الصفحة الأساسية > البديل العربي > أي مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان:
أي مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي
أيار (مايو) 2007

نظم "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" يومي 19و20 ماي 2007 ندوة حول حركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي. حضرها من تونس ممثلون عن "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" وهم السادة أحمد نجيب الشابي وعياشي الهمامي ولطفي الحاجي وحمه الهمامي إلى جانب السيد محمد القوماني الذي قدم ورقة تقييمية حول حركة 18 أكتوبر وحاتم الشعبوني عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. كما حضرها ممثلون عن حركة "كفاية" المصرية و"انتفاضة" القضاة المصريين وحركات الشباب المصرية وبالخصوص حركة "المدونات". ومن الجانب السوري حضر بعض ممثلي "إعلان دمشق" المقميمن بالخارج بعد أن منعت السلطات السورية الشخصيات المدعوة من الداخل من السفر. وشارك في الندوة ناشطون من أكرانيا وسلوفاكيا وصربيا شاركوا في ما سمي بـ"الثورات الملونة" إشارة إلى الألوان التي اتخذتها الحركات الليبرالية التي عصفت بحكومات تلك البلدان في السنوات الأخيرة. وأخيرا حضر الندوة كل من السادة كمال الجندوبي رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان وإدريس اليازمي الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهاني مجلي المسؤول عن مؤسسة العدالة الانتقالية ومفكرون ومثقفون من مصر والسودان وغيرهما.

دروس مستفادة من تجارب التحول الديمقراطي في شرق أوروبا:

في الجلسة الأولى ليوم السبت 19 ماي 2007، وبعد كلمة الافتتاح التي ألقاها السيد بهي الدين حسن، رئيس المركز، تم التطرق إلى بعض التجارب الأوروبية الشرقية. وقدم بعض المشاركين من سلوفاكيا (دوسان أوندرو-مدير مجموعة أوروبا الاستراتيجية-أكرانيا...) وهو من الشخصيات التي لعبت دورا نشيطا في ما سمي بـ"الثورة البرتقالية" (2004)، ورقات عمل شملت بلدانا أخرى غير سلوفاكيا وأوكرانيا مثل جورجيا وروسيا البيضاء إلخ...

وقد تركزت هذه الورقات بشكل خاص على استراتيجيات وتكتيكات التعبئة بكل أبعادها الدعائية والتحريضية والتنظيمية والتقنية، وأهمل جانب كبير وأساسي وهو المتعلق بالأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي حفت بالحركات المعنية، وتحديدا طبيعة القوى الطبقية التي قادتها وعلاقاتها بمراكز القوى الدولية وخاصة بالولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي إذ ليس خافيا على أحد تشابك مصالح بعض قطاعات البورجوازية الليبرالية في تلك البلدان مع مصالح الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لمواجهة حكومات مكونة من بقايا بيروقراطية مرتبطة بروسيا. فكان الصراع في الحقيقة محليا-دوليا حسمته القوى الليبرالية الموالية للغرب لفائدتها. وقد عقب على هذه الورقات الدكتور سعد الدين إبراهيم (مصر) الذي قدم أربع ملاحظات يمكن تلخيصها على النحو التالي:

أولا: كل بلد من بلدان أوروبا الشرقية يختلف عن غيره من البلدان وعرف سيناريو خاصا به وفقا لمعطياته الخاصة وبعبارة أخرى فإنه لم يقع تكرار نفس السيناريو في كل بلد، وإن كانت العلاقة بالغرب لا التباس فيها لدى كل الحركات المعنية، وقد سعت الحكومات النابعة منها إلى الدخول في حلف الناتو أو في الاتحاد الأوروبي. أم الوضع في البلدان العربية فهو مختلف لأن الغرب في المنطقة غازي ومحتل ومساند لأنظمة الحكم الاستبدادية.

ثانيا: إن الحركات التي عرفتها أوروبا الشرقية تميزت باتفاقها حول الهدف الرئيسي، فالاتفاق حول هذا الهدف هو بطاقة العبور للانضمام إلى المعارضة دون اعتراضات أو "فيتوهات"، إذن وجدت مرونة كبيرة في التعامل وفي توسيع الحركة التي كان الانخراط فيها مفتوحا. (ليس من الضروري أن نحب بعضنا بل علينا أن ننسق الأعمال بيننا ونكتل جهودنا، هكذا كان الناشطون يقولون). وهنا لاحظ سعد الدين إبراهيم أن الواقع في مصر يختلف عن الواقع في أوروبا الشرقية. فكل طرف ’يساري، إسلامي، قومي، ليبرالي) له أجندته الخاصة من جهة وليست له ثقة بالطرف الآخر من جهة ثانية ويضع شروطا أو يرفع فيتو في وجه هذا الطرف أو ذاك من جهة ثانية.

ثالثا: الدين والحركات الدينية ليس لهما ثقل هام في أوروبا الشرقية مقارنة بالبلدان العربية والإسلامية، وهذا العامل قلل من الإشكالات وخفض التوترات بين مختلف الأطراف.

رابعا: النظام العربي (والنظم العربية عامة) استخدم العلاقة بالغرب مسألة الإسلاميين بخبث شديد. ففي الوقت الذي تربطه علاقة تبعية بالغرب، يُخوّن المعارضين بدعوى أنهم "أعوان الغرب". ومن جهة أخرى فهو يستعمل البعبع الإسلامي لتخويف الأقباط والنساء والفئات الوسطى والبلدان الغربية، ويستعمل في هذا الإطار سياسة الترغيب (إعطاء مقاعد في البرلمان لبعض المعارضات المعادية للإسلاميين) والترهيب (الاعتقالات...).

واختتم سعد الدين إبراهيم كلمته بدعوة الإسلاميين إلى تبديد المخاوف حتى يسحب البساط من تحت أقدام نظم الحكم، وأكد على ضرورة تجاوز الوضع الذي يتسم برباعية: طغاة (أنظمة الحكم)، غلاة (المعارضون الذين يرفعون الفيتوهات والاعتراضات)، غزاة (القوات الأجنبية) شكاة (معارضات تشتكي دون أن تفعل شيئا).

وعلى إثر ذلك فتح باب النقاش للحاضرين. وقد أكد المتدخلون على جملة من الأفكار يمكن حوصلتها كما يلي:

- اختلاف الأوضاع بين أوروبا الشرقية والبلدان العربية عدا في نقطة واحدة وهي تشابه أنظمة الاستبداد. وعلى هذا الأساس فإن الكثير من الطرق والوسائل التي استعملت في تجارب أوروبا الشرقية لا يمكن الاستفادة منها في مصر وبقية البلدان العربية (ذكر أحد المتدخلين أن إطفاء الأضواء للاحتجاج يفرح النظام المصري وان الانقطاعات الكهربائية أمر عادي).
- اختلاف البيئة السياسية المحيطة بأوروبا الشرقية عن البيئة السياسية المحيطة بالعالم العربي وبلدان الشرق الأوسط. ففي الأولى للولايـــات المتحدة مصالح جعلتها تدعم "حركات التغيير" الموالية لها لإزاحة أنظمة تلك البلدان. أما في الشرق الأوسط فإن أنظمة الاستبداد تابعة للولايات المتحدة ومدعومة منها لذلك تحافظ عليها وتحميها من "التغيير".
- المؤسسات الدينية في العالم العربي تدعم الاستبداد ولا تعارضه بينما وقفت بعض المؤسسات الدينية في أوروبا الشرقية إلى جانب الحركات الاحتجاجية ، بقطع النظر عن خلفياتها وأهدافها.
- ضرورة توجه قوى التغيير الديمقراطي في العالم العربي إلى شعوب البلدان الغربية ومنظماتها وهيئاتها المدنية الديمقراطية لكسب دعمها والتعويل عليها في الضغط على حكوماتها حتى تتوقف عن دعم الاستبداد في العالم العربي.
- أثار الأستاذ عياشي الهمامي مسألة تمويل "حركات التغيير" في أوروبا الشرقية وسأل المتدخلين من أوكرانيا خاصة عن الدعم الذي لقيته "الثورة البرتقالية" من المخابرات المركزية الأمريكية: إذاعات متجولة، تدريب على تقنيات الدعاية والتحرك في الشارع إلخ.. ولكن المعنيين لم يردّوا.

حركة 18 أكتوبر، تونس

تمحورت الجلسة الثانية حول تجربة "18 أكتوبر" التونسية. وترأس هذه الجلسة السيد كمال الجندوبي وقدم في مستهلها السيد محمد القوماني ورقة بعنوان:" 18 أكتوبر نجح الإضراب وتعثرت الحركة". وكما هو واضح من العنوان، فإن المتدخّل، لئن أثنى عن إضراب الجوع من ناحية الإعداد والنتائج فإن تقييمه لـ"الهيئة" المنبثقة عن هذا الإضراب ولنشاطها طُبع بالسلبية. فقد اعتبر بأن "حركة 18 أكتوبر" انزاحت عن أهدافها الأصلية (النضال من أجل المطالب الثلاثة للإضراب) واتجهت إلى نقاش قضايا تتعلق بالمشروع المجتمعي (حقوق المرأة، الديمقراطية...) وتحول هذا النقــــاش إلى "ملاحقة فكرية" للإسلاميين بعد أن عانوا من "الملاحقة الأمنية". واعتبر القوماني أن خطاب الحركة يتميز بـ"السوداوية" إذ لا يقر بما تحقق من مكاسب في ظل النظام القائم وهو يتــناقض مع نفسه حين "يعــدد مكاسب المرأة" في إطـــار "محاصرة الإسلاميين". ويضـــيف أن الحــركة تشقها تناقضات واستراتيجيــــــات متباينة مما يجعلها تعيش أزمة هوية فالبعض حسب رأيه يبحث عن "المصالحة" مع النظام والبعض الآخر يدعو إلى "القطيعة" معه، كما أن أعمال "الهيئة" اتسمت بـ"الإرادية" علاوة على كونها فشلت في تكوين اللجان الجهوية وفرّطت نسبيا في هامش القانونية المتوفر لبعض مكوناتها وجنحت إلى العمل السري وبقيت بدون قاعدة جماهيرية ولم تتحول إلى حركة متصلة بالشباب وبالقضايا الاجتماعية للشعب. وذهب القوماني إلى أن أسباب تعثـّر "18 أكتوبر" تعود إلى أزمة الثقة والزعامة الموجودة في صفوفها. ولكن ماذا يطرح المتدخّل لتجاوز هذا "التعثـّّر"؟ سياسة "جديدة" سماها "سياسة الانفراج" تقتضي من الحكم التخلي عن انغلاقه و"هيئة 18 أكتوبر عن تطرفها إن شئنا، حتى وإن لم يذكر المتدخل الكلمة، ولكن هذا هو المقصود بتأكيده على ضرورة التخلي عن منطق القطيعة مع السلطة، والتحلي بالواقعية التي تعني النزول بسقف المطالب في المرحلة الراهنة إلى حدود المطالب الثلاثة المتعلقة بالحريات والتحرك في إطار الممكن (الهامش القانوني) والعمل على تطويره والتخلي عن الحديث عن تغيير نظام الحكم.

وعلى إثر هذه المداخلة أحيلت الكلمة إلى أعضاء "هيئة 18 أكتوبر" الأربعة الحاضرين والذين كانوا شاركوا في إضراب الجوع وهم لطفي الحاجي وأحمد نجيب الشابي وعياشي الهمامي وحمه الهمامي. وقد رد جميعهم على مداخلة القوماني أو قام بتوضيح بعض الجوانب في مسار "الهيئة". يمكن حوصلة الأفكار التي عبر عنها هؤلاء في النقاط التالية:

- إن المداخلة لئن أشارت إلى بعض المعطيات الصحيحة (تعثر نشاط الهيئة أو تقدمها بنسق بطيء، تأخر تكوين اللجان الجهوية، تراجع النشاط الميداني...) فإنها احتوت بالمقابل أشياء خاطئة (عدم تكوين المنتدي، أزمة الثقة أو الزعامة، الملاحقة الفكرية للإسلاميين، غموض الاستراتيجيات، خلافات بين من يريد المصالحة مع السلطة ومن يريد القطيعة...) وحتى المعطيات الصحيحة فإنها وُظفت للتجني على الهيئة أو لتبرير الدعوة إلى النزول بسقف المطالب ومدّ اليد إلى نظام الاستبداد أو بالأحرى مهادنته. - إن هيئة 18 أكتوبر لم تنزح عن برنامجها الأصلي، فمنذ البداية قررت العمل على مسارين، الأول ميداني لتحقيق المطالب الثلاثة (حرية التعبير والتنظيم والعفو العام) والثاني سياسي فكري لتوضيح الموقف مع عدد القضايا الخلافية التي يرتبط الارتقاء بالعمل المشترك إلى مستوى العهد الديمقراطي (انظر البيان التأسيسي).
- إن مكونات "هيئة 18 أكتوبر" متفقة على الموقف من نظام الحكم. فهو استبدادي يحرم الشعب التونسي من حقوقه الأساسية. ومن هذا المنطلق تعمل الهيئة على تأهيل الحركة لخوض معركة لتغيير الحكم وإقامة نظام ديمقراطي وهي لا تعتبر نفسها مجرد "قوة ضغط".
- إن نظام الحكم هو الذي ينتهج سياسة القطيعة مع كافة مكونات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة والحركة الاجتماعية وهو الذي يرفض التفاوض واتخاذ إجراءات انفراجية في الوضع السياسي وينزع باستمرار إلى تشديد القبضة الأمنية على المجتمع. لذلك فإن الحديث عن "التفاوض" و"الانفراج" و"المصالحة" في مثل هذا الوضع هو حديث لا يستند إلى واقع بل هو قائم على أوهام، وانجرار المعارضة إليه سيقودها إلى فقدان المبادرة السياسية والتحول إلى ديكور جديد لنظام الحكم.
- إن "هيئة 18 أكتوبر" تعاني من نقائص عديدة، وإذا كان بعضها يجد تبريره في صعوبة الأوضاع الموضوعية فإن بعضه الآخر راجع إلى كون التجربة ما تزال في بدايتها. وبناء الثقة وتجاوز توترات الماضي يتطلب شيئا من الوقت كما يتطلب صبرا ومثابرة وهذا متوفر لدى أهم مكونات الهيئة. ومهما يكن فإن نقائص عمل الهيئة وصعوبة الظروف لا يمكن توظيفهما لمراجعة خط الهيئة النضالي.

هذه إجمالا النقاط التي أثارها المعقبون. وقد أعطيت الكلمة للحاضرين، فأشاد جورج إسحاق، الناطق الرسمي الأول باسم "كفاية"، بالتجربة التونسية وعبر عن شعوره بالغبطة لكونها استلهمت من تجربة كفاية. ونوه متدخل ثان من هذه الحركة بالنقاش الفكري والسياسي الدائر صلب "منتدى 18 أكتوبر" ودعا "الهيئة" إلى مواصلته وتجنب السقوط في الحركية لأن حركة بلا فكر لن تستمر طويلا. وأشار متدخل ثالث إلى أن ما يميز التجربة التونسية عن التجربة المصرية هو أنها متكونة من أطراف فكرية وسياسية مختلفة ومتنوعة ومتفقة على أهداف تعمل من أجل إنجازها، بينما الثانية، أي كفاية، يسيطر عليها توجه واحد (القومي) وهي في الأساس حركة احتجاجية (حجرة لتحريك البركة الراكدة) ولا تطرح على نفسها مباشرة عملية التغيير.
في العدد القادم من "صوت الشعب": التجربة السورية: "إعلان دمشق. التجربة المصرية: "حركة كفاية" و"حركة القضاة" وحركة "المدونات" الشبابية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني