الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تقرير حول زيارة
اللّجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي:
تقرير حول زيارة
17 أيار (مايو) 2008

17 ماي 2008

سعيًا للوقوف على آخر التطوّرات بالحوض المنجمي، تحوّل كلّ من عبد الرحمان الهذيلي ومسعود الرمضاني إلى الرديف وتبديت والمتلوي في واقع تواتر إشارات متناقضة تُرواح بين الانفراج والتصعيد: من بداية المفاوضات مع لجنة التفاوض بالرديف، إلى وفاة الشاب هشام بن جدو العلايمي بالصعقة الكهربائية واتهام مسؤولين بالتسبّب في وفاته، فالمواجهات في أم العرايس والاعتصامات في الرديف وأم العرائس والمتلوي. وإذا كنّا نعتذر لأصدقائنا في أم العرائس لعدم تمكّننا من زيارتهم لضيق الوقت، فإنّنا نعتقد أنّ في المعطيات التي وقفنا عليها -وهي المعطيات التي سبّبت ولا تزال تسبّب الاحتجاجات المتواصلة بالجهة - ما يلخّص الوضع العام بالحوض المنجمي، وأهمّها:

- الاحتقان الاجتماعي في المؤسسات المشغّلة، على نُدرتها، ومنها شركات المناولة.
- غياب جلّ المرافق الأساسية في قرى مثل تبديت التي يعيش فيها حوالي 2500 ساكن أغلبهم من الشباب.
- تردّي الوضع البيئي الناتج عن استخراج الفسفاط وتأثيراته السلبية على صحة المتساكنين وعلى سلامة المياه والنشاط الفلاحي المتواضع - أصلا- في المنطقة.
- غياب المشاريع الاقتصادية القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب، وخاصة منهم أصحاب الشهائد ممّا كثّف من النّزوح والهجرة.
- مراوحة السلطة في مواجهة المحتجّين بين الاستعداد للتفاوض (مثلما حصل في الرديف) والعنف (مثلما حصل في الرديف وأم العرائس وتبديت يومي 06 و07 ماي 2008).

في الرديف:

كان لنا لقاء مع عمال شركة الحراسة والخدمات "صوقاس" المعتصمين بالاتحاد المحلي منذ ما يزيد عن أسبوعين. وتعود أسباب التجائهم إلى الاعتصام - كما ذكروا لنا - إلى ظروف عملهم السيئة التي تفتقر لأبسط تراتيب العمل الطبيعيّة ولأدنى احترام لقوانين الشغل. وهم يطالبون خاصة بـ:

- تخفيض ساعات العمل من 12 ساعة إلى 8 ساعات، مع مراعاة جوانب حياتهم الأسرية حيث يبقى العامل منهم لمدة تزيد عن أسبوع بعيدا عن عائلته.
- مراجعة التدرّج والترقيات، إذ منهم من قضّى 13 سنة ولا يزال في نفس الدرجة.
- الزيادة في الأجور، حيث يتقاضى العامل حوالي 240 دينارا، بينما تدفع شركة فسفاط قفصة 900 دينار عن كل عامل لصاحب شركة المناولة.
- احترام الحق النقابي، والقبول بنقابة مُمثّلة للعمال تُدافع عن مصالحهم. فالنقابة الحالية يختارها صاحبيٍِ شركة المناولة.
- الترسيم حسب قوانين الشغل، إذ أنّ عقود عمل العمّال في شركة "صوقاس" تُجدّد كلّ 3 أشهر منذ ما يزيد عن 10 سنوات حتّى لا يتمّ ترسيمهم.

ونحن إذ نحيّي صمود هؤلاء العمال رغم وضعهم المادي الصّعب، فإنّنا ندعو السلطة وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل للتدخل من أجل إيجاد حلّ يحفظ كرامتهم ويرتقي بالعلاقات الشغلية بما يحفظ مصلحة العمال والمؤسسات.

في تبديت:

تقع تبديت على بُعد حوالي 12 كم من معتمدية الرديف. وقد كانت أرضا زراعيّة تُزوّد الرديف وأم العرائس بالمنتوجات الفلاحيّة، إلاّ أنّ مياهها جفّت وأشجارها ذبلت بسبب التلوث الناتج عن استخراج الفسفاط.

وللوصول إلى تبديت، عليك أن تسلك طريقا غير معبّدة، ترشّها يوميا شركة فسفاط قفصة بالمياه لتسهيل تنقّل الشاحنات بينما تبقى المنازل المتانثرة والأراضي التي كانت - يوما ما- فلاحيّة عرضة للغبار. أمّا المنازل التي مررنا بها فقد بدت من جدرانها شقوق عميقة: هي من آثار استعمال الديناميت في مقاطع الفسفاط القريبة.

قدّمنا التّعزية باسم اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي واستمعنا لأختيْ هشام تتحدّثان عن ظروف وفاته، وتلخّصان معاناة الأحياء:

- فقد كانت هذه العائلة المتكوّنة من 10 أفراد تعيش من عمل الأب الفلاحي قبل أن يُصاب بسقوط دائم وتموت الأرض جرّاء التلوث فينزح هشام إلى سوسة بحثا عن عمل.
- تعتبر أُختا الفقيد أنّ اعتصام البعض من الشباب كان سلميّا، ولم يكن له من هدف غير لفت الانتباه لواقع البطالة المستشري، وهو لذلك لا يستوجب الردّ بمثل ذلك العنف ناهيك عن القتل.
- تصرّ عائلة الفقيد على تتبّع من يثبت تورطه في موت هشام، وتستغرب من بقاء جثته تحت الشمس حوالي التّسع ساعات (من 9 صباحا تقريبا إلى حدود 7 مساء، حيث قدم حاكم التحقيق).

وأنت تخرج من تبديت، تُراودك العديد من الأسئلة المحيّرة حول مصير قرية شبه ميتة لا تملك حتى حقّ الاحتجاج على ما أصاب حيطان منازلها المتواضعة من تشقّق.

في المتلوي:

زرنا الاتحاد المحلي بالمتلوي حيث يُضرب عن الطعام عمال مطرودون من 3 قطاعات هي: الكهرباء والغاز والصحّة وشركة فسفاط قفصة. وما يمكن استخلاصه:

- أنّ المعدل العمريّ لهؤلاء العمال هو 50 سنة، يُعيلون عائلات وأبناء يتطلّبون مصاريف باهضة لا يقدر على تلبيتها العامل فضلا عن العاطل (حتّى أنّ أحدهم تساءل باكيا كيف له أن يدفع مصاريف ابنتيه في الكلية؟ وكيف له أن يرعاهما؟).
- أنّ أغلبهم في حالة صحية خطيرة لكونهم يعانون من أمراض مزمنة (السكّري والقلب...)، ويقتضي استعمال الأدوية المناسبة الأكل.
- أنّ أسباب طرد البعض منهم - حسب روايتهم - مُجحفة، من ذلك أنّ السيد محمد ساسي غومة المتّهم في قضية اختلاس أموال قد برّأته المحكمة في كلّ مراحل الحكم، لكنّ الشركة رفضت إرجاعه.

إننا ندعو السلط الجهوية لدراسة وضعياتهم الشغلية والعائلية والاجتماعية والبحث عن حلول تنقذ عائلاتهم من التشرّد والفقر.

خلاصة:

إننا نرى أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في منطقة الحوض المنجمي لا يستوجب حلولا عاجلة فقط، بل خطّة إستراتيجية بعيدة المدى لتنمية تضع في الاعتبار إمكانيات الجهة وحاجياتها.

ولتحقيق ذلك لا بدّ من تشريك كلّ أطراف المجتمع المدني في حوار جدّي يضع مصلحة الجهة والبلاد فوق كلّ اعتبار.

عن اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي

مسعود الرمضاني

عبد الرحمان الهذيلي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني