الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > الجريمة أكبر من الكتابة
الجريمة أكبر من الكتابة
حزيران (يونيو) 2010

"من يرضى بالظلم دون أن يحتج ضده إنما يتعاون معه في واقع الأمر"

- لوثر كينغ-

كم كان يلزمنا من الصمت كي نقول

كم كان يلزمنا من الحبر كي نقـــول

كم كان يلزمنا من الدم كي نقــــــول

الآن دمٌّ غطَى المناجم و الحقــــــول

يكسر صمتهم و المقصلــــــــــة

الآن، دم يملأ كل المحبــــــــــــرة

الآن، دم يشي بالصَّامتين خلف المجزرة

آه...يا مدينتي المضرجة بحناء الشهيد

مزِّقي حبل المشنقة تقدَّمي صوِّبي ارفعي

المعول و المنجل و المطرقــــــــــة

تدفقـي فإن الأرض قد جفَّت

بدمنا نسقيها

الآن أغنية الرَّبيع

الآن نحـــــن المشنقـــــــــــة

بحناجر بحَّت يفيض الدم على جوانبها

ســــــــنــــغـنِّي للرَّبيـــــع

بفم مزقته الأسلاك والأشواك والمخافر

ســــــنــغــنِّي للرَّبيــــــــع

بالجسد المزروع سجائر

بالجلد المسطَّر بالكرباج

ســـــنـــغــــنِّي للرَّبيــــــع

فليستجيروا بكل ذئاب التلِّ، بحرّاس الذلِّ، بقواديهم، بعسس الطريق وجنود الجوار... هم لم يعرفوا أنَّا على باب التاريخ كتبنا بدمنا المحفور مناجم.. .بالقبر المدسوس قنابل، بالجبل المكنون ملاحم...

إنَّا هنا أبدا رغم هذا الحصار الكبير

إنَّا هنا أبدا رغم هذا الدمـــار الكبير

نكتب بالأحمر القاني بدم الشَّهيد المعتق فينا، بصيحة الأرملة، بالجلد المسلوخ عنَّا في الأقبية، بذكرى نبيل، برمادك المقدَّس...يا هشام

"نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت"

الآن نعرف يا معين أن صمتنا لم يكن ذهبا، الآن نعرف أننَّا حين نصمت تحصل المجزرة... المعذرة

آه... يا مدينتي المضرجة يريدون قتلك واغتيال التاريخ وتزوير الدِّماء

أباطرة الكذب على الشاشات المستأجرة و أصوات الإذاعات و جرائدهم العفنة تُلبسون الشهيد الذي مات من أجل الخبز،

من أجلنا، من أجل الوطن لباس قطَّـــــاع

الطَّريق... وتدعون الناس إلى موكب للرَّجم وطلب المغفرة...فهل نقبل؟

هل نقبل أن يستوي المارق و القدِّيس و أن يتحول المجرم إلى واعظ يعطي الدروس؟ ألا نجاهر؟ ألا نجاهر والدم غطَّى المكان؟ ألا نجاهر واليتم والجوع والموت في مدينتي أغنية الصَّباح...ألا نجاهر؟

أم سنقول لأطفالنا، للشهداء، للتاريخ..."المعذرة كنَّا منشغلين قليلا... بالانتخابات... لو أنكم اخترتم وقتا آخر للشهادة؟؟؟
إن الحاكم ظالم ومن الأفضل أن لا نجاهر... ونحن ضعفاء، كنَّا ننتظر اللحظة المناسبة، فالمجاهرة آنذاك مغامرة... أو ربما سنقول لولا الخلافات التي تشقنا لجاهرنا وساندنا وشاركنا أو ربما انتصرنا؟؟؟ سنقول... من المفروض أن الذي حصل لم يحصل إنَّهم ضحايا شعارات فضفاضة، مساكين ماتوا خطأ... سنقول... "الحاكم ظالم...حسبنا الله و نعم الوكيل"

قولوا ما شئتم حول الاختلافات والانتخابات لكن سيأتي يوم يقول فيه الشَّعب كلمة: "من لم يجاهر فقد خان" وأنَّ من قفز على بركة الدم ومشى على جثث الشُّهداء ليصل الكرسيَّ الوثير قد خان وأنَّ من نمَّـق وزيَّن وبرَّر وزوَّر وغطَّى الجريمة...وجه آخر للكرباج.

قولوا ما شئتم، سينصف الشَّعب الصَّادقين، من قال للجلاَد أنت الجلاَّد تنحَّى ستحمله الأعناق، من توحَّد بجسد الفقير وبصوته، من كان حنجرة وقلما وراية يكتب عليها أحزانه وأحلامه. سيحفر الشَّعب أسماء الشهداء في التاريخ وفي الذاكرة... في كرَّاس القسم وعناوين الأنهج والطُّرقات... سيلملم الشَّعب جراحات من عبر على أجسادهم حتَّى يصل... و سينفض عنهم العذابات الطَّويلة.

عذرا مدينتي المجاهرة...تأخَّر الجميع عن الانتماء لرقعة الوطن المحاصرة...

إنَّنا ندرك الآن أن الكلاب لا تقو على الجبال الباسقة. و أنَّ القضية العادلة لا تقتلها رصاصة غادرة. وأنَّ يوم الخلاص قريب، يوم يلملم الوطن أرجاءه... وتلتحم أمطار الشَّمال برياح الجنوب العاتية. يوم تنصهر النخلة بالسنبلة ويولد البحر من رحم الصحراء الشَّاسعة و تتوحَّد المصانع والغابات والكروم. يومها يفيض الشَّارع بالهتاف ويغصُّ الفضاء بالسَّواعد المنتصرة فنحوِّل أضرحة الشُّهداء من المقابر البعيدة لنزرعها في ساحات المدينة وفي القلوب الدَّافئـة كي يعرف التَّاريخ أسماءهم وتبقى ذكراهم حريقا في العيون الدَّاميـــــــــــة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني