الصفحة الأساسية > بديل المرأة > المناضلات التـّونسيّات "هدفٌ متميّز" لعنف الدّولة
في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء:
المناضلات التـّونسيّات "هدفٌ متميّز" لعنف الدّولة
11 كانون الأول (ديسمبر) 2009

بمناسبة "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء" الموافق ليوم 25 نوفمبر من كل سنة، أصدرت السلطات التونسية بيانا نشر في الصحف وبثته وسائل الإعلام الأخرى السمعية والبصرية، قدمت فيه كالمعتاد، صورة مغلوطة حول وضع النساء في تونس، في ظل "العهد الجديد" بـ"مقومات الكرامة في نطاق المساواة التامة والشراكة الفاعلة" بين الجنسين، وأن الدولة كانت دائما "سباقة" لحماية النساء من ظاهرة العنف "لتنافيها وأبسط مبادئ الإنسان واحترام الذات البشرية". وعدّد البيان ما أسماه "خططا وبرامج" أذن بها "سيادته" لـ"نشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم المساواة والحداثة" بهدف "ترسيخ صورة إيجابية على قيم الاحترام المتبادل والتعامل السليم بين الجنسين" (الصباح 25 نوفمبر 2009).

وبنفس المناسبة نشرت الصحف الصادرة يوم 25 نوفمبر 2009ن نص رسالة توجهت بها ليلى بن علي، رئيسة منظمة المرأة العربية" إلى السيدات الأول بالدول العربية الأعضاء في المنظمة وعضوات المجلس الأعلى لـ"منظمة المرأة العربية". وقد قالت ليلى بن علي في رسالتها بأن العنف ضد المرأة من "الممارسات التي تمس جوهر كيان المرأة وتهدد حقوقها الأساسية وسلامتها وحرمتها الجسدية والمعنوية"، وأضافت أن:" القضاء على العنف ضد المرأة يمثل ضرورة حضارية واجتماعية بقدر ما هو قيمة أخلاقية". ولم تنس صاحبة الرسالة تذكير زميلاتها بأن تونس، التي يحكمها زوجها منذ 22 سنة، والتي مازال ينوي حكمها مدى الحياة، ما انفكت "تحمي" المرأة التونسية من العنف لأن ذلك "يمثل حجر الزاوية في بناء الأسرة المتوازنة وإرساء مقومات المجتمع المتآزر والمتضامن" (الصباح 25 نوفمبر 2009).

إن كل متابع عن كثب لما يجري في تونس، خاصة في هذه الأيام التي تعقب المهزلة الانتخابية ليوم 25 أكتوبر الماضي، لا يمكن أن يثير فيه هذا الكلام الوارد على السواء في البيان الرسمي أو في رسالة ليلى بن علي، سوى الاستهزاء والسخرية ولن يرى فيه سوى تجسيما لما أصبح اختصاصا تونسيا، معروفا في كافة أنحاء المعمورة وهو "القول الجميل والفعل القبيح" أو "الهوة السحيقة بين الخطاب والممارسة" وهذا "الإنجاز العظيم" هو من بين إنجازات "صانع التغيير" في "العهد الجديد"، الذي عرف كيف يسوّق، بمساعدة حفنة من مرتزقة الإعلام والسياسة، صورة لنظامه أو بالأحرى لتونس في ظل نظامه مناقضة للواقع، بهدف تجميل الوجه البشع لهذا النظام. وتمثل المتاجرة بقضية المرأة في "السوق الدولية" إحدى أهم الوسائل المستعملة في عملية التجميل هذه.

إن العنف بمختلف أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية والسياسية، يمثل "الوجبة اليومية" التي يتقاسمها معظم التونسيات والتونسيين منذ أن ورث حزب الدستور الحكم عن المستعمر الفرنسي بالخصوص منذ أن جاء بن علي إلى السلطة فجر يوم السابع من نوفمبر 1987. إن الحقوق يُنصّ عليها في الورق فحسب للدعاية. أما عمليا فيفرض على الشعب التونسي، بكل الوسائل وخاصة بقوة البوليس الغاشمة واقع لا حرية فيه ولا حق. ويمثل النساء ضحية أساسية من ضحايا هذا الواقع البائس فعلاوة على غياب المساواة في الحقوق، قانونا وممارسة، وما يترتب عن ذلك من تمييز بين الجنسين في الأسرة والمجتمع والحياة العامة، فإن النساء عرضة بشكل خاص لشتى أشكال العنف المادي والمعنوي بسبب جنسهن. وتمثل الدولة أكبر ممارس لهذا العنف على النساء.

إن واقع النساء المناضلات في مختلف المجالات هو دليل بارز على صحة ما نقول. إن هؤلاء المناضلات هنّ نخبة النساء وطليعتهن التي تكافح من أجل القضاء على المظالم المسلطة عليهن وتحقيق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين. وهو ما يجعل من تعامل السلطة مع هذه النخبة أو الطليعة مقياسا لمدى احترامه لحقوق النساء بشكل عام ولكرامتهن كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

وليس خافيا اليوم أن النساء المناضلات هنّ عرضة للقمع الوحشي لنظام بن علي. فمنذ سنوات عديدة وبالخصوص في الفترات الأخيرة لا يكاد يمرّ أسبوع وحتى يوم أحيانا دون أن تتعرّض هذه المناضلة أو تلك لاعتداء بوليسي: ضرب، جر في الشارع، تهديد بالاغتصاب، اعتقال، محاكمات، إهانة إلخ.. والأمثلة على ذلك كثيرة: راضية النصراوي، سهام بن سدرين، عفاف بن ناصر، خديجة الشريف، سهير بلحسن، غزالة المحمدي، زكية الضيفاوي، فاتن حمدي، نجوى الرزقي، مية الجريبي، أم خالد، سامية عبو، إيمان الطريفي، ليلى بحرية إلخ..

وبالإضافة إلى العنف المادي، يتعرّض العديد من هؤلاء المناضلات، بشكل دائم لأفظع أشكال العنف المعنوي، وذلك من خلال حملات تشهير أخلاقية، غاية في الرذالة والانحطاط. فالمناضلات، في "القاموس السياسي" لنظام بن علي وأذنابه من مرتزقة الإعلام والسياسة، "مومسات" و"عاهرات" و"شاذات" إلخ.. تنشر كل هذه في الصحافة التي يمولها بن علي وبوليسه دون أن يحرّك قضاء التعليمات ساكنا. وما من شك أن الناس يتذكرون ما نشر في تقارير حقوقية قبل عامين حول سلوك بوليس بن علي مع طالبات أوقفهن في مسيرة. لقد ذكرن أن من أولى الأسئلة التي طـُرحت عليهن:" هل أنت عذراء أم لا؟" !! ولا شك أنهم يتذكرون أيضا ما تعرّضت له الناشطة الحقوقية والسياسية زكية الضيفاوي من محاولة اغتصاب أثناء إيقافها بالرديف في صائفة 2008 إثر المظاهرة النسائية المطالبة بإطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي.

إن ما يؤكد أن كل هذه الممارسات المتخلفة هي سياسة دولة وليست مجرد تجاوزات معزولة، هو أن مرتكبيها ظلوا فالتين من العقاب. فكل القضايا، دون استثناء التي رفعها الضحايا، ضحايا العنف، وحملات الصحافة الموبوءة، لم تؤدّ إلى أي نتيجة، بل إن معظمها لم يفتح فيه حتى مجرد بحث شكلي، واستمرت الاعتداءات المادية والمعنوية ضد النساء المناضلات بوتيرة أقوى. فعن أي احترام لكرامة المرأة التونسية وحقوقها تتحدث ليلى بن علي!!

وخلاصة القول فإن الدكتاتورية لا يمكن أن تكون إطارا لحماية النساء من العنف لأنها هي ذاتها ترتكز على العنف لإخضاع التونسيات والتونسيين وحرمانهم من حريتهم وحقوقهم. فلا حرية ولا كرامة للنساء في مجتمع لا حرية ولا كرامة فيه للجميع.

إن القضاء على العنف ضد النساء يقتضي أوّلا وقبل كل شيء القضاء على نظام الاستبداد وتوفير مناخ من الحرية والديمقراطية ومن العدالة الاجتماعية بما يكفل للنساء حقوقهن ومساواتهن التامّة والفعليّة مع الرجال.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني