الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تأبين الطاهر الهمامي
كلمة الحبيب الحمدوني، نائب رئيس رابطة الكتاب الأحرار:
تأبين الطاهر الهمامي
14 أيار (مايو) 2009

يا الطاهر، أي الكلمات تفي بحقك ونحن نواري جثمانك الثرى لتخرج عنا خروجا بلا رجعة؟

يا الطاهر، لماذا فعلتها ورحلت بهذا الشكل المفاجئ الغادر؟ ألأن الأقدار عاتية لم تستطع الصمود أمام أحكامها أو لأنك رأيت أنك أنجزت كامل واجباتك واستنفدت مهامك فآثرت الانسحاب دون كبير ضجيج؟

مهما يكن من حال، فالعظماء من أمثالك لا يرحلون وإن رحلت أجسادهم ولا يفنون وإن فنيت عظامهم. لقد بذرت في تربتنا ما به تعانق عالم البقاء والخلود. فلقد رويت أرضها العطشى بعرق كدحك دون ملل أو كلل منذ ريعان شبيبتك الأولى وإلى أن خطفتك يد المنون. فقد اخترت الالتزام الواعي بطريق الحرية والحق والعدالة والجمال على وعورة هذه الطريق وما بها من مشاق ولم توثر السلامة كما فعل الكثيرون. تمرّدت على السائد الرديء والموروث الجامد اليابس فكنت حطّابا اقتلع الجذور وكنت راهبا حطّم الأصنام وكنت ثائرا كسّر الأنساق وخلخل السواكن وكنت عاقلا أعاد النظر في الرؤى والمفاهيم.


يا الطاهر
، كانت أفكارك جريئة وخلاقة ومبدعة ولاهثة وراء البحث والمكابدة. كانت كتابتك إحراجا لا هوادة فيه للواقع والموروث على حد السواء. كانت نشدانا لمستقبل أفضل. ساءلت مقومات القصيدة العربية من إيقاع ولغة وصور ومضامين فانتهيت أنت وبعض من رفاقك إلى خوض مغامرة شعرية غير مسبوقة. مارست التجريب طالبا الأنضج والأكمل والأجمل فانتقلت بين العمودي والحر وغير العمودي والحر وبين الفصيح والعامي وما بينهما وبين الطليعة والواقعية وبين الحداثة والتراث.

يا الطاهر، أخرجت الشعر من عليائه وسياجه النخبوي وفتحته على المتداول من الكلام وضمّخته بلسان العامة ومأثور المعيش اليومي ونزلت به إلى باعة الروبافيكا والشّياتين والخدامة والمهمّشين وكل من هم واقعون تحت وطأة الفاقة والبؤس.

يا الطاهر، فصلت في دنياك بين عربتين: عربة أولى للمناضلين والأحرار وذوي الكرامة والأنفة وجميع التواقين إلى العدل والحرية، وعربة ثانية كما وصفتها أنت وبكلمات مناسبة انسياب الجدول الجاري:

و"عربة
للسّواقط والسّاقطين والسقـّاط
ومن سقطوا أو اسّاقطوا
ومن ألفوا السقوط والانحطاط".

فكنت قائدا من خيرة العربة الأولى، ذائدا عنها بشتى الوسائل ألوان الشرور المختلفة، سائرا بها وسط الأشواك والمتاهات، مصرّا على الوصول بها إلى شواطئ الخير والسلامة. وكنت نارا لا ترحم على ركـّاب العربة الثانية من السقاط والساقطين ومن لا ضمير لهم.

يا الطاهر، لم تعبأ بأولئك الأزلام المأجورين المكلفين بمهام إرباكك وتشويه صورتك عسى يخور عزمك وتنثني عن التزامك.

يا الطاهر، لم يجبن قلمك ولو مرة ولم يخفت صوتك. تقول كلمتك عاليا وجهارا على أعمدة الصحف وفي اجتماعات النقابة وفي المحافل الأدبية وعلى منابر الجامعة وتوثقها إبداعا أو تنظيرا.

يا الطاهر، لن ننسى جملتك المدويّة وأنت تندفع اندفاعا لا مشروطا لدعمنا والانخراط الفعّال معنا ساعة أعلنّا عن تأسيس رابطة الكتّاب الأحرار أثناء إجابتك عن سؤال صحفي حول موقفك من الجمعية الناشئة:
"حيثما تكون الحرية أكون"


يا الطاهر
، وإن كنا نراك الآن ببصرنا ممدّدا أمامنا مسجيّا فإننا لا نراك ببصيرتنا بقامتك الفارعة وجسدك النحيل إلا مرفوع الهامة شامخا كالنخل الضارب في السّماء كما كنت دوما في حياتك، تحتفي بنا ونحتفي بك، تشارك أبناء شعبك أفراحهم وأتراحهم، تصدّ عنهم سياط القهر والاستغلال والاستعباد.

يا طاهر، نم هنيئا راضيا مرضيّا في عالم السّرمد الأبديّ. فلن ننساك وستكون بيننا باستمرار طالما أن أقلامنا جديرة بلقب الحريّة وطالما أننا جديرون بصفة الأحرار.

.... عهدا لن ننساك


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني