الصفحة الأساسية > البديل الوطني > المعطلون عن العمل في قلب الاحتجاج المنجمي
المعطلون عن العمل في قلب الاحتجاج المنجمي
25 كانون الأول (ديسمبر) 2008

لا يختلف اثنان في أن المعالجة الأمنية القضائية لملف احتجاجات أهالي الحوض المنجمي لم يكن لمعاقبة من "أخلّوا بالنظام العام" و"اعتدوا على الأملاك العمومية والخاصة" ولا لتتبع "قيادات دعت للعصيان والاحتجاج وفق أجندة ضيقة المصالح"، وإنما لاستئصال تلك الحركة المطلبية كي لا تتواصل بأي شكل من الأشكال وحتى لا تصبح نموذجا للاقتداء والاحتذاء، ولذلك اتخذت بعض أشكال مواجهتها طابع التنكيل والتشفي والقمع الاستباقي. إن تلك الأشكال لم تكن "عادلة جنائيا" ولا "موضعية"، كما أنها استغلت حرارة الأوضاع لتصفية حسابات قديمة مع المجتمع النقابي والسياسي والإعلامي حيث لا يخفى على أحد أن سياسة العقاب الجماعي التي توضحت معالمها منذ 6 جوان 2008 لم تشمل فقط المشاركين في الاحتجاجات الذين ساندوها عمليا بل حتى بعض الذين أبدوا التعاطف الأخلاقي معها أو تقاطعوا مع مطالبها.

لقد تعرّضت حركة المعطلين عن العمل في قفصة وخارجها لنيران تلك السياسة وإن بنسب متفاوتة، حيث أوقف وتوبع عدد من قياداتها (حسن بن عبد الله، حفناوي بن عثمان، أحمد فجراوي، الفاهم بوكدوس، رضوان بوزيان، رشيد عبداوي...) وطال الأمر حتى التنسيقية الوطنية لاتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل (بلقاسم بن عبد الله).

لقد بدأ يظهر أشهر قبل انتفاضة الخبز والشغل بمدن الحوض المنجمي أنّ صدر السلطة بدأ يضيق بتلك الفئة التي قطعت في فترة قصيرة خطوات هامة في تنظمها وفي أشكال نضالاتها، وحازت موقعا متقدما في فضاء المجتمع المدني، وبدأت "ديبلوماسية" المسؤولين الوطنيين والجهويين وسلال وعودهم المنتفخة تترك مكانها تدريجيا للخيار الأمني ولسياسة العصا الغليظة، وكلنا يتذكر يوم 29 سبتمبر 2007 حين تعرّض تحرّك سلمي لعدد من مناضلات اللجنة ومناضليها لهجمة قمعية غير مسبوقة، وإلى "مجزرة" أمام أعين المئات من الأهالي المصدومين من هول التنكيل والتعذيب العلني، وجاءت أحداث الحوض المنجمي لتؤكد خطأ تلك الممارسات في تجريم مطالب المعطلين المشروعة وقصورها في معالجة أزمة تشغيلهم أو في كبح جماح احتجاجاتهم.

لقد ساهمت تجربة لجان المعطلين في المراكمة للحراك الاجتماعي في جهة قفصة، وبات شعار "شغل حرية كرامة وطنية"، الذي كان يصدح به العشرات من خريجي الجامعة يتردد على أفواه الآلاف من المحتجين في المظيلة والمتلوي وأم العرائس والرديف، وباتت الشوارع التي فرضنا فيها حق الاحتجاج، ملكا للأهالي، ولأشهر، يعتصمون فيها ويضربون وينصبون الخيام ويسيرون المسيرات الضخمة، كما أن تلك اللجان كانت عمود تلك الحركة الاحتجاجية ومنبعها، فأول رد على فساد مناظرة شركة الفسفاط يوم 5 جانفي 2008 كان نظمه وأطره مناضلو اللجنة المحلية بالرديف بمسارعتهم بالإضراب عن الطعام بالاتحاد المحلي للشغل مدشنين بذلك الحراك الجماهيري الذي استمر لأكثر من 6 أشهر متواصلة. أما في أم العرائس فإن مناضلي اللجنة المحلية قد قادوا ورعوا أهم التحركات بالمدينة حيث امتاز اعتصامهم الذي دام أكثر من شهر ونصف بمقر الاتحاد المحلي للشغل بنجاحه التنظيمي ودقة مطالبه وصواب ربطه لقضاياهم الخصوصية بسائر قضايا الجماهير المسحوقة. ولقد ساهمت عموما هذه الشريحة الاجتماعية مساهمة بارزة في الحركة الاجتماعية بمدن الحوض المنجمي، وربما ساعد تكوينهم التعليمي والفكري وخبراتهم النضالية في المساهمة في الإبقاء على الطابع السلمي والمتمدن لتلك الاحتجاجات وفوتوا الفرصة على السلطة لإجهاضها مبكرا وتشويه القائمين بها.

لقد كان مناضلو حركة المعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد في جهة قفصة في قلب ذلك الحراك إذ نظموا تحركات احتجاجية وساندوا أخرى وقدموا الدعم الإعلامي لها وشاركوا في تظاهرات سياسية ونقابية تضامنا معها.

لقد وقف المعطلون على عدالة قضاياهم وقضايا أهاليهم وأصروا على الانتصار لها مهما كانت التكاليف، متحدين عامل الوقت وتسويف السلط المسؤولة وتدخل التشكيلات الأمنية المتنوعة ومناورات كوادر الحزب الحاكم وضعف المساندة الحزبية والنقابية، مانحين الحركة الاجتماعية التونسية فرصة ذهبية لإعلاء صوتها ليس فقط لتأكيد عظمة المسؤولية المناطة بعهدتها في ظل هيمنة الخطاب الحقوقي والسياسي، بل أيضا لإظهار الطابع الطبقي لتلك الحركة والمهمات المطروحة على قواها وطلائعها في ظل فشل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المرتهنة لجشع السياسات النيوليبرالية المتوحشة.

إن موقع مناضلي حركة المعطلين في النضال الاجتماعي قد أهلهم لسرعة التفاعل مع احتجاجات الأهالي، حيث أبدوا شجاعة فائقة في استنكار واقع البطالة والتهميش والتفقير والتمييز والإقصاء والاضطهاد الاقتصادي، وطالبوا بالتشغيل وببعث مشاريع تنمية حقيقية وبالعدل في توزيع الثروة الوطنية.

إن استغلال الخيار الأمني للنتائج الدراماتيكية التي انتهت عليها انتفاضة المنجميين، لتصفية حركة المعطلين عن العمل، قد انتهى مرة أخرى إلى فشل، حيث مازالت الأسباب الحقيقية لأزمة بطالتهم ومظاهر تجلياتها خارج دائرة المعالجة، مما يجعل من معاودة الاحتجاج وتجذره أمر لا مردّ منه، خاصة وأن الانتفاضة المذكورة قد أعطت دفعا جديدا لقيم النضال والكفاح، وأثبتت إمكانية تجنيد قوى هائلة في سبيل الدفاع عن القضايا الحقيقية للسكان وأولها الحق في الشغل والصحة والتعليم والسكن... وقاد الخيار القمعي إلى مزيد التعاطف مع الأهالي وتجميع القوى السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية والنسائية والثقافية في تونس لنصرتهم والتصدي الجماعي لمخططات القضاء على حركتهم ومزيد التنكيل بها، كما منحهم التضامن الدولي الذي ينطلق من وحدة الوقوف في وجه سياسات العولمة المتغطرسة وآثارها الكارثية، ومن ترابط النضالات من أجل الحريات وحقوق الإنسان والكرامة البشرية.

عفاف بالناصر

منسّقة اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بقفصة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني