الصفحة الأساسية > البديل النقابي > طرد 214 عامل عشية عيد العمال
الشركة التونسية لصناعة العجلات STIP:
طرد 214 عامل عشية عيد العمال
أيار (مايو) 2007

هدية عيد العمال بالنسبة إلى عمال شركة "ستيب" تمثلت في طرد ما يقارب 214 عامل منهم. حصل هذا يوم 30 أفريل المنصرم حيث تهاطلت البرقيات على هؤلاء لتعلمهم بأنه تم الاستغناء عنهم. وبالفعل فقد راجت منذ مدة بين العمال أخبار عن نية الشركة تسريح البعض منهم واعتقدوا وقتها أنها مجرد شائعات... فلماذا تم إبلاغهم بهذه الطريقة؟ ولماذا لم تتم استشارتهم في أمر بمثل هذه الأهمية والخطورة؟

واضح أن أصحاب هذا القرار أرادوا الاستفادة من عامل المباغتة لإرباك العمال ووضعهم أمام الأمر المقضي وعدم ترك الوقت لهم لكي ينظموا صفوفهم ويواجهوا.

كان يوم غرة ماي تاريخ تحولهم إلى مقر الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة أين طرحوا مشكلتهم على أعضاء المكتب التنفيذي وعلى النقابيين الذين كانوا يومها يحيون عيد العمال. كانت في السابق تمر هذه الذكرى كالعادة بشكل رتيب لا روح فيها. ولكن في هذه المرة تحولت إلى مناسبة تطارح فيها النقابيون موضوعا تحول في العقدين الأخيرين إلى أهم مصدر لهموم الشغالين ألا وهو سياسة الخوصصة والتفويت المقترنة بالضرورة بالطرد والإحالة المبكرة على التقاعد.

وشيئا فشيئا بدأت تتكشف خيوط المؤامرة التي كان العمال ضحيتها. واتضحت خيانة عديد الأطراف النقابية بداية من قيادة المنظمة والجامعة العامة مرورا بالاتحاد الجهوي والمحلي وصولا إلى النقابة الأساسية. فلا يمكن لهذه الأطراف أن تكون غائبة أو لا علم لها بمداولات اللجنة المركزية للطرد وقراراتها. وقد ثبت إلى حد الآن تورط الكاتب العام للنقابة الأساسية والكاتب العام للاتحاد المحلي بمساكن (الذي اختفى عن الأنظار خوفا من مواجهة مع المطرودين) وأحد أعضاء الاتحاد الجهوي بسوسة.

لقد تبين للجميع أن المقاييس المعتمدة في مثل هذه الحالات لم تُحترم وأن العاملين بالشركة خضعوا للفرز على قاعدة الولاءات النقابية والجهوية والعلاقات الخاصة والمشبوهة وهو ما ولد لدى المطرودين إحساس مضاعف بالظلم زاد في غضبهم وإصرارهم على الطعن في قرار طردهم وبضرورة إعادة فتح الملف برمته من جديد كلفهم ذلك ما كلفهم. رابط المطرودون بمقر الاتحاد الجهوي وقاموا يوم الخميس 10 ماي باقتحام مكتب الكاتب العام الذي كان مجتمعا بأعضاء المكتب التنفيذي وطالبوه بالتحرك السريع وهو ما دفعه إلى القسم أمام الحاضرين بأنه سيستقيل إذا لم يجد تجاوبا من القيادة النقابية مع قضيتهم وأنه سيتحول من أجل ذلك إلى العاصمة يوم الجمعة 11 ماي للقائها. وهو ما تم بالفعل. ويبدو أنه وجد تجاوبا منها وأنها ستعمل على إعادة انعقاد اللجنة المركزية للطرد ومراجعة قائمة المطرودين، أي أن الطرد صار أمرا واقعا وتحوّل إخضاع الطبقة الشغيلة لمقاييس لجان الطرد مكسبا تتباهى به البيروقراطية.

وقد أكد المطرودون أنهم بدأوا في الاستعداد للتصعيد إذا لم يجدوا حلا يرضيهم وقرروا الدخول في اعتصام أمام المعمل بداية من يوم الاثنين 14 ماي.

وقد علمت "صوت الشعب" من مصادر مقربة، أن الشركة على وشك الإفلاس وأنها كانت ضحية سوء تصرف وإدارة ونهب على جميع المستويات. فقد أكد عديد العمال بأنهم كانوا على علم بأن عديد الشاحنات تخرج محمّلة بـ"العجالي" إلى وجهات "مجهولة" وأن عديد الأطراف المتنفذة متورطة في هذه السرقات. كما أكد أحد المسؤولين المحالين على التقاعد وبحضور بعض العمال بحدوث سوء تصرف خطير في الموارد المالية والبشرية وأنه لم يكن بوسعه فعل أي شيء.

كانت الشركة تشغّل ما يزيد عن 1500 عامل عند انطلاقتها في الإنتاج سنة 1985 والآن لم يبق منهم إلا 570. كل المطرودين غارقون في الديون. وفي ما يلي عينة من هؤلاء: رضا الباش، عامل نظافة، 45 سنة، 22 سنة أقدمية، بنت وابنين أحدهما في السجن. مرتب 740 دينار صافي. غارق في الديون: 18 ألف دينار قرض بناء و3 آلاف دينار قرض شخصي و10 آلاف دينار ديون من الشركة و2،4 ألف دينار قرض بنكي لشراء أثاث منزلي. وقد أكد هذا المطرود بأنه سيلتحق بابنه في السجن. وهو خائف من أن يرتكب ابنه جريمة أخرى بعد خروجه من السجن واصطدامه بالواقع المرير الجديد.

*****

هذه عينة عن عمليات الطرد التي تطال آلاف العمال كل سنة نتيجة الخوصصة وسياسة "حوت ياكل حوت...".

لقد كنا عارضنا برنامج الخوصصة منذ انطلاقه سنة 1987 ونبهنا كلما سنحت الفرصة إلى خطورته وتأثيره المدمّر على كل قوى الإنتاج وخاصة الطبقة العاملة والأضرار التي سيلحقها بمختلف المؤسسات الاجتماعية (صحة، تعليم، صناديق اجتماعية...) وانعكاسه السلبي على حياة عموم الشعب.

لقد امتد برنامج الخوصصة وتوسّع ليشمل كافة القطاعات (صناعة، فلاحة، مالية، خدمات) ومثل استحواذ الرأسمال الأجنبي من جرائه على أفضل القطاعات وأكثرها ربحا عاملا زاد في رهن البلاد للاحتكارات الدولية وإفراغ سيادة القرار السياسي من أي محتوى، تجلى ذلك واضحا في مزيد تراجع مواقف السلطة من مختلف قضايا الشعب القومية والأممية وتذيله بالكامل لمواقف القوى الامبريالية خاصة في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان وإيران...

لقد رافق تطبيق برنامج الخوصصة تشديد القبضة الأمنية على الشعب وتراجعا في القوانين المنظمة لحياة السياسية والشغلية حتى يجرّد الشعب من كل أدوات المقاومة ويعزله عن مختلف تعبيراته وقياداته السياسية والنقابية.

إن عقد التحالفات والتفاهمات في حدود مطالب سياسية مجردة تبقى منقوصة وعديمة الجــدوى ونخبوية ولن تستطيع إحداث تغييرات إيجابية على الحياة السياسية ما لم تتوسع وتشمل بقية المجالات، ويمثل التصدي للخيارات الاقتصادية الحالية ولبرنامج الخوصصة الهدام خير قاعدة تبنى عليها التحالفات. إن من عايش ضحايا هذا البرنامج ورغم تدني وعيهم السياسي والنقابي يلاحظ إصرارهم على المواجهة واستعدادهم لخوض كافة أشكال النضال كالاعتصامات وإضرابات الجوع وصمودهم أمام أجهزة القمع يدرك كم هي هائلة الطاقة التي يختزنونها. إن تحوّل هذه الطاقة إلى فعل سياسي ضارب يمر حتما عبر تبني مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية المباشرة.

إن النخب السياسية اليسارية، أفرادا ومجموعات، مسؤولة أمام الشعب والتاريخ عن عجزها وعدم توصلها لتوحيد جهودها والربط مع حركة الجماهير مهما بدت محدودة في الزمان والمكان. ويتحمل مناضلو حزب العمال بما توفر لديهم من زاد نظري وعملي المسؤولية الأولى



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني