الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تغيّرت الطبول وبقيت الأنغام
تغيّرت الطبول وبقيت الأنغام
27 آذار (مارس) 2008

كانت "البديل" في المدّة الأخيرة أشارت أكثر من مرّة إلى خبر تعدّد الإقالات التي طالت الكثير من المسؤولين بأجهزة الدولة والحزب الحاكم بالجهة، ومنذ افتتاح هذه القائمة برحيل كلّ من معتمد أم العرايس وكاتب عام جامعتها الدستوريّة، نبّهنا إلى أمرين: أوّلهما أنّ قائمة الرّاحلين مفتوحة إلى حدود كبيرة وليس من المُستبعد أن تأتي على كل المُتنفذين، وثانيهما فشل هذه الحركة في امتصاص نقمة الأهالي وعودة الهدوء للجهة.

وقد جاءت وقائع الأيام الأخيرة لتُؤكد صحّة توقعاتنا، ففي المستوى الأول -أي الإقالات- توسّعت القائمة كما لم يحدث من قبل لتشمل والـي الجهة وكل معتمدي الحوض المنجمي وحتّى غيره (السند، تمغزة...) إضافة إلى كاتب عام لجنة التنسيق الحزبي وكاتب عام جامعة الحزب الحاكم بأم العرايس، دون أن ننسى مسؤولين بمصالح ومؤسسات جهويّة (المركب الكيماوي، الفلاحة، التشغيل...).

أما في المستوى الثاني -أي فشل الحركة- فإنّ مجمل هذه التغييرات مع كل ما رافقتها من إشاعة للأوهام المبشّرة بتغيير الأحوال لم تقدر على وأد الإحتجاجات واستمرارها حتى اليوم على الأقل بمنطقتي الرديف وأم العرايس، أكثر من ذلك فإنّ الهدوء السائد خارجهما يعود أوّلا وقبل كل شيء إلى أمور مرتبطة بعوامل ذاتيّة تتّصل بدرجة الوعي العام للأهالي وبغياب القيادات والأطر التنظيميّة الكفيلة باستمرار الحراك.

وفوق هذا فإنّ الهدوء المذكور ليس إلاّ حالة ظرفية وهشّة من الممكن أن تنقلب في كل لحظة إلى ضدّها وهو ما تمّ فعليّا أكثر من مرّة بمدينة المظيلة، بل أنّ مُؤشّرات عديدة تُؤكّد الإمكانات الواقعيّة لانتشار "عدوى" الإحتجاجات إلى الضفة الصامتة حتى الآن من جهة قفصة، ولعلّ تعدّد تحرّكات أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل بزانوش-السند في الآونة الأخيرة يُمثل اللبنة الأولى لذلك التوسّع القادم دون ريب.

إنّ حملة الإقالات رغم اتّساعها ما زالت مفتوحة على وجوه أخـرى بالتجمّع ومختلف أجهزة الدولة السياسيّة والإداريّة والأمنيّة، ونكاد نجزم برحيل الجميع في الأيّام والأسابيع القادمة، وهي القناعة الحاصلة لدى الكل بما فيها المُتبقين من المسؤولين الجهويين على اختلاف مواقعهم وخططهم الوظيفيّة، حتّى أنّ البعض منهم إما دخـل دوائر اليأس والإحباط من أولياء نعمته وإما انغمس في ترتيب رحيله القادم.

تأتي السلطة هذه الحركة ضمن سياق وحيد يهدف إلى ربح الوقت وإيهام الرأي العام الشّعبي وخصوصا بالحوض المنجمي بأن ما أتته وتأتيه من نقل لرجالاتها هو الحل لمطلب التشغيل والتنمية العادلة، ولعلّ وقوف النّظام على الفشل الواقعي لهدفها المذكور هو ما يدفعها إلى التقسيط المُمل في إزاحـة المسؤولين بالجهة حتّى تضمن التّمادي في هذه المسرحيّة العبثيّة وكي تعطي من جهة الإنطباع بجديّة قراراتها، ومن جهة أخـرى التستّـر على ضعفها وعجزها الفظيع عن المعالجة الجادّة لمشكلات الجهة.

ومن سوء حظ هذه السلطة أنّ مثل هذا التكتيك لم يلق إلا الإستهجان والإمتعاض ليس فقط من قبل العناصر الواعية بسوء الأوضاع وإنّما حتّى من قبل الفئات الشعبيّة محدودة الوعي التي يجمع بين أجزاء كثيرة منها تعليقات وأراء، وحتّى النكات وكلّها يصبّ في خانة التشكيك في جدوى مثل هذه التحويرات، ويصل الأمر حدّ اليأس من هكذا تحويرات وفق المثل الشعبي "اقلع بصلة.. اغـرس ثـومة". ولا يستنكف البعض الآخـر عن المُضي أبعد في توصيف ما يقع، فبين من يرى المُقالين مجرّد أكباش فداء لاحتياجات عامّـة، وبين من نظر إلى هذه التحويرات على أنّها ترقيات وحماية لمجموعة لصوص تندرج ضمن إعادة ترتيب البيت لمن يحكُم.

والحقيقة أنّ كلّ هذه الآراء على قدر كبير من الصواب ذلك أنّ مطالب المُحتجّين بعد أكثر من شهرين أضحت معروفة ولا لُبس فيها، وما يعلمه القاصي والداني أنّ سلطة بن علي مُطالبة أوّلا وقبل كلّ شيء لنزع فتيل الأزمة التوجّه بصفة مُباشرة إلى مُعالجة المشاكل القائمة، وذلك بتحقيق الحد الأدنى المعقول من مطالب الغاضبين والسّاخطين، وغنيّ عن البيان أنّ هذا الحد الأدنى لن يقع الإتفاق بشأنه إلاّ ضمن حوار مسؤول بين قطبي الصراع (السلطة، والأهالي)، وهو ما يتوجّب من هذه السلطة الإعتراف بهيئات المجتمع المدني الناشئة من رحم الإحتجاجات في كل من الرديف وأم العرائس، فلا نظنّ أحدا بإمكانه إنكار الدّور المحوري الذي لعبته ولا زالت تلعبه لجنة تأطير التحرّكات في الرديف، ولا نظن عاقلا بمقدوره طمس التطوّر الكبير للجنة أصحاب الشهائد المُعطلين عن العمل في أم العرائس، فالأولى رأسها الأكثر شعبيّة هو السيد عدنان حاجّي، والثانية وجهُها الصاعد السيد جمال عليّة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني