الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أيّ دور للجيش التونسي في ظلّ «النموذج التركي» ؟
أيّ دور للجيش التونسي في ظلّ «النموذج التركي» ؟
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

في الأشهر الأخيرة وخاصّة بعد حصول «حركة النهضة» على الأكثريّة النسبيّة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، برزت على الساحة السياسيّة والإعلاميّة عبارة جديدة تتمثّل في «النموذج التركي» ، هذا النموذج الذي طالما قدّمه قادة «النهضة» على أنّه الحلّ المثالي لتحقيق الازدهار والتقدّم السريع للبلاد في المرحلة القادمة باعتباره، حسب تعبيرهم، يوفّق بين الإسلام والديمقراطية والاقتصاد. ومن خلال هذا «النموذج التركي» تُطرح مسألة دور الجيش التونسي في المرحلة القادمة. وهل أنه سيلعب نفس الدور الذي لعبه ويلعبه الجيش التركي في السياسة التركية؟

رشيد عمار تعهد بحماية الثورة ، فهل يتعهد بحماية علمانية الدولة؟

لقد كان ومازال الجيش التركي يلعب دورا أساسيّا في ما يُسمّي «حماية العلمانيّة» أو «العقيدة الكماليّة» في تركيا نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك مؤسّس الجمهورية التركية العلمانيّة بعد أن وضع حدّا لدولة الخلافة العثمانيّة سنة 1923. وقد يري البعض أن طرح مسألة دور الجيش التونسي في ظلّ هذا النموذج ومقارنته بدور الجيش التركي هو من قبيل الاستنساخ الأعمى للأفكار لأنّ تركيا هي تركيا وتونس هي تونس، ولكن إذا نظرنا إلى المسألة بعمق يمكن أن نرى عديد التطابقات الجوهرية الّتي تدعو إلى طرح المسألة بجدّية.

الجيش التركي: تاريخ حافل بالانقلابات وولاء دائم للغرب

لا أحد ينكر أنّ الجيش التركي يختلف في تقاليده وتاريخه من حيث عضويّته في حلف الناتو وقيامه بعديد المهمات تحت راية الأمم المتحدة إضافة إلى رصيده الحافل بأربعة انقلابات قام بها خلال أقلّ من 40 عاما، وأول الانقلابات وأكثرها دموية جرى في 27 ماي 1960 عندما أطاح الجيش بحكومة عدنان مندريس بعدما وُجّهت له اتهامات بالسماح للقوى الدينية بالعمل بحرية بحيث حوكم وأعدم مع ثلاثة من وزرائه بتهم غير جدية، وجاء الانقلاب الثاني في الثاني من مارس 1971 لحماية الحسابات الأمريكية حيث شهدت البلاد صراعات بين القوى اليمينية (الإسلامية والقومية) المدعومة من الدولة وواشنطن من جهة وبين القوي اليسارية من جهة ثانية والّتي كادت تتحوّل إلى قوّة جدّية في الشارع التركي بعد أن قامت بعمليات مسلحة استهدفت القواعد الأمريكية وقتلت القنصل الإسرائيلي في إسطنبول، وحدث الانقلاب الثالث في سبتمبر 1980 وسط ظروف داخلية مماثلة لكن هذه المرة بأبعاد إقليمية، حيث كانت تركيا تعيش ظروف التمرد الكردي في جنوب البلاد بالإضافة إلى صعود القوى اليسارية، أما الانقلاب الرابع فجرى في فيفري 1997 وكان انقلابا» نظريا» اكتفى فيه الجيش بإخراج الدبابات إلى الشوارع في أنقرة ليضطر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى الاستقالة بعد أن حاول القيام بإجراءات لتغيير معالم أساسيّة في النظام العلماني التركي.

ولا يمكن لأحد أن ينكر وفاء الجيش التركي للولايات المتحدة الأمريكية خاصّة منذ انضمامه إلى حلف شمال الأطلسي سنة 1952، فهو «الضامن لعلمانيّة النظام التركي» وعدم ميله نحو الراديكاليّة سواء يمينا أو يسارا وهو أيضا حريص على أن لا تنحاز تركيا نحو الشرق باعتبار الوجدان الديني والحضاري العميق والمشترك بينها وبين البلدان العربية والإسلامية، وحتى وإن لاحظنا انحياز تركيا نحو الشرق والعالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة فهو لا يخرج عن كونه مجرّد خطابات سياسيّة لخدمة مشروع التوسّع الاقتصادي التركي بقيادة أردوغان. كلّ هذا حفاظا على المصالح الأمريكية والغربيّة وأمن إسرائيل في المنطقة. فالمسألة تتجاوز «حماية العلمانيّة» كمصطلح مُسقَط، بل الحقيقة أن الجيش التركي يسعى أساسا إلى حماية المصالح الاستراتيجيّة الأمريكية والغربية في المنطقة إضافة إلى تحقيق أمن إسرائيل.

الجيش التونسي: الوفاء للنظام القائم مع مشاركة فعالة في الثورة

أما الجيش التونسيّ فتاريخه وطابعه يختلفان نوعا ما، فلقد كان يميل إلى الوفاء للنظام القائم باستثناء محاولة الانقلاب الّتي قام بها الأزهر الشرايطي سنة 1962 والّتي تمّ الكشف عنها وحوكم وأعدم على إثرها سنة 1963. ولقد ساهم الجيش التونسي في قمع الإضراب العام سنة 1978 وانتفاضة الخبز سنة 1984 والتدخل الحاسم لإحباط عملية قفصة المسلحة سنة 1980، كما كان منحازا إلى نظام بن علي خاصّة في التصدي إلى الحركة الإسلامية وكل حركات المعارضة والاحتجاجات الشعبية وخاصّة أحداث الحوض المنجمي سنة 2008.

ولا يمكن لأحد أن ينكر تعامل الجيش التونسي مع الولايات المتحدة من خلال التسلّح والمناورات العسكريّة خاصّة في فترة حكم بن علي.

أيّ مستقبل للجيش في التأثير على المشهد السياسي التونسي؟

إذن، بالرغم من وجود اختلافات بين تركيا وتونس فهذا لا يمنع وجود تقاربات جوهريّة من حيث الوجدان العربي الإسلامي للشارع التونسي الّذي لا يختلف كثيرا عن نظيره التركي، دون أن ننسي الصراع (يمين - يسار) الّذي عاشته تركيا وتعيشه تونس أيضا، هذا إضافة إلى موقع تونس الّذي لا يقلّ في أهمّيته الاستراتيجية عن موقع تركيا الّذي يكتسي أهمّية بالغة لدى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وإسرائيل.

كما أنّه لا يخفي على أحد أن وجود حزب ذو مرجعيّة دينية مهيمن على الحياة السياسيّة في تونس يجعل النظام مؤهّلا للميل نحو الراديكاليّة الإسلامية أو نحو القومية مع مرور الأيام خاصّة لو توفر المناخ المناسب لذلك من تغيرات أو تقلبات إقليمية أو عالمية على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي.

كلّ هذه العوامل تجعل مسألة الدور المستقبلي للجيش التونسي في الحياة السياسيّة مطروحة بجدّية هذه الأيام، لأنّه لا يخفى على أحد أن الديكتاتورية البورقيبية والبنعليّة كانت حاسمة وفاعلة في فرض نظام ونمط إنتاج معيّن يرضي العالم الغربي ومشتقاته، أما في ظلّ دخول تقاليد جديدة على تونس المتمثلة خاصّة في «ديمقراطية صناديق الاقتراع» الّتي قد تفرز في المستقبل نظاما سياسيا ونمط إنتاج لا يرضي الغرب ومن تبعه، فالمعطيات ستتغيّر جذريا خاصّة وأنّ الصراعات التي سمّاها البعض (يمين – يسار) أو (إسلام – حداثة) مرشّحة للتصعيد «بالمعنى السياسي» مستقبلا. فهل سيتدخّل الجيش في السياسة وتحديد شكل الأنظمة السياسيّة مستقبلا؟ وهل سيؤثر على الاتجاهات التنمويّة للبلاد؟ تساؤلات ربما ستجيبنا عنها الأيّام.

يوسف بلحاج رحومة



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني