الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أربعة سنوات سجن للفاهم بوكدوس... كيف لمريض الربو في طور متقدم من المرض أن يتحسّن ويشفى (...)
طبيبة تنادي بإخلاء سبيل الفاهم بوكدوس وتمتيعه بالعلاج اللازم:
أربعة سنوات سجن للفاهم بوكدوس... كيف لمريض الربو في طور متقدم من المرض أن يتحسّن ويشفى بين القضبان ولا جرم له سوى أنه تكلم؟؟؟
7 تموز (يوليو) 2010

ماجدة السباعي (Sbai Mejda)

ظهيرة أمس الثلاثاء 6 جويلية 2010 وفي محكمة الاستئناف بمدينة قفصة تم إقرار الحكم الابتدائي في حق الصحفي الفاهم بوكدوس والمتمثل في مقاضاته بأربع سنوات سجنا مع النفاذ على خلفية تغطيته للحركة الاحتجاجية الاجتماعية للحوض المنجمي.

إذن بعد أن تأجل الحكم في قضية الحال عديد المرات نظرا للحالة الصحية الخطيرة للصحفي الفاهم بوكدوس ولتعدد انتكاسات حالته.. لم يهنأ بال النيابة العمومية والقضاء هذه المرة إلا بإقرار الحكم الإبتدائى المذكور سالفا والحال أن المحكوم عليه لم يحضر في بهو المحكمة لأنه ببساطة كان مرميا كالمعتاد على فراش المرض بقسم الأمراض الصدرية في مستشفى فرحات حشاد بسوسة أين يقيم منذ يوم الجمعة الفارط 2 جويلية إلى حد هذه الساعة كان قد توجه من تلقاء نفسه إلى الأقسام الاستعجالية بالمستشفى المذكور بعد أن انتابته أزمة حادة من الربو تسببت له في قصور على مستوى الجهاز التنفسي واختناق كاد يودي بحياته لولا أن الأطباء تدخلوا في الوقت المناسب لإنقاذه ككل مرة قد أمضى ليلة 2 جويلية تحت الرقابة الطبية في وحدة العناية المركزة بقسم الإستعجالي وذلك لعدم شغور في الأسرّة في القسم المخصص للأمراض الصدرية أين يتابع منذ مدة وفي الغد تم نقله إلى هناك بأمر من طبيبه المباشر أين يقومون بمتابعة حالته إلى الآن وأكد الأطباء أنه أصيب بالتهاب حاد في القصبات الهوائية والرئتين تسبب في مشاكل كبيرة آلت إلى عسر تنفس وانتقاص في وظائفه التنفسية وهو الآن يخضع إلى حقن وجرعات كثيرة من المضادات الحيوية والأدوية الأخرى الضرورية ولم تشهد حالته بعد تحسنا يذكر.

وللتذكير فإن الفاهم بوكدوس الذي يقارب عمره الأربعين يعاني من مرض الربو ("الفدّة") منذ 20 عاما أمضاها في أقسام المستشفيات والعيادات وفي تناول الأدوية التي تعالج الربو وتتسبب في انعكاسات جانبية أخرى وخيمة بحكم طول المدة. هذا الكهل الشاب المرح الطيب الصبور يقاوم المرض ولا يتذمر.. ويحسّ بقساوة الإختناق وصعوبة التنفس وحده ولا تفارق الابتسامة شفتيه وهو المحب للحياة رغم كل شىء يحاكم بالسجن لأربع سنوات يعني 1460 يوما وهو في أمسّ الحاجة للعلاج والعناية في مستشفيات تتوفر فيها أدنى التجهيزات والأدوية ووسائل التشخيص والكوادر الطبية المتخصصة ومن حقه المشروع ذلك دون جدل ونقاش أو أدنى شك حسب ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفصل 25 وحسب ما جاء به الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيما يخص الحق في الصحة في الفصل 12 وأيضا حسب ما تؤكد عليه قرارت المنظمة العالمية للصحة كالاتي "التمتع بأعلى مستوى صحي ممكن هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان بلا تمييز سواء على أساس العرق أو الدين أو المعتقد السياسي أو الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية".

هل أن السجون والزنازين هي المكان المناسب لتحقيق الحد الأدنى من المستوى الصحي للفاهم أو لغيره؟؟؟

هل أن الحكم بالسجن على مريض بالربو سيساعد على شفائه؟؟؟ هل أن وجود طبيب في السجن وممرض وبعض الدواء العادي وغرفة صغيرة بمثابة قاعة تمريض خاوية من كل مرافق صحية كاف لإنقاذ حياة بشرية في حالة تأزم قصوى وحادة؟؟؟.. هل أن تواجد مريض من هذا النوع في سجن بعيد عن الأقسام الاستعجالية وأقسام التخصص في المستشفيات الكبيرة لا يمثل خطرا على المريض لأهمية الوقت أثناء التدخل ولأهمية المسافة؟؟؟

كل هذه التساؤلات لا تخطر ببال النيابة العمومية والقاضي..؟؟ في حين أن محامي الدفاع قدموا البيانات الكاملة في التقارير الطبية المصاحبة لملف الفاهم القضائي وقدموا الشهادات الطبية التي تقر حاجته الملحة إلى التداوي والراحة.. وقدموا الوثيقة الإدارية الرسمية وهي شهادة إقامة من إدارة مستشفى حشاد بسوسة.

كل هذا والقضاء لا يبالي.

ولا يفوتني أيضا أن أعرج على أهمية الوضع النفسي للمريض بصفة عامة في تحديد المسار الطبيعي للمرض وما يجدر بالذكر والأطباء يعرفون ذلك أن الربو من الأمراض المعروفة بتفاعلها الضيق والمباشر مع حالات التوتر والاكتئاب وعدم الاستقرار السيكولوجي للمصاب ولا أظن أن الفاهم بوكدوس أو من في وضعه سوف يكون في مأمن من المضاعفات الناتجة حتما ومباشرة عن التوتر وحالة القلق والإحباط الملازمة لنسقه اليومي المليء بالمعاناة.

أنا طبيبة صحة عمومية في أحد مستشفيات سوسة وفي سهلول بالذات عاينت الفاهم بوكدوس أثتاء تواجده أخيرا في استعجالي المستشفى المذكور وفحصته عن قرب وبدقة.. عرفت مدى ارتباط تعدد أزماته بوضعه النفسي وعرفت حجم معاناته ومدى إحساسه بالظلم وأقرّ على مدى تعرضه لخطر محدق في كل لحظة خاصة إذا لم تتوفر الإسعافات الأوّلية في الوقت المحدد وإذا لم تتوفر مادة الأوكسيجين والعقاقير اللازمة لحالته والمعروفة بالكورتيكويد.. كما يتحتم عليّ التذكير أيضا بدور ظروف الإقامة في السجون عامة في تفاقم مرض الربو نظرا لوجود عوامل خطر وهي الرطوبة والحرارة ونقص التهوئة وانعدام النظافة اللازمة وكل هذا من شأنه أن يمثل مؤشرات سلبية لها انعكاسها الوخيم على تطوّر الحالة المرضية.

في الأخير وانطلاقا من موقعي كطبيبة أقسمت يوما ما على الشرف بأن تنقذ الأرواح البشرية في كل الحالات وأن تعالج الأشخاص الذين يحتاجونها وأن تساعد على تكريس الحق في الصحة دون احتساب لأىّ موازين أخرى إلاّ ما خرج عن نطاقنا وأن تحترم الحياة في كل تفاصيلها... وإيمانا مني برسالة الطب المقدسة الهادفة إلى عدم التردد لحظة في تقديم يد المساعدة لأيّ مريض مهما كان.. وأشرك بقية زملائى الكرام في ندائي وأقول لهم .نحن صناع الحياة بعد الله لا نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات الحق في الحياة..

ومن موقعي أيضا أطالب بالكف عن التتبع القضائى للفاهم بوكدوس نظرا لوضعه الصحي وإخلاء سبيله كي يعالج في أمان ويستعيد قواه وأطالب بالتراجح عن الأحكام التعسفية القاسية والتراجع عن التتبعات من طرف البوليس السياسي الذي يحاصره عن بعد وبالتدخل في سير علاجه بطرق غير قانونية فيها مس من استقلالية المهن الطبية وشبه الطبية وإهانة للقطاع الصحي ككل بكافة مقوماته بعد محاولة إخراج الفاهم من المستشفى دون علم الأطباء المباشرين له وهم أساتذة جامعيون.. بمؤامرة خسيسة لأطراف معيّنة سمحت لنفسها باختراق حرمة المؤسسات الصحية العمومية التي أنشئت أساسا للحفاظ على الإنسان في كيانه الكلي وليس للحراسة والعسس والتجاوزات المشينة وهنا ألفت بشدة نظر كل المهنيين في قطاع الصحة لعلهم يدركون ضخامة خطر التغلغل الدخيل في جسد قطاعنا الحساس.

مرة أخرى لابد أن يتمتع الفاهم بحقه في العلاج خارج أسوار السجن وإنما في المكان المناسب وأناشد كل القوى الحية في المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات الحقوقية بالالتفاف حول هذا الحق المشروع وأحيّي بصدق كل المساندين للفاهم ولكافة مناضلي الحوض المنجمي.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني