الصفحة الأساسية > البديل الوطني > نصيب قائمات البديل الثوري بين الفشل الانتخابي والانتصار السّياسي.
نصيب قائمات البديل الثوري بين الفشل الانتخابي والانتصار السّياسي.
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

لقد قيل الكثير عن مناقب انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وما رافقها من حوار وجدال حول نزاهتها أو عدمها، إلا أنها وفي رأيي، وبالمقاييس التونسيّة، كانت خطوة جيدة إلى الأمام في العملية السياسية، وترسيخ الديمقراطية في تونس الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديمقراطية التونسيّة مازالت ناشئة وجديدة على المجتمع التونسي، وأنها في كل مكان وزمان، لا تولد متكاملة وسوف لن تكتمل، بل هي عملية تراكمية مستمرة تنمو مع نمو وعي الشعب وتحضره، وهي (الديمقراطية) مثل السباحة، لن يتعلمها الشعب بقراءة الكتب والمحاضرات، بل عن طريق الممارسة والتربية، ولا بد من وقوع أخطاء.

حزب العمال... نتائج مخيّبة للآمال

من المؤسف أن النتائج جاءت مخيبة لآمال القوى اليساريّة ومنها حزب العمال الشيوعي التونسي المعروفة بمواقفها الوطنية المناهضة للدكتاتوريّة والمنادية بإسقاط الأنظمة الاحتكاريّة والدّاعمة لمصالح الطبقات المهيمنة اقتصاديّا، إذ لم يحصل هذا الأخير إلاّ على ثلاث مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي، بينما حصدت أحزاب يمينيّة أخرى معظم المقاعد. وقد اختلف المعلقون والسياسيون في تفسير أسباب خيبة أمل قوى التيار اليساري، والتي يمكن إيجازها بما يلي:

الدعاية والإعلام... في صالح من؟

قد يتساءل أحدكم في عز السباق الانتخابي متعجبا: لماذا تطرح كل القائمات المترشّحة البرنامج نفسه والشعارات نفسها؟ إذ أنّ كلّ المرشـّحين الذين شاركوا في الانتخابات طالبوا بدرجة أو بأخرى بزيادة الأجور والمعاشات التقاعدية وبتعزيز قدرات الدولة وبفرض ضرائب إضافية على أصحاب المال... وقد جاءت النتيجة على قدر الجهد. تصور معي أيها القارئ أن هناك سلعاً معروضة في دكان سعرها واحد تقريبا. فأي منها سيباع أكثر؟ بديهي أنه سيكون ذاك الذي يحظى بدعاية أكبر.

وهنا بالذات يكمن سبب الفشل الانتخابي لحزب العمال الشيوعي التونسي. إذ كان من البيّن أنّ جلّ وسائل الإعلام الرسميّة تجاهلت حزب العمّال، بل وعمدت أحيانا إلى تشويهه وإحراج مناضليه وإرباكهم بإثارة قضايا لا تمثـّل مشاغل المواطن التونسي وجرّت الحزب إلى الدّفاع عن أنفسهم بدلا من عرض مشروعهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فمقدّمي البرامج ومعدّيها يتسابقون لطرح أسئلة من شأنها أن تبعد دائرة اهتمام المواطن التونسي عن قضاياه الأساسيّة والجوهريّة وإثارة خلافات عقائديّة شوّهت الحزب وشوّهت ممثـّليه. وهذه الديماغوجيا لطالما مارستها الأنظمة الديكتاتوريّة.

قضية الاسم والأيديولوجيا

يذكر أنّ هناك من ينتقد حزب العمال الشيوعي التونسي ويعزو سبب فشله في الانتخابات إلى تمسكه بأيديولوجية يراها البعض ما عادت تناسب المتغيرات الحياتية والسياسية، كذلك البعض الآخر يقترح تغيير اسم الحزب ليحظى بالتأييد والقبول لدى الشعب بعد أن استطاعت القوى المعادية أن تشوه ذلك الفكر. وهذا لم يكن جائزا (مع أنّ قيادي الحزب قد ناقشوا مسألة تغيير الاسم) وهنا علينا أن نذكر أنّ هنالك كيانات سياسية وطنية وديمقراطية يساريّة، تحمل أسماء لا تمت إلى الشيوعية بأية صفة، ومع ذلك فشلت هذه الكيانات في الحصول على مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي.

برنامج الحزب... اقتبسه الشعبويّون

لقد أتت جلّ الأطراف السّياسيّة ومعظم المترشحين على تبنـّي نقاط عديدة من برنامج حزب العمال الشيوعي التونسي، بل وسرقة محتواه ليتملـّكوا بعدها على أذهان الناس بالخطاب الفلكلوري. والناخب عموما لم ير أي فرق بين حزب العمال الشيوعي التونسي وأحزاب البورجوازية الكبرى في دكان «انتخابات المجلس الوطني التأسيسي» .

وقد يعترض أحدهم فيقول أن تقنيات قذرة ودعاية رسمية مغرضة وما شابه من الأساليب غير السليمة استخدمت ضد حزب العمّال الشيوعي التونسي، وهذا صحيح إلى حدّ ما. ولكن من قال لكم أيها الرفاق أن عدوكم سيكون شريفاً ونبيلاً؟ هل تعتقدون فعلا أن الرأسماليين لن يلجئوا إلى شتى أعمال التلاعب والتزوير حين يتعلق الأمر بأرباحهم التي هم حريصون كل الحرص على بقائها؟

انهيار المعسكر الاشتراكي

إن انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، أثـّر سلباً على الفكر الشيوعي بصورة عامة في كل مكان من العالم، وتونس ليست استثناءً، ولسان حال المواطن يقول: إذا فشل هذا الفكر في الاتحاد السوفيتي معقل الشيوعيّة، فكيف له أن ينجح في بلد مثل تونس، لذلك فقد هذا الفكر بريقه وجاذبيته لدى معظم الناس. وعلى مطلقي هذه الحجّة أن يراجعوا التاريخ وأن يفتحوا كتابه من الصّفحة الأولى قبل أن يقفزوا إلى فهرس النهاية ليعلموا أنّ الشيوعيّة لم تفشل كما يزعمون لا في الاتحاد السوفييتي ولا في أيّ دولة أخرى تبنـّت هذا المذهب.

تصاعد المد الإسلامي

إن فشل الأنظمة القومية العربية شبه العلمانية، وانهيار المعسكر الاشتراكي، وتفاقم المشاكل المعيشية في البلاد العربية – الإسلامية، ساهم في فسح المجال للإسلام السياسي بملء الفراغ الأيديولوجي، فتصاعدت شعبية الأحزاب الإسلامية في العالم العربي. وكما بينا أعلاه، نتيجة لتعرض الشعب إلى المظالم الفادحة، ولعجز القوى الوطنية الديمقراطية والعلمانية على إنقاذه من الحكم الجائر بسبب شراسة قمع الأنظمة السّابقة، فقد المواطن التونسي الثقة بهذه القوى الوطنية وشعاراتها، وتوجه إلى الله، والدين، والتضرّع للخلاص من المحنة، وهذا ما أفرز بيئة ملائمة، وتربة خصبة لانتعاش الأحزاب الدينية.

التدخّل الخارجي

لا شك أنّ هناك دعما خارجيا، ماليّ وإعلاميّ، للقوى التي فازت في الانتخابات على خلفيّة حماية هذه القوى لمصالح هذه الدّول وتقديم الولاء والوعود والضّمانات الكافية لها بالاستمرار في السياسة الرأسماليّة التي ستؤدّي بعد ذلك لانتعاش اقتصاديّات الدّول الرأسماليّة والامبرياليّة في مقابل تفقير الشعب التونسي وإفراز البطالة وما ينجرّ عنه من أمراض اجتماعيّة أخرى.

انقسام اليسار... واتهامات بالجملة

لم يقتصر اليسار التونسي على الانقسام فحسب، بل عمدت قواه إلى تشويه بعضها البعض وتبادل التـّهم وهذا ما ولـّد لدى العامّة حالة من الإحباط وعدم الثقة في هذه القوى اليساريّة، ومن أهمّ ما اتـّهم به حزب العمّال الشيوعي التونسي ما يلي:

أولا: فشل قيادات الحزب في تحمّل المسؤولية.

هذه التهمة وجهت ضد قيادة حزب العمال الشيوعي التونسي، ولا أريد هنا الدفاع عن أحد، ولكن يجب أن لا نسمح بوقوع الظلم على أحد. فعلى قدر ما يخص أمين عام حزب العمال الشيوعي التونسي، حمه الهمامي، وإنصافاً للحقيقة، فقد أثبت الرجل كفاءة فكرية وسياسية وقيادية في أحلك الظروف، مما استحق عليه كسب إعجاب الكثيرين وقد أثبت التاريخ أنّ حمه الهمامي واحد من أنضج السياسيين التونسيّين الذين ثبتوا في عصر سقوط أنصاف المناضلين ولهثهم وراء المناصب والكراسي.

ثانيا: الادعاء بخطأ المشاركة في العملية السياسية

هذا أيضاً موجه ضد حزب العمال الشيوعي التونسي، حيث انتقد البعض، وخاصة من اليسار المتشنج، قيادة الحزب على المشاركة في العملية السياسية بعد أن هرب الطـّاغية بن علي، وقالوا بضرورة مواصلة الخطّ الثوري ومقاطعة الانتخابات بدعوة أنّ الإصلاح لن يكون عن طريقها. هذا الانتقاد أثبت فشله، لأنّ الواقع قد أثبت أن مشاركة الحزب في العملية السياسية كان واجباً وطنياً، والعزل السياسي ليس حلاً، وليس في صالح لا الحزب ولا الشعب التونسي، بل كان لصالح أعدائه. وحزب العمال لا يمانع في دخول انتخابات من شأنها أن تخلـّص الشعب التونسي من أبشع نظام عرفه التاريخ.

الفشل الانتخابي لا يعني الفشل السياسي

إنّ النتيجة المتواضعة لحزب العمال في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وحسب رأينا، لم تكن فشلا كما فهم البعض بل إنها انتصار سياسي كبير لأنه سيبيّن للجماهير العريضة بطريقة عمليّة وميدانيّة فراغ الأحزاب الفائزة وافتقارها لبرامج إصلاحيّة حقيقيّة تغيّر واقع التونسي وتقطع مع نظام الديكتاتور الهارب. فسيعرف التونسي أخيرا أنّ بعض الأحزاب الفائزة غير قادرة على الذهاب بالإنسانيّة إلى آفاق جديدة وإقامة وطن رحب يتـّسع للجميع بلا فوارق وإعادة الاعتبار إلى الأغلبيّة المفقـّرة دون اعتبارهم وقود للآلة الرأسماليّة.

الاستنتاج

من كل ما تقدم، نستنتج أن سبب النتائج المتواضعة لحزب العمال الشيوعي التونسي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي هو تبنيه للشعارات الوطنية والعدالة الاجتماعية التي هي أساس فكر هذا الحزب منذ التأسيس، والتي فقدت جاذبيتها بسبب تزييف الوعي والتشويش على المفاهيم الوطنية، لكن هذا لا يعني تخلـّي حزب العمال الشيوعي التونسي عن مبادئه، بل يجب عليه الصمود والإصرار والعمل على نشر الوعي الاشتراكي، وزرعه، وترسيخه في أعماق التونسيّين، فمرحلة مدّ الإسلام السياسي، هي مرحلة عابرة فرضتها ظروف موضوعية قاسية جداً، وستزول بزوال هذه الظروف، وعلى الحزب أن يواصل نضاله من أجل تغيير هذا الواقع الطارئ المرير والاستمرار في فضح أساليب النظام الرّأسمالي، فالمستقبل هو للدولة الاشتراكيّة التي يحفظ فيها حقّ العامل البسيط والفلاّح المسلوب، ويكون فيها الدين لله والوطن للجميع.

الطيف الجربي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني