الصفحة الأساسية > البديل العربي > المقاومة العراقية أمام تحديات كبيرة
في الذكرى الرابعة لـ"سقوط بغداد":
المقاومة العراقية أمام تحديات كبيرة
نيسان (أبريل) 2007

مقـدمة

أربع سنوات مرت على "سقوط بغداد"... أشياء كثيرة بقيت راسخة بالذاكرة منذ الأيام الأولى للغزو... هجوم بربري، بري وبحري وجوي، على كامل التراب العراقي وخاصة على العاصمة بغداد وضواحيها، وأخبار متضاربة عن مدى قدرة القوات العراقية المسلحة على التصدي والصمود... بعد عشرين يوما من القصف الهمجي الذي دمّر البلاد وقتل وشرّد الآلاف، جاء الخبر بمثابة القنبلة الأكثر فتكا التي هزت وجدان الناس... لقد سقطت بغداد..! وبينما كان البعض يشكك في صحة الخبر ويمنـّي النفس بأن هذه "خطة من القيادة العراقية" و"تكتيك جديد"... تتالت الأخبار والصور لتؤكد أن البرابرة الجدد دخلوا بغداد..! دبابات وآليات عسكرية تجوب الشوارع وعلم الولايات المتحدة يغطي تمثال صدام حسين في وسط العاصمة قبل لحظات من إسقاطه... فرحة الانتصار أفقدت فريقي بوش وبلير صوابهما فراحا يوزعان التهاني والأماني ويبشران بـ"الديمقراطية" و"الحرية" و"إعادة الإعمار" وجَعْلِ العراق أنموذجا لـ"التقدم" في المنطقة وعبرة لكل الرافضين والمتنطعين. ووصل الأمر بهما إلى حد الاستخفاف بمؤسسات "المجتمع الدولي" معلنين صراحة عن موت "الأمم المتحدة"، وعن حرمان الدول التي عارضت الحرب (فرنسا، روسيا، الصين...) من المشاركة في مشاريع "إعادة الإعمار". في ذلك الوقت كانت شعوب العالم مصدومة، وخاصة في الدول العربية والإسلامية، نتيجة الانهيار السريع وغير المتوقع للنظام العراقي، لتزداد صدمتها وذهولها أمام حجم الدمار الذي لحق العراق والذي لم يستثن المباني والمنشآت والعباد بل امتد إلى تخريب المتاحف والمكتبات..!

ولم تمض سوى شهور قليلة حتى جاءت المفاجأة الكبرى..! المقاومة العراقية تنهض من جديد..! وهذه ليست مفاجأة في حد ذاتها باعتبار وأن المقاومة هي نتاج طبيعي وحتمي للاستعمار، لكن المفاجأة الحقيقية هي حجم وقوة هذه المقاومة التي أربكت العدو وزعزعت أركانه وشتت صفوفه وأرغمته على تغيير سياساته واستراتيجياتها. وعلى امتداد أربع سنوات لا تزال هذه المقاومة متواصلة رغم كل ما يبذله الغزاة للقضاء عليها من هجومات عسكرية وخطط أمنية ومؤامرات داخلية وخارجية وضغوطات على دول الجوار... وهو ما أجبر الغزاة على الاعتراف بهزيمتهم وبضرورة الإسراع بالخروج من المستنقع.

ما هي أحوال العراق بعد أربع سنوات من الاحتلال؟ وهل بإمكان المقاومة العراقية توحيد صفوفها للتعجيل بطرد المحتلين وبناء العراق الجديد؟

1 – اقتصاد الفساد والنهب:

السيطرة على نفط العراق هو السبب الرئيسي للحرب (إلى جانب سبب رئيسي آخر هو ضمان أمن الكيان الصهيوني). لذلك ومنذ الأيام الأولى للاحتلال عوّل الغزاة على نهب النفط ومشاريع "إعادة الإعمار" لتنشيط الاقتصاد العراقي المنهار. وكانوا يأملون أن يصل إنتاج النفط إلى مستوياته قبل الحصار والغزو (6 ملايين برميل يوميا) مع وضع حوافز لجلب الشركات للاستثمار في العراق. لكن كل ما توقعوه وخططوا له أفشلته المقاومة التي فرضت واقعا أمنيا لا يساعد لا على الاستثمار ولا على إنتاج النفط الذي بقي إنتاجه في حدود المليوني برميل يوميا (2,07 مليون برميل يوميا خلال 2006). وقد قدرت عائدات النفط لسنة 2006 بحوالي 28,38 مليار دولار. ويتعرض النفط العراقي للسرقة والنهب من الغزاة وأتباعهم. وحسب المنظمات العالمية المهتمة بشفافية المعاملات الاقتصادية فإن العراق يحتل المرتبة الثانية عالميا في الفساد الاقتصادي بعد بنغلاداش. ووصلت نسبة التضخم إلى مستويات قياسية وهي الآن في حدود 60%.

2 – الوضع الاجتماعي: بلد منكوب

الحالة الاقتصادية المتردية يعكسها الواقع الاجتماعي المتردي الذي تجاوز كل الأرقام القياسية في كل ما هو سيئ بعدما كان يعتبر أنموذجا مقارنة بباقي الدول العربية. والأرقام كفيلة بإعطائنا فكرة عما وصل إليه عراق الاحتلال بعد 4 سنوات: 40% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تتجاوز الـ50%، و49% من الأطفال يعانون من أمراض سوء التغذية، ونسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي تبلغ 86%، و21% من الفتيات في سن الدراسة لا يذهبن إلى المدارس، ويقدر عدد الأيتام بحوالي 5 ملايين طفل والمعوقون بحوالي 900 ألف، وهناك أكثر من مليون ونصف مليون أرملة، إضافة إلى مئات الآلاف من المطلقات وأغلب هؤلاء النساء يقمن بإعالة نحو 7 ملايين طفل ويعشن في مستوى مترد ويعانين من أمراض عديدة مزمنة وخطيرة. ومن الأشياء الخطيرة أن استهداف العلماء والمثقفين العراقيين من طرف الميليشيات المدعومة من الامبريالية والصهيونية والرجعية أدى إلى تجهيل وتخريب المجتمع العراقي. ونذكّر مرة أخرى أن الحرب على العراق أدت إلى وفاة ما يقارب 700 ألف عراقي، لتكون بذلك من أكثر الحروب في التاريخ البشري التي أدت إلى سقوط أكبر عدد من القتلى إذا أخذنا بعين الاعتبار مدة هذه الحرب وعدد المتضررين بالنسبة إلى العدد الجملي للسكان. ويقدّر المراقبون عدد القتلى من المدنيين العراقيين بـ100 قتيل يوميا.

3 – بلد تحكمه الميليشيات الإجرامية

عملت قوات الاحتلال بقيادة الامبريالية الأمريكية كل ما في وسعها لتركيز حكومة عميلة قادرة على قمع المقاومة وتوفير مناخ أمني مناسب لنهب ثروات العراق النفطية وتحويل أراضيه إلى قاعدة عسكرية في خدمة المشروع الأمريكي الاستعماري والتوسعي. ولا تزال إدارة بوش تتعثر لتحقيق هذا الهدف، لكن دون جدوى. فحكومة المالكي، التي توجت مسارا كاملا من المحاولات اليائسة والفاشلة ضمن ما يعرف بـ"إنجاح العملية السياسية في العراق"، غير قادرة على حماية نفسها من ضربات المقاومة حتى داخل مربع "المنطقــة الخضراء" التي اهتزت أكثر من مرة (خاصة منذ بداية العام الجديد). وتعاني هذه الحكومة العميلة، التي تشكلت على أساس طائفي، من الصراعات الداخلية ومن الاختراق سواء من طرف الميليشيات الطئفية الإجرامية أو من طرف فصائل المقاومة. وهي حكومة مرتبطة بالاحتلال ووجودها مرتبط بوجوده، وهذا ما يفسر الدعوات الملحة التي يوجهها المالكي لقادة البيت الأبيض بضرورة الإبقاء على قوات الاحتلال في العراق. وقد احتدت الخلافات داخل فصائل هذه الحكومة في المدة الأخيرة مما يهدد بنهايتها خاصة بعد انسحاب "الكتلة الصدرية".

4 – عصابة بوش في مأزق حقيقي:

كلام بوش لم يعد يقنع أحدا بما في ذلك حتى بعض المقربين منه في الحزب الجمهوري. ولم يبق له سوى ترديد كلام لا معنى له حول "ضرورة النصر" وأن "العراق محطة هامة في الحرب على الإرهاب" وأن "الإرهابيين إذا ما انتصروا في العراق فإنهم سيلاحقوننا حتى داخل الولايات المتحدة" وغيرها من الشطحات التي تؤكد عمق الأزمة التي بات يواجهها اليمين المتطرف في البيت الأبيض بسبب تورطه في العراق. والصراع محتدم الآن بين بوش و"الديمقراطيين" الذين يسعون إلى هروب "مشرف" من الجحيم العراقي. وكل هذا يدل على أن الامبريالية الأمريكية، بجمهورييها وبديمقراطييها، لم يعد لها ما تفعل في العراق، ولم يبق لها سوى الهروب.

5 – مقاومة قوية لكن!

يمكن القول بأن المقاومة العراقية هي "معجزة القرن الواحد والعشرين" بدون منازغ. فما حققته هذه المقاومة في أقل من أربع سنوات لم يكن متوقعا حتى من أكثر المحللين تفاؤلا، بالنظر إلى شراسة الهجوم والبربرية والعنصرية التي طبعت الغزو والأهداف المعلنة والخفية التي قادت اليمين المتطرف في الولايات المتحدة المدعوم من كل امبرياليات العالم ومن الصهيونية ومن الرجعيات العربية وغيرها من الرجعيات الدائرة في الفلك الامبريالي العالمي المنقاد أكثر من أي وقت مضى بإيديولوجيا استعمارية وشوفينية، تسعى إلى السيطرة على العالم وإخضاع الشعوب، مستغلــةالاختلال الكامل في موازين القوى لصالحها.

لقد تمكن المقاومة العراقية من تكذيب كل التوقعات الداعية إلى عدم الفائدة من التصدي للغول الأمريكي، وأعادت الاعتبار لقيم النضال والصمود وأكدت مرة أخرى أن إرادة الشعوب لا تقهر. واليوم صرنا نسمع في أكثر من منطقة عن "الأنموذج العراقي في المقاومة" (الصومال، أفعانستان...). لكن هذه المقاومة تواجهها تحديات كبيرة قد تضعفها إذا لم تتجاوز نقائصها. ومن أهم هذه النقائص والأخطاء:

أولا: التشتت، فالمقاومة العراقية غير موحدة، لا سياسيا ولا عسكريا، بل هي مشتتة في عدة فصائل مسلحة بعضها لا يملك تصورا سياسيا واضحا وبعضها الآخر له نزعة طائفية.

ثانيا: الطائفية: لقد عمل الاحتلال منذ انتصابه على تغذية النزعات الطائفية وتوزيع الفتات على "زعماء" و"أمراء" الطوائف حسب الولاء والقدرة على خدمة مصالحه. ومن المؤسف أن بعض فصائل المقاومة سقطت في هذا الفح فصبغت نفسها بصبغة طائفية ونصّبت نفسها ناطقة باسم هذه الطائفة أو تلك وتعادي الطوائف الأخرى وتتهمها بالعمالة و"الكفر" و"الارتداد" وقد يصل الأمر إلى حد إصدار فتاوي تجيز إفناء هذه الطائفة أو تلك. صحيح أن أغلب الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين حسب الهوية هي من صنع الاحتلال وعملائه لكن هناك بعض هذه الأعمال تحمل بصمات جماعات مسلحة تنتمي إلى المقاومة.

ثالثا: الاقتتال الداخلي: الخلافات بين فصائل المقاومة وصلت إلى حد الاقتتال وهو ما يهدد بإضعافها وتسهيل مهمة الأعداء المتربصين بها من قوى الاحتلال وعملائه في الداخل والخارج. وجاءت الاتهامات التي وجهها "الجيش الإسلامي" لـ"دولة العراق الإسلامية" في بيان له تداولته وسائل الإعلام يوم 5 أفريل الجاري لتكشف عن عمق هذه الخلافات. فقد جاء في هذه الاتهامات أن مسلحين تابعين لهذه "الدولة" قتلوا أفرادا من المقاومة ينتمون لفصائل مختلفة من المقاومة المسلحة (الجيش الإسلامي، جيش المجاهدين، الجبهة الإسلامية، أنصار السنة...). كما أن هذه "الدولة" فرضت "النقاب" على نساء العــــراق ووضعت جملة من "المحرمات" تذكرنا بنظام "طالبان" في أفغانستان.

خـاتمة:

كل هذه النواقص وغيرها تجعل الخوف على مستقبل المقاومة مشروعا باعتبارها الأمل المتبقي للشعب العراقي وممثله الشرعي والوحيد، وباعتبارها المسؤولة عن مستقبل وحاضر العراق. فالمقاومة، أيُّ مقاومة، ليست عمليات عسكرية ضد المحتل فحسب بل هي برنامج سياسي ومشروع مجتمعي يضع الخطط ويرسم الأهداف ويحدد الأعداء والأصدقاء ويرتّب الأولويات وفق متطلبات الصراع في ظرف موضوعي معين.

إن الأولويات المطروحة اليوم على المقاومة العراقية بجميع فصائلها هو وضع حد للخلافات والصراعات الداخلية وتوحيد الصف، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية والفكرية والانتماءات الدينية والطائفية، حول برنامج حد أدنى يضع مقاومة الاحتلال موضع الصدارة ويخضع جميع التناقضات الأخرى للتناقض الرئيسي وهو التناقض بين الامبريالية الأمريكية وعملائها من جهة، وبين كل مكونات الشعب العراقي باختلاف أعراقه وطوائفه وتوجهاته من جهة أخرى.

وللأسف الشديد، يبدو هذا الأمر صعب المنال في العراق بالنظر إلى طبيعة أغلب فصائل المقاومة المنقادة بعقلية لا تخلو من النزعات الطائفية المتغلفة بالدين والتي تتغذى من الفكر السلفي الرجعي الذي لا يقيم وزنا للواقع الموضوعي ويقسّم المجتمع تقسيما عقائديا ويتعامل مع الشعب العراقي بعقلية "الأمير" و"الرعية"، فمثلا "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" أعلن عن تأسيس "دولة العراق الإسلامية" دون التشاور مع بقية فصائل المقاومة ودون أخذ رأي الشعب في ذلك.

ويتحمل اليسار العراقي مسؤولية تاريخية في واقع المقاومة اليوم لأنه تـَخلـّفَ عن الانخراط فيها. فلو كان اليسار مؤثرا على ساحة المقاومة لكان الأمر مختلفا. فكل حركات التحرر الوطني التي قادها اليسار تمكنت من توحيد صفوف المقاومة (الفيتنام، الصين...) لكن "الإسلاميين" وإن كانوا نجحوا في الميدان العسكري فإنهم فشلوا في الميدان السياسي (فلسطين، لبنان، العراق...).



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني