجة «شهيلي» أصولية ؟
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
مصطفى عبد الجليل يبشر الشعب الليبي بنظام ظلامي

تتطلع الشعوب العربية الى الديمقراطية ، وهي تطلعات مشروعة عبّرت عنها الثورة السلمية بتونس ومصر في بداية السنة الحالية في ما أطلق عليه بداية موجة «الربيع العربي» - استعارة غربية عن ربيع «براغ» في الكتلة الشرقية- التي شملت فيما بعد المغرب الأقصى (حركة 20 فبراير) ومظاهرات الشباب الجزائري وثورة الشعب اليمني المستمرة منذ أشهر رغم محاولات علي عبد الله صالح جرها نحو مستنقع الحرب الأهلية. وما يميز هذه التحركات أنها سلمية وتعارض النظام وتوجهاته وتعمل على إيجاد ميزان قوى داخلي يعجل برحيل هذه الأنظمة لتحقيق انتقال ديمقراطي.

لكن هذه التطلعات الديمقراطية المشروعة قفزت عليها بعض القوى الأصولية التي أصبحت مقتنعة أن المرحلة التاريخية الراهنة مرحلتها وبالتالي فرصتها للوصول الى السلطة مهما كانت الأطراف التي تساعدها على تحقيق هذه الغاية حتى وإن كانت الغرب الامبريالي ممثلا في حلف شمال الأطلسي.

مخطط امبريالي رجعي

وهذا ما حصل في ليبيا حيث كان إسقاط نظام العقيد القذافي إنجازا لحلف الناتو بتنسيق مع عناصر سياسية (منها مصطفى عبد الجليل ذاته) وعسكرية (من بينها العقيد يونس جابر الذي قتل في ظروف غامضة) من النظام السابق نفسه وقوى «أفغانية « أصولية وتمويل سخي من «راعية « الديمقراطية بالوطن العربي إمارة قطر التي لا يخفى على أحد شبكة ارتباطاتها العسكرية والسياسية بالكيان الصهيوني وبالولايات المتحدة الأمريكية وبتغطية على مدار الساعة من قنوات مشبوهة الأدوار على رأسها قناة الجزيرة التي كشف تقرير لويكيلكس أن مديرها السابق وضاح خنفر كان يعمل لحساب وكالة المخابرات الأمريكية، ساهمت في التلاعب بالعقول وبالمواقف لفائدة هذا التحالف الذي استغل الوضع بالمنطقة للقفز على الطموحات المشروعة لشعوبها.

ان معارضة من هذا النوع لا يمكن وصفها بالوطنية ما دامت تستعين بالغرب الامبريالي لتغيير ميزان القوى في صراعها مع الأنظمة لفائدتها دون تمييز بين النظام (الذي من المشروع معارضته) والوطن (الذي يخطط هذا الغرب الامبريالي لاستباحة ثرواته). ويبدو أن الدور قد جاء حاليا على سوريا حيث يحث «الإخوان المسلمون» القوى الغربية على التدخل في بلادهم للتخلص من نظام بشار الأسد والحال أن الشعب السوري قادر لو يحافظ على الطابع السلمي لثورته على تغيير النظام.

الظلامة تتهدد ليبيا والمنطقة

وبالمقابل فإن هذه القوى تتحين مثل هذه الدعوات للتدخل تحقيقا لمخططات إقليمية جاهزة تكون أدوات تنفيذها الداخلية هذه المرة تنظيمات أصولية ماضوية على غرار الجناح المهيمن داخل المجلس الانتقالي الليبي الذي كشف رئيسه مصطفى عبد الجليل في خطابه بمناسبة ما اعتبر «تحرير» ليبيا عن مضمونه الرجعي الظلامي بإعلانه لمجموعة إجراءات (من بينها إلغاء تعدد الزوجات) دون استفتاء للشعب ودون هيئات منتخبة يحق لها وحدها إقرار أية تشريعات. وما حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في المدن التي دخلها «ثوار الناتو» وما صاحب عملية اعتقال القذافي وابنه وقتلهما بطريقة بشعة بل حتى القبور والأضرحة تمت استباحتها، كلها علامات تنبئ بطبيعة هذا المشروع وما يحمله من تهديد للشعوب لا فقط في ليبيا بل للمنطقة جمعاء بزحف لممارسات وقيم خلنا بعد أكثر من نصف قرن من محاولات التحديث – حتى وان كانت مشوهة- أننا قطعنا معها إلى الأبد.

إن القوى الامبريالية أصبحت مستعدة اليوم لاحتضان هذه المشاريع اللاوطنية والظلامية ما دامت تمكنها من تحقيق مخططاتها وما دامت تحافظ لها على مصالحها ولا تمس بجوهر التحالف الطبقي الحاكم وبالمقابل فإن الحركات الإسلاموية التي تستعجل الوصول إلى السلطة لا تهمها الوسيلة ما دام التدخل الأجنبي يحقق لها هذه الغاية وإن كان الثمن تدمير قدرات الوطن وسلب إرادته ونهب ثرواته مستقبلا . فقد قدرت تكلفة عملية إعادة أعمار ليبيا بنحو 400 مليار دولار ستكون في جلها من نصيب الشركات الأمريكية والفرنسية والبريطانية إذ أكد المجلس الانتقالي الليبي أن الأولوية في الصفقات المقبلة ستكون للدول الغربية بينما ستتكفل قطر بقيادة تحالف عسكري جديد للبقاء في ليبيا.

هكذا اذن بدأت الأطراف الاقليمية (الخليجية أساسا) والدولية (الغرب الامبريالي) تسير بالربيع العربي نحو موجة «شهيلي» ماضوية أصولية مادامت تحافظ لهذه الأطراف على أدوار طالما خططت لها (القوى الامبريالية) أو سعت إليها (إمارات الخليج).

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني