الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الصمت المخزي
الصمت المخزي
30 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

مر أكثر من عشرين يوما على إضراب الصحفي المعتقل "الفاهم بوكدوس" من أجل نيل حريته.

وبالرغم من المساندة الواسعة التي يحضى بها في محنته وطنيا وعالميا في
الوسط الديمقراطي والمدني بطبيعة الحال..

وبالرغم من تعدد أشكال المناصرة (إعلامية– سياسية- إضرابات جوع الخ...)
وتدهور أوضاعه الصحية بما أضحى ينذر بالخطر الحقيقي على حياته.
بالرغم من كل هذا لم تكلف السلطة نفسها بصفة مباشرة أو عن طريق
معاونيها (وقد أصبحوا معلومين في أوقات الأزمات) التطرق من بعيد أو قريب
لإضراب الصحفي والدعوات المتزايد لخلاء سبيله.

فهي- أي السلطة- بمختلف وسائل إعلامها الرسمية وشبهها تتصرف وفق المثل
الشائع "لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم" حتى وإن كان الحدث يثير الكثير من
الضجيج ويتعلق بحياة مواطن معتقل في سجونها البائسة.

والحقيقة أن مثل هذا الصمت ليس بالأمر الجديد ولا الطارئ فهو أسلوب قديم
يرتبط بمقوم من مقومات الديكتاتورية النوفمبرية التي تعادي الإعلام الحر
ونقل الحقيقة وتتصرف على الدوام بهدف التعتيم الكلي وفي أحسن الحالات
تزوير الواقع والوقائع.

ومعلوم إن مثل هذا الصمت سواء فيما تعلق بقضية " بوكدوس" أو غيره علاقة
لا تقبل الجدل أولا على الاستهتار الكبير لنظام الحكم بالرأي العام
الوطني والعالمي وثانيا على تمسك قوي بهذا الأسلوب وثالثا على غباوة لا
حدود لها لأن المسكوت عنه لديهم معلوم ولم يعد ممكنا في عالم اليوم خنق
المعلومة أو الخبر.

وفي مسالة الحال فإن استمرار السكوت لن يجدي الحكومة التونسية في شيء
فإضراب الجوع الذي يواصله "الفاهم" حضر كما يجب في مختلف وسائل الإعلام
المستقلة في الداخل والخارج.والاهتمام به لم يعد حكرا على المعنيين
بالشأن السياسي العام، فهو حديث الساعة في أوساط شعبية بعيدة كل البعد عن
المعارضة والأفكار السياسية. أكثر من ذلك فإن الأوساط لم تعد تبدي
امتعاضها فقط وتندرها من هذا الصمت بل تجاوزته لما هو أعمق وهو ما نطق به
أحد المواطنين العاديين الذين حضروا بالصدفة صبيحة 27 أكتوبر 2010 يوم
الاعتداء البوليسي الهمجي على زوجة "بوكدوس" وبعض الطلاب عندما قال
مخاطبا مرافقه :"يغطو في عين الشمس بالغربال.. توا تتكلم الحكومة وقت اللي
تقول فرنسا أو أمريكا كلمة.."

وهي ملاحظة في مكانها فالحكومة عودتنا على تجاهل بل احتقار المعارضة في
تونس والنسيج الجمعياتي الحقوقي المستقل وطنيا وعالميا والاستماع والرد
على بيانات وحتى إشارات الدول الإمبريالية الغربية وأمريكا. وفي هذا
السياق نذكر بتعاملها مع هذا الملف الذي قابلته بالتجاهل، إلا أن بلاغ
وزارة الخارجية الأمريكية أخرجها من صمتها وأثمر بلاغا رسميا من وزارة
الخارجية التونسية وأعقبه حملة إعلامية تجاوزت صحافة التعليمات للمؤسستين
الإذاعة والتلفزة التونسية زيادة عن الفضائية الخاصة "حنبعل".

عمار عمروسيّة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني