الصفحة الأساسية > البديل العربي > أسباب الاحتقان الطائفي في العراق
أسباب الاحتقان الطائفي في العراق
28 أيار (مايو) 2005

مثلما كان متوقعا بدأ العراق ينزلق نسبيا نحو حرب طائفية، وهي نتيجة منطقية للسياسة التي اتبعها الاحتلال في هذا البلد. ويمكن حصر الأسباب الرئيسية لهذه الحرب الطائفية في أربعة:

السبب الأول هو الاحتلال الذي خطط منذ البداية لإغراق الشعب العراقي في مستنقع حرب أهلية طائفية تمزّق وحدته الوطنية وتلهيه عن توحيد صفوفه لمواجهة المحتل. فمنذ أن بدأت تحرشات الامبريالية الأمريكية بالعراق في بداية التسعينات وبدأ التخطيط الفعلي لاحتلال هذا البلد عزف قادة البيت الأبيض على الأوتار الطائفية مستغلين تعرّض "الشيعة" في الجنوب و"الأكراد" في الشمال للقمع من قبل نظام صدام حسين. وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكوين ورعاية قادة (الجلبي، البرزاني، الطلباني…) من هذه الطائفة أو تلك ليكونوا أداتها لتنفيذ مخططاتها العدوانية. وعندما وقع احتلال العراق سارع اليمين المتطرف الحاكم في أمريكا إلى توزيع المهام على أساس طائفي لمزيد تأجيج النّعرات الطائفية، مستعملا خطابا موغلا في الطائفية لإيهام الرأي العام بأن المشكلة الرئيسية في العراق ليست في الاحتلال وسياساته وإنما في بعض الأخطاء حول توزيع المسؤوليات بين طوائف العراق. ومن الأمثلة على ذلك ما يتردد اليوم على لسان الاحتلال وبيادقه من كون الأزمة السياسية التي يعاني منها العراق يمكن حلها عن طريق "إشراك السنة في العملية السياسية". وهو نفس الأسلوب الذي تعاملت به الإدارة الأمريكية سواء عند تشكيلها لـ"مجلس الحكم الانتقالي" أو "الحكومة العراقية المؤقتة" أو إجرائها لـ"الانتخابات العراقية" ومحاولتها فرض مؤسسات صورية تابعة لها. فالخطاب الطائفي هو السائد. فلا نسمع إلا شيعة وسنة وأكراد وتركمان..إلخ.

والسبب الثاني هو الأحزاب والقوى السياسية الطائفية الرجعية التي ساندت الاحتلال وسهّلت له الطريق لتحطيم العراق وبسط نفوذه عليه. وتحاول هذه القوى إقناع هذه الطائفة أو تلك بأن مصلحتها ومستقبلها يكمنان في الاحتماء بالاحتلال والاستعانة به للتغلب على ما تسميه "بقايا النظــام السابق" وتحقيق طموحاتها الطائفية الضيقة. وأغلب هذه القوى السياسية يتكلم باسم "الشيعة" في الجنوب أو باسم "الأكراد" في الشمال، مع بعض التنظيمات الأخرى التي تتكلم باسم "السنة". وتعمل هذه القوى بالتعاون مع الاحتلال على تقسيم العراق تقسيما طائفيا وخلق الفتن بين جميع مكوناتها عبر ترويج خطاب رجعي يقسم المجتمع العراقي حسب الدين أو العرق والإقرار بعلوية هذه الطائفة على تلك.

أما السبب الثالث وهو لا يقل أهمية عن الأول والثاني فيتعلق ببعض فصائل المقاومة العراقية التي تستعمل أسلوبا طائفيا في مقاومة الاحتلال، إذ نلاحظ أن بعض هذه الفصائل يحمل ايديولوجيا طائفية يمكن استخلاصها مباشرة من أسمائها مثل "أنصار السنّة" و"أنصار الإسلام" و"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"..إلخ. ولا تتحرّج هذه الفصائل من إصدار الفتاوي التي تجيز استهداف المدنيين على أساس طائفي بدعوى أن هذه الطائفة أو تلك تتعاون مع الاحتلال. وقد تبنت بعض هذه الفصائل عمليات عسكرية استهدفت تجمعات مدنية ودور عبادة وعمليات اغتيال طالت رموزا دينية وعقائدية خاصة بطائفة معينة.

والسبب الرابع يكمن في تدخل دول الجوار في إثارة النزعات الطائفية عبر دعمها لهذه الطائفة على حساب أخرى خدمة لمصالحها الإقليمية الضيقة. وفي مقدمة هذه الدول نجد إيران التي ما انفكت تتآمر على وحدة العراق واستقلاله. وهي تحاول توظيف "الشيعة" لاستعمالهم ورقة ضغط في وجه المارد الأمريكي ومطية لتوسيع نفوذها في المنطقة. كما أن حكومة الملالي في إيران تسعى إلى إنجاح "العملية السياسية" التي يقودها الاحتلال في العراق والتي انخرطت فيها أغلب القوى السياسية المرتبطة بإيران والتي نصبت نفسها ناطقا رسميا باسم شيعة العراق. أما تركيا فإنها تعمل كل ما في وسعها من أجل منع قيام كيان كردي مستقل في العراق. ولتحقيق هذا الهدف فهي تحاول التنسيق مع الاحتلال الأمريكي ومع القوى السياسية الموالية لها في العراق من أجل قمع كل محاولة انفصالية من جانب الأكراد. وقد استغلت الأحزاب الشوفينية الكردية هذا الوضع لتعبئة الأكراد على أساس عرقي وإقناعهم أن حلمهم بقيام "الدولة الكردية المستقلة" يمر حتما عبر الاحتماء بالمظلة الأمريكية لمواجهة التهديد التركي.

ولا ننسى أيضا دول الجوار الأخرى من الدول العربية ودورها في دفع الاحتقان الطائفي داخل العراق وخاصة السعودية والأردن اللتين تسعيان لإقامة تحالف رجعي لمواجهة "الخطر الفارسي" الذي يحاول التغلغل في العراق.

كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى خلق حالة من التوتر الطائفي داخل العراق تزداد احتقانا مع مرور الأيام وأصبحت اللغة السائدة هي لغة تصفية الحسابات والانتقام المتبادل. وسجلت الساحة العراقية في الأشهر الأخيرة عمليات قتل جماعية استهدفت المدنيين تنذر بوجود مخطط استعماري رجعي يهدف إلى إدخال العراق في دوامة الحرب الأهلية والتطهير العرقي.

إن مسؤولية نزع فتيل هذه الحرب القذرة ملقاة على عاتق المقاومة العراقية. باعتبارها الوحيدة القادرة في الوقت الراهن على توحيد الشعب العراقي حول هدف واحد هو مقاومة الاحتلال وكنسه من كامل الأراضي العراقية. لكن لا بد من الإقرار بأن هذه المهمة ليست سهلة إذا أخذنا بعين الاعتبار الخلفية الأيديولوجية لعدد من الفصائل المنخرطة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وهي خلفية لا تخلو من العقلية الطائفية. وهو ما يزيد من مسؤولية القوى غير الطائفية في دعم الوحدة الوطنية على أسس مبدئية من أجل ضمان الانتصار للمقاومة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني