الصفحة الأساسية > البديل الوطني > النهضة تحسم الأمر والقوى التقدميّة تطالب بالمزيد
الدستور والشريعة:
النهضة تحسم الأمر والقوى التقدميّة تطالب بالمزيد
29 آذار (مارس) 2012

¶ ياسين النابلي

احتد الجدل في الآونة الأخيرة حول مسألة تضمين الشريعة كمصدر أساسي للتشريع في دستور تونس الجديد وهو ما فتح الباب على مصراعيه لتعدد الآراء وتباينها إلى حد التناقض في أغلب الأحيان، فما أبداه البعض من تمسك بتطبيق الشريعة على مستوى القوانين أو الاعتماد عليها كمرجع أساسي في التشريع قابله البعض الآخر بالعديد من التخوفات التي لامست جوانب عدة ومنها مدنية الدولة وديمقراطية نظامها ومكاسب المرأة فيها بصفة خاصة والحداثة بصفة عامة، وقد تجاوز هذا النقاش حدوده النخبوية لتنتقل عدواه إلى الشارع التونسي الذي شهد حراكا متباينا في المدة الفارطة كانت تقف ورائه مختلف التيارات السياسية والعقائدية التي اختلفت في هذا الشأن، فكان أن نظم جل المنتمين إلى التيارات الإسلامية في ما أسموه بـ"جمعة نصرة الشريعة" تظاهرة أمام المجلس التأسيسي دعوا فيها إلى تطبيق الشريعة الإسلامية رافعين العديد من الشعارات من بينها "رغم النار والحديد عن الشريعة لن نحيد"، ومن جهة أخرى نظمت القوى الديمقراطية والتقدمية والعديد من المواطنين في ذكرى عيد الاستقلال مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة عبروا فيها عن تمسكهم بالطابع المدني للدولة وما تحقق للمرأة التونسية من مكاسب بفضل مجلة الأحوال الشخصية.

ماذا يريد دعاة الشريعة؟

إن أغلب التيارات الإسلامية الناشطة في تونس باختلاف تصوراتها العقدية التقت في سلة واحدة أثناء طرح مسألة المرجعية الدستورية وبدى جليا دعمها الكبير لتطبيق الشريعة الإسلامية والتنصيص عليها كمصدر وحيد للتشريع في الدستور الجديد، وفي هذا الصدد اعتبر الناطق الرسمي باسم حزب التحرير رضا بالحاج أن "الشريعة الإسلامية ليست نظام عقوبات فقط وإنما هي نظام اجتماعي واقتصادي وهي منظومة كفاية ورعاية" وبالتالي فإن تطبيقها من وجهة نظر رضا بالحاج يعتبر انتصارا للأحكام التي أنزلها الله على البشر ليهتدوا بها في دنياهم، وإن ما يروجه حزب التحرير من تصورات حول الشريعة تهدف في مجمل مقاصدها إلى تأسيس نمط حكم تيوقراطي جديد يتمثل في "الخلافة" والذي يتناقض في مبادئه العامة مع ما ابتدعته الديمقراطية الحديثة من وسائل وأساليب في تنظيم الحياة العامة وخاصة في مسألة التمثيلية إذ أن دعاة الخلافة لا يعترفون بالمجالس البرلمانية ويعتبرونها خروجا عن ملة الإسلام.

هذه الأفكار جاءت بأكثر جرأة على لسان مشايخ التيارات السلفية الذين ربطوا تطبيق الشريعة بمحاربة الأفكار الغريبة عن دين الأمة الإسلامية التي تسللت إلى المجتمع التونسي تزامنا مع فترة الاستعمار، وبالتالي فإن العودة إلى تطبيق الشريعة بمختلف أبعادها العقدية والسياسية والاجتماعية تعد في نظر هؤلاء مصالحة مع "الدين المسلوب" وقد بلغ الأمر بأحد زعماء السلفية الجهادية "سيف الله بن حسين" الملقب بأبي عياض حد القول في أحد التصريحات التي أدلى بها لإحدى الصحف التونسية "الحكم بالشريعة سيكون أحب من أحب وكره من كره"، وينطلق التصور السلفي في فهمه لمسألة الشريعة من معاداته لفكرة الديمقراطية التي تعني في رأيهم "رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب وليس إلى الله والرسول" وبالتالي فهي مناقضة لشرع الله ووجب محاربة كل من يتبناها.

التقت هذه التصورات في جانب منها مع تصريحات بعض أعضاء حركة النهضة وهو ما جعل العديد يوجهون أسهم النقد إلى هذه الحركة على اعتبار أنها أصبحت "الحامي الأكبر" للتيارات السلفية.

تجاذبات داخل النهضة...

عبر بعض قادة حركة النهضة داخل المجلس التأسيسي عن تمسكهم باعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع على غرار الحبيب خذر والصحبي عتيق والحبيب اللوز والصادق شورو، واعتبروها مطلبا شعبيا لا يتناقض مع المسار التاريخي الذي يعرفه الشعب التونسي كما نفوا أن تكون هذه الدعوة مختزلة في تطبيق المبادئ الزجرية والردعية، وفي المقابل ظهرت تصريحات أخرى من داخل حركة النهضة استبعدت طرح موضوع الشريعة في الدستور وأبرزها ما صرح به رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي أكد أن "جزءا من القانون المدني التونسي مستمد من الشريعة الإسلامية بما فيها مجلة الأحوال الشخصية وأنه ليس في برنامج الحركة دعوة إلى تطبيق الشريعة معتبرا أن الأولوية تتمثل في إقامة نظام ديمقراطي يكفل حرية الاختلاف لجميع المواطنين"، إن الأفكار التي عبر عنها ما أصبح يعرف بالجناح المتشدد داخل حركة النهضة وجدت صدا من طرف شريكي الحركة في الحكم "المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات" اللذان رفضا التنصيص على الشريعة بشكل إطلاقي وقد اعتبر حزب المؤتمر أن المحافظة على الفصل الأول من دستور 1959كافيا لتجنب المتاهات التي لا طائل منها، وفي نفس السياق أكد مصطفى بن جعفر رئيس التكتل أن حزبه لا يتفق مع وضع الشريعة مصدرا أساسيا في الدستور معتبرا أن "الشريعة ليست واحدة بل توجد شرائع واجتهادات متنوعة"، ومن جهة أخرى عبرت جل مكونات الحركة الديمقراطية والتقدمية في تونس عن رفضها لاعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع مؤكدة على أن ذلك يدخل في إطار التوظيف الإيديولوجي للدين الإسلامي من أجل التأسيس لمرحلة جديدة للاستبداد السياسي تحت أغلفة دينية، وفي المقابل دعت إلى ضرورة إيجاد توافق بين جل المكونات المؤثثة للمشهد السياسي من أجل إرساء نظام ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات العامة والفردية لكل المواطنين.

وأمام هذا الكم الهائل من التجاذبات الدائرة داخل حركة النهضة وخارجها لم تجد الحركة من سبيل سوى حسم الأمر لطرف على حساب الآخر فكان أن أعلنت يوم الاثنين الفارط على إثر هيئة تأسيسية انعقدت الأحد 25 مارس 2012عن تمسكها باعتماد الفصل الأول من دستور 1959 وبالتالي الحكم بالسلب على مسألة تطبيق الشريعة، وقد وصف هذا الموقف بالعقلاني والإيجابي في ظل الانقسام السياسي والشعبي الحاصل ومن جانب آخر اعتبره البعض خطوة أولى تحسب لحركة النهضة ولكنها لا تعتبر حسما نهائيا لمسألة الانحياز لمدنية الدولة خصوصا وأن العديد من النقاط الأخرى لم تطرح بعد مثل الفصل بين الدين والدولة ومجلة الأحوال الشخصية.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني