الصفحة الأساسية > البديل العربي > بعد اعتقال صدام حسين، مستقبل العراق بيد المقاومة الوطنية
بعد اعتقال صدام حسين، مستقبل العراق بيد المقاومة الوطنية
23 كانون الأول (ديسمبر) 2003

ألقت قوات الاحتلال الأمريكية يوم السبت 13 ديسمبر 2003 القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. وقد حاول جورج بوش وأعوانه طوني بلير وكل الذين ساهموا بالأمس في الحرب العدوانية على العراق ويساهمون اليوم في احتلاله واضطهاد شعبه ونهب خيراته وثرواته تقديم هذا الحدث على أنه "يوم تاريخي" بالنسبة إلى "الشعب العراقي" و"المجتمع الدولي" ممنين النفس بأن يخمد اعتقال صدام حسين المقاومة الوطنية التي طالما قدموها على أنها "أعمال إرهابية" تقف وراءها "عناصر من النظام القديم وأجانب ينتمون إلى شبكة الإرهاب الدولي التابعة لتنظيم القاعدة وغيرها".

وفي الحقيقة فإن اعتقال الرئيس العراقي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يطمس الطبيعة العدوانية للحرب التي تشنها الامبريالية الأمريكية وبعض حليفاتها على العراق ولا واقع الاحتلال الذي يرزح تحت وطأته هذا البلد ولا ضرورة أن تتواصل المقاومة السياسية والعسكرية ضد المحتل حتى يخرج مهزوما. وقد أكد تواصل المقاومة بعد اعتقال صدام حسين بل حتى تصريحات بوش المتشائمة في خصوص ما أسماه "احتمال استمرار الأعمال الإرهابية" (أي أعمال المقاومة)، أن الحسابات الخاطئة للغزاة الامبرياليين. فالاحتلال، وهو أشنع أشكال الاضطهاد لما يعنيه من قهر وإذلال وتمييز ونهب، لا يمكن أن يولّد سوى المقاومة، ولا علاقة لذلك بسقوط شخص أو حتى نظام بأكمله مثلما بينت كافة التجارب الاستعمارية السابقة.

وإلى ذلك فنحن نعتقد أنه لا إدارة بوش ولا مجلس الحكم الانتقالي يملكان صلاحية محاسبة صدام حسين. فالأولى لأنها تمثل قوة محتلة غاشمة، منقادة بإيديولوجية حربية، توسعية عنصرية، خاصة تجاه الشعوب العربية والإسلامية وهو ما يفسر دعمها اللامشروط لمجرم الحرب أرييل شارون الذي يلتقي معها في المنطلقات والأهداف، وبالتالي فإن هذه الإدارة غير مخولة لمحاسبة صدام حسين ونظامه، لأنها هي ذاتها وعلى رأسها بوش من المفروض محاكمتها لما اقترفته وتقترفه من جرائم في العراق وأفغانستان وغيرهما من بقاع العالم.

إن عدالة المحتل جائرة وزائفة ولا تهدف إلا إلى تبرير جرائمه، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها.

أما مجلس الحكم الانتقالي فهو مركّب من حفنة من عملاء الامبريالية الأمريكية الذين ساندوا العدوان وأيدوا ولا يزالون الاحتلال، ولا شرعية يستمدونها إلا من المحتل الذي نصبهم وأعطاهم الامتيازات على قدر ولائهم. وليس أدل على حقيقة هذا المجلس وطبيعته من كون أهم رمز فيه وهو المدعو أحمد جلبي ملاحقا من القضاء الأردني الذي حكم عليه بعشرين سنة سجنا من أجل السرقة والاحتيال، وبالتالي فإن المجلس الانتقالي بكافة رموزه الدينية والعرقية والسياسية لا يملك أهلية محاسبة صدام حسين ونظامه، خصوصا أن ما يجري اليوم في العراق من تقتيل لأبناء الشعب العراقي وإذلالهم ونهب لخيراتهم حتى من قبل الشركات الصهيونية، لا يشكل أي تحسن في أوضاع هذا الشعب، يمْكن لخونة المجلس الانتقالي أن يوظفوه لـ"تجميل" الاحتلال وإضفاء صورة المحرر على بوش الفاشستي التوسعي وخادمه طوني بلير.

إن الشعب العراقي وحده هو المخول له محاسبة صدام حسين ونظامه لأنه هو المعني بكل ما حصل في ظل هذا النظام الذي لا يخفى على أحد أنه حظي، في معظم ما يتهم به اليوم من قبل الامبريالية الأمريكية خاصة والغربية عامة، مثل قمع الشعب والتنكيل بالمعارضة وإثارة الحرب ضد الجيران (إيران خاصة) واستعمال السلاح الكيمياوي ضد الأكراد (1988) حظي بدعم هذه القوى طالما أن ما قام به أعمال خدمت مصالحها (الصراع مع الاتحاد السوفياتي، التصدي للثورة الإسلامية الخمينية…)، علما بأنه لم يتحول في نظرها إلى "شيطان" إلا ساعة رفض الانصياع لها وأصبح يهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.

ومن هذا المنطلق فنحن نعتبر أن مستقبل العراق لا يرتهن اليوم بمصير صدام حسين، باعتقاله ومحاكمته ثم ببقائه حيا في السجن أو إعدامه، وهو ما يريده جورج بوش الذي أصدر حكمه قبل أن تنتصب أية محكمة، وإنما بالمقاومة الوطنية وبمدى قدرتها على الارتقاء بنفسها سياسيا وتنظيميا وعسكريا ولف الشعب العراقي حول برنامج وطني يعكس طموحه في التحرر من الاحتلال الأجنبي واستعادة استقلال بلاده وإقامة نظام ديمقراطي، تقدمي، غير طائفي، والسيطرة على خيراته وثرواته الطبيعية وتوظيفها في النهوض بالعراق حسا ومعنى. إن عراقا مستقلا، موحدا وديمقراطيا وتقدميا هو الذي سيكون قادرا على تقويم تاريخه المعاصر وخاصة فترة الحكم البعثي وعلى رأسه صدام حسين.

إن واجب القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية في بلادنا أن تدعم نضال الشعب العراقي ضد المحتل، وأن تفضح كافة مناوراته بما فيها المحاكمة التي ستنظمها لصدام حسين وأعضاده من القيادة العراقية.

الخطأ الفظيع أن يعتقد بعض "ديمقراطيينا" أن الامبريالية الأمريكية قامت بعمل "إيجابي" في العراق بأن خلصت شعبه من دكتاتورية غاشمة وهو غير قادر على التخلص منها بنفسه. فأصحاب هذا الموقف ينسون أولا أن الامبريالية الأمريكية غزت العراق وأسقطت نظامه ليحلوا محله ويخضعوا البلاد والعباد لمصالحهم وثانيا إنه ما من شعب جدير بالحرية والديمقراطية إلا إذا كان قادرا على افتكاكها وفرضها بنفسه. فهي محصلة لوعيه التاريخي. وبالتالي فإن الديمقراطية إذا لم يفرضها الشعب العراقي بنضاله فإنها ستظل حلما بعيد المنال.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني